تتعلق الضغوط الاجتماعية بالقلق، وعدم الثقة بالنظام السياسي وسياساته المتبعة، لا سيما إذا كانت ذات طابع اجتماعي كـ الصحة، والتعليم، والفقر وغيرها، وتختلف طبيعة الضغوط باختلاف بيئة النظام السياسي، والمسار السائد فيه، فهناك ضغوط اجتماعية بطابعها العسكري، وأخرى بطابعها المدني، والغاية الأساسية منها: تبني سياسات تحقق لها أبسط حقوقها الدستورية والمؤسسية، فكلما كان النظام ديمقراطيًا ويسمح بهامش طفيف من الحرية؛ كانت هذه الضغوط سلمية من جانبها وترفع مطالبها في حدود هذا الهامش، وأحيانًا، يتم دفعها لكي تكون عنيفة عبر ما يسمى بـ"الثورة المضادة"، وفي حالة كان النظام ذو سلوك استبدادي ستكون الضغوط الاجتماعية عنيفة، أو يتم عسكرتها عن قصد من أجل الإطاحة بها والقضاء على معالمها.
ضغوط انتفاضة تشرين أجبرت حكومة التوافقات السياسية على تقديم استقالتها، وبذات الوقت دفعت باتجاه تشكيل حكومة جديدة
إن الضغوط الاجتماعية في أساسها العام تعد سياسات اجتماعية، وهي جزء من السياسات العامة في الدولة، يتم فرضها أما من النظام السياسي على المجتمع، وهناك نماذج كثيرة منها النموذج التركي في طابعه الجمهوري، إذ تم فرض العلمانية على المجتمع التركي المتدين بعد إعلان الجمهورية، أو يتم فرضها من المجتمع على النظام السياسي، وأيضًا يوجد أنموذج مهم جدًا، وهو الأنموذج التشريني في العراق الذي حدث عام 2019، وإن تم احتواؤه من النظام السياسي بحدود ما؛ لكنهُ ترك واقعًا مهمًا.
اقرأ/ي أيضًا: هل يفرض شروط الانتخابات المبكرة السلاح أم "تشرين"؟
مطالب السياسات الاجتماعية المعبر عنها بالضغط الاجتماعي الذي حدث في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، بدأ ولم يزل بمطالب اجتماعية تتمثل في توفير الفرص للخريجين، ومكافحة الفساد، وإلغاء المنسوبية والمحسوبية في الدوائر الحكومية، وإصلاح النظام السياسي، والقضاء على البطالة، فضلًا عن مطالب أخرى تمثل كما ذكرنا السياسات الاجتماعية. هذه الضغوط أجبرت حكومة التوافقات السياسية التي عطلت النصوص الدستورية الخاصة بتشكيل الكتلة الأكبر على تقديم استقالتها، وبذات الوقت، دفعت باتجاه تشكيل حكومة جديدة حددت مهامها التهيئة للانتخابات المبكرة.
وإذا ما انتقلنا إلى ما فعلته الضغوط الاجتماعية في هذا الحراك، هو حالة فرض على الأحزاب السياسية المؤسسة للنظام السياسي بمختلف أيديولوجياتها في تبني بعض السياسات العامة، ومنها التي تحمل الأبعاد الانتخابية، إذ أُقر قانون الانتخابات، في العاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020، وفق توزيع الدوائر الانتخابية في كل محافظة مساويًا لعدد المقاعد المخصصة لكوتا النساء في كل المحافظة، بعد أن قسم المحافظات إلى دوائر انتخابية على أساس الأقضية والمدن، مع مراعاة النص الدستوري الذي يقضي لكل (100 ألف نسمة) مقعد برلماني، ولهذا أشار القانون في فقرةٍ منه في حالة قل عد سكان القضاء عن (100 ألف نسمة) يدمج مع قضاء آخر مجاور له، لكي يكون منسجمًا مع النص الدستوري.
وثمة من يقول إن قانون الانتخابات جاء وفقًا لمقاسات الأحزاب السياسية، ولم يكن معبرًا عن الضغوط الاجتماعية مع هذا الرأي، إلا أن تلك الضغوط أجبرت الكتل السياسية التخلي عن القانون الانتخابي المتبع منذ عام (2005 - 2018)، الذي يعد كل محافظة في العراق دائرة انتخابية واحدة، ومن السياسات الأخرى التي تبنتها الحكومة، سياسة مكافحة الفساد ذات البعد الاجتماعي، فقد شكلت الحكومة لجنة مكافحة والفساد والجرائم الكبرى، بموجب أمر ديواني صادر من رئيس مجلس الوزراء، يرأسها ضابط حقوقي برتبة فريق من وزارة الداخلية، وفي عضويتها ممثلون عن جهاز المخابرات الوطني، والأمن الوطني، وهيئة النزاهة، فضلًا عن الاستعانة بـ 25 محققًا و 15 موظفًا إداريًا، على أن يتولى جهاز مكافحة الإرهاب تنفيذ القرارات التي تصدرها اللجنة.
وهذا يعني عمليًا أن الضغوط الاجتماعية، قد أسهمت إلى حد ما على مستوى الفكرة وحتى الأداء التردد، حث النظام السياسي على تبني سياسات عامة مركزها الفعلي السياسات الاجتماعية، على اعتبار أن توفير الفرص، وتقليل معدلات البطالة، وتحقيق الرفاهية، وإعادة الخيار الديمقراطي إلى مساره، وسيادة القانون، لا يتم إلا عبر قانون الانتخابات، ومكافحة الفساد، وفتح ملف الجرائم الكبرى. والمطالب الضغوط الاجتماعية هذه قد حققت السلطة جزءًا يسيرًا منها، وبالتالي التركيز على ملفي الانتخابات، والفساد ضروري لتبني السياسات العامة؛ كونها تشكل المدخل الرئيسي لإعادة الثقة بالنظام السياسي، وحسنًا فعلت الضغوط الاجتماعية في إصرارها على تحقيق الإصلاح في هذين الملفين في ظل معارضةٍ واضحةٍ من قبل الأحزاب لمناقشتها، على اعتبار مناقشتهما يعني التأثير على نفوذها الذي كسبته من خلالهما.
اقرأ/ي أيضًا: