29-نوفمبر-2020

بين الولاء الحزبي والانتماء الوطني (فيسبوك)

لا يزال السياسي في الدول الديمقراطية الشرق أوسطية يقع في ثنائية معقدة تؤثر على أدائه السياسي وأداء الدولة بشكلٍ عامٍ. تتمثل هذه الثنائية: في الولاء والانتماء، وهذه بحد ذاتها تعد وسيلة وغاية في آن واحد، فهي وسيلة للوصول للسلطة كهدف، وغاية الاستمرارية في تحقيق هذا الهدف لأطول فترة ممكن. وتختلف طريقة البقاء في السلطة، باختلاف طبيعة القواعد الاجتماعية التي تمنح الشرعية للسياسي الذي يعتمد على عواملها: الجهوية، والقبلية، والدينية، ومن هنا تنشأ هذه الثنائية المعقدة التي يتم تكريسها في الحزب، الذي إذا ما اعتمد على هذه الثنائية سيصبح منغلقًا على التوجهات الأخرى، وربما تمنح الظروف والبيئة التي ينشأ فيها الحزب، أن يكون منشطرًا ما بين الولاء والانتماء، على اعتبار أنه يضع في نظر الاعتبار المساعدات التي قدمت وقت تأسيسه سواءٌ أكانت ماديةً أو معنويةً.

ينظر السياسي العراقي قبل وبعد عام 2003 إلى الدولة من المنظور الحزبي، ومن الحزب للمنظور الاجتماعي بطابعه المذهبي، أو القومي

 وهذا في الواقع لا يتحمل الحزب، أو السياسي الذي كرس عمله فيه مسؤولية هذه الثنائية، فثمة أطراف أخرى تتحمل هذه المسؤولية منها النظام السياسي الذي كان قائمًا آنذاك لم يمنح الفرصة لها أن تمارس عملها بحرية في وطنها، إذ كان السياسي المعارض يتعرض إلى التنكيل وانتهاك حقوقه الأساسية التي تمنحها المواثيق والدساتير. 

اقرأ/ي أيضًا: دور الضغوط الاجتماعية في تبني السياسات العامة

ينظر السياسي العراقي قبل وبعد عام 2003، إلى الدولة من المنظور الحزبي، ومن الحزب للمنظور الاجتماعي بطابعه المذهبي، أو القومي، بمعنى يختزل المجتمع، والدولة بالحزب، وهذا يعني أنه يعمل على ربط الدولة ومؤسساتها وأذرعها الأمنية بالحزب على اعتبار أن الحزب قد كسب شرعية من القواعد الاجتماعية، وهذا عمليًا يجعل الحزب كمؤسسة بديلةً عن مؤسسات الدولة، ويربطها جميعًا بقيادةٍ ترتكز بشخصيةٍ واحدةٍ. وعليه إذا ما انتقلنا إلى السياسي العراقي بعد عام 2003 وطريقة إدارته الدولة، فنحن أمام أنموذجين:

أولًا: النموذج السياسي المذهبي

 بعد عام 2003 يعتقد السياسي أنه ابن الحزب الذي يستند إلى قاعدة اجتماعية، والمقصود في ذلك السياسي العراقي الشيعي، والسياسي العراقي السني، إذ يستند الأول في إدارة الدولة على المرجعيات الدينية التي تحاكي السياسي في طريقة إدارتها، وعندما يتمكن في التوغل في مؤسسات الدولة، أصبح يسمع رأي الحزب، ويتراجع عن تلك المرجعيات في حالة اتخذت مسار مغاير لمساراته، والشواهد هنا كثيرة وواضحة، إذ دعمت العملية السياسية العراقية بجميع شخوصها وأحزابها المنتمين إليها، عملت على تكريسهم في مؤسسات الدولة عبر خطب الجمعة، والبيانات الأخرى باتخاذها الموقف التوجيهي والإرشادي، وعندما أعلنت برائتها من سياسات سياسيي تلك الأحزاب، حتى بادرت الأحزاب، والسياسي الذي ينتمي إليها بالإعلان، أن الحزب لا يستند إلى هذه المرجعيات في توجهاتهِ، وهذا يشكل أزمةً حقيقيةً في إدارة الدولة العراقية، التي يتم إدارتها من المنظور الحزبي، وليس من المنظور الوطني، ولا بد من الإشارة إلى أن بعض الأحزاب وسياسييها، قد اتخذت بعض المواقف على صعيد البرامج السياسية، إدارة الدولة من رؤية وطنية بعيدةً عن الرؤية الحزبية. أما السياسي السني: وفي ظل غياب المرجعيات الدينية الذي يستند اليها، إلا أن عملية إدارة الدولة تستند إلى احد ما على العامل المذهبي، ولا سيما بعد عام 2003، رغم تصوراتهم بشأن إدارتها تقوم على الأساس الوطني الذي لا يمت بصلة للولاء الحزبي القائم على الاستناد المذهبي.

ثانيًا: النموذج السياسي القومي

 يعتمد السياسي العراقي ذات التوجهات القومية بعد عام 2003، في إدارة الدولة العراقية على البعد القومي الذي ينتمي إليه، الذي يتم ممارسته عبر الحديث دائمًا عن العراق الفدرالي وضرورة تثبيت أركان هذا النظام، القائم على أساس تقاسم الصلاحيات بين السلطات المركزية، وسلطات إقليم كردستان، والمحافظات، وفي الواقع أن هذا النظام استثمر سياسيًا من جانب واحد من أجل تأسيس الدولة القومية، والحديث هنا عن السياسي الكردي الذي استطاع أن يكرس حقوقه القومية في النصوص الدستورية، بعد أن نجح في إقناع السياسي المذهبي الذي أراد إضفاء الطابع الديني للدولة العراقية، عبر جعل الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع وليس المصدر الوحيد، كما تمكن من إقناع السياسي القومي العربي الذي أراد إضفاء الطابع العربي للدولة، عبر التأكيد أن العراق عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وواضح أن السياسي الكردي ينظر إلى عملية إدارة الدولة العراقية من المنظور القومي الذي تمثله الأحزاب القومية الكردية .

فالسياسي الحقيقي ليس كما ذكر أعلاه، وإنما هو الذي يتنبأ بمصير الدولة ومستقبها ويعمل على حمايتها عبر مؤسساتها، لا مؤسسة الحزب، والتأثير في نفوس الجماهير عن طريق المشاريع الحقيقية التي تسوغ مبدأ المواطنة، وإن استمر في هذا المسار فإنه يتحول عمليًا إلى رجل الدولة، فهناك فرق بين رجل الدولة الذي يفكر بالأجيال القادمة عندما يكول الانتماء وطنيًا، ورجل السياسة الذي يفكر بالانتخابات القادمة عندما يكون الولاء حزبيًا، الأول يجعل الدولة أعلى من الحزب، والثاني يجعل الحزب أعلى من الدولة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ثقافة العشيرة: المشكلة هي الحل!

جدلية الفكر والواقع