ساعات عصيبة مرت في الموصل تضمنت احتجاجات واستمرار عمليات انتشال ضحايا العبّارة التي غرقت في مياه دجلة، الخميس 21 آذار/مارس، وزيارات الرؤساء الثلاثة، قبل أن تأتي توصية رئيس مجلس الوزراء، عادل عبد المهدي، بإقالة نوفل العاكوب محافظ نينوى، وتشكيل لجنة يرأسها رئيس جامعة نينوى مزاحم الخياط وقائدي العمليات نجم الجبوري والشرطة حمد النامس، لإدارة المحافظة.
تولت خلية من ثلاثة شخصيات كلفها عادل عبد المهدي، إدارة محافظة نينوى، بعد تجميد المحافظ نوفل العاكوب تمهيدًا لإقالته
ستتولى اللجنة التي أبدى موصليون تفاؤلهم بها، تمشية الشؤون الإدارية والأمنية في المحافظة، بالتزامن مع انتهاء حقبة قيادة العاكوب لمحافظة نينوى ثاني أكبر محافظات البلاد، والتي شهدت الكثير من الإشكالات، يتهم العاكوب في التسبب بها.
اقرأ/ي أيضًا: الموت بـ"ألف" دينار.. قصص من فاجعة العبّارة في ربيع الموصل!
تولى العاكوب إدارة محافظة نينوى في 2015، بعد إقالة اثيل النجيفي على خلفية سقوط الموصل بيد "داعش" في حزيران/يونيو 2014، ومذ ذلك الحين أثار العاكوب الجدل والغضب في أكثر من مناسبة عبر تصريحات متلفزة لقناة سما الموصل الحكومية، التي يديرها موظفون نصبهم هو، في الشارع الموصلي بل وعلى مستوى البلاد.
العاكوب.. تاريخ أسود!
ينحدر العاكوب، من بلدة الحضر بغرب نينوى، وهي بلدة عشائرية تختلف طباعها عن الموصل، فيما بدرت منه في أكثر من محفل إساءات لنساء الموصل، كما وقام بجولات تلفزيونية مسجلة تضمنت الاعتداء وإهانة موظفين والمعلمين وغيرهم.
بعد تحرير الموصل أولى العاكوب عائلته الكثير من الصلاحيات، كشقيقه بسمان وآخرين مقربين من العائلة، فيما يقول نواب وناشطون من الموصل، إن العاكوب كان جزءًا من تفشي ظاهرة المكاتب الاقتصادية العائدة للفصائل المسلحة، والتي انهكت المواطنين بدفع الأموال، لتأتي كارثة العبارة كآخر دليل على تقصير العاكوب، راح ضحيتها حتى الآن نحو 120 شخصًا غالبيتهم من الأطفال والنساء، منهم عشرات المفقودين.
يقول نائب في البرلمان العراقي طلب عدم الإشارة لاسمه، إن "العاكوب كان شريكًا للمكاتب الاقتصادية ولو بجزء معين، حيث إنه كان يعلم بها وكان يمنح التخاويل لهم، وهذه المكاتب كانت تأخذ الأتاوات من أصحاب شركات السياحة والسفر والحج والعمرة والمولات التجارية والكازينوهات على نهر دجلة".
اقترف العاكوب إساءات ضد نساء واعتداءات ضد موظفين ومعلمين، مع اتهامات بالفساد فشلت بالإطاحة به، حتى غرق العشرات غالبيتهم من النساء والأطفال
يضيف النائب لـ "ألترا عراق"، إن "الكثير من النواب حذروا من انهيار الوضع في نينوى بسبب تلك الأتاوات وأعمال التهريب التي نشطت خلال فترة حكمه، والتي يشارك فيها حزب العمال الكردستاني المتهم بالإرهاب دوليًا، مع عدم تحريك ساكن من قبل المحافظ، بل ساعد في نموها، وكانت النتيجة ما جرى في الجزيرة السياحية".
فيما كشف، أن "رئيس الوزراء وجمع من النواب، كانوا طلبوا، الجمعة 22 آذار/مارس، من العاكوب الخروج للعلن وتقديم استقالته، باعتباره المسؤول الأول عن غرق العبّارة، نتيجة تقصيره في إدارة المحافظة، وحفظ ماء الوجه، لكنه رفض تنفيذ الطلب، مما دفع عادل عبد المهدي للطلب رسميًا من البرلمان إقالة العاكوب، وسبقها بتشكيل لجنة لإدارة المحافظة".
وتشير مصادر سياسية، إلى أن العاكوب غادر نينوى إلى محافظة أربيل في إقليم كردستان تمهيدًا لإعلان استقالته بعد الأمر الديواني لرئيس الحكومة ورسالته التي أوصى فيها البرلمان بإقالته فورًا.
ثلاثة شخصيات تدير نينوى
حيث جاء في الأمر، تعيين رئيس جامعة نينوى (واحدة من ثلاثة جامعات حكومية في المحافظة)، مزاحم الخياط وقائد عمليات نينوى نجم الجبوري وقائد الشرطة حمد النامس، كخلية أزمة لإدارة نينوى على مستوى الشؤون الإدارية والأمنية.
ويحظى الخياط بقبول الشارع في نينوى وفق ناشطين ونواب، باعتباره شغل رئاسة عدة جماعات ولجان إعمار في السابق، إضافة إلى كونه من أهالي مدينة الموصل، لكن الخلاف يتعلق بقائد الشرطة وقائد العمليات.
تحظى خلية الأزمة الجديدة بشبه قبول من قبل أبناء نينوى وسط دعوات إلى إبقاء المسؤولية بيدها حتى موعد الانتخابات المحلية
يقول النائب شيروان الدبورداني لـ "ألترا عراق"، إن "اللجنة مهمة، ومن الضروري أن تدير المحافظة في الوقت الحالي، بعد إقالة العاكوب في البرلمان"، مؤكدًا أن "هناك اتفاق على الخياط كرئيس للجنة، باعتباره طبيب جراح وأكاديمي محترف، لكن الخلاف يتعلق بقائد الشرطة باعتباره غير منحدر من نينوى، ورغم ذلك فأن الأمر قد يكون جيدًا للمحافظة".
بدوره يقول الناشط المدني صقر آل زكريا لـ "ألترا عراق"، إن "الشخصيات الثلاثة بإمكانهم إدارة نينوى جيدًا، في الوقت الحالي، لكن نحتاج إلى حزم في القرارات من قبلهم"، مبينًا أن "الخياط قد طلب من رئيس الوزراء بأن يسرع في عملية انتخاب محافظ لنينوى باعتبار أن المهمة صعبة".
توقف الاحتجاجات
وتوقفت الاحتجاجات الشعبية في الموصل، فور صدور أوامر رئيس الوزراء، مع إنتظار حسم البرلمان إقالة العاكوب. ويقول المتحدث الرسمي باسم المحتجين الذين شاركوا في حراك الأمس، علي أغوان لـ "ألترا عراق"، إن "الحراك توقف منعًا لتحوله لصالح جهات سياسية، وأيضًا حفاظًا على الوضع العام، خاصة وأن بعد أن وصلت رسالة المحتجين بشكل جيد"، داعيًا إلى إبقاء المسؤولية بيد لجنة خلية الأزمة حتى الانتخابات، دون انتخاب محافظ جديد.
اقرأ/ي أيضًا: العبّارة "تفضح" العصائب وتُغرق حكومة نينوى.. والعاكوب يتشبث بـ"طوق" السيستاني!
كما طالب، بعد اقتصار المحاسبة والتحقيق على المحافظ ونائبيه، بل جميع مدراء الدوائر والأقسام، ومسؤولين آخرين شاركوا في عملية الفساد التي استشرت في نينوى.
أنهى المحتجون في الموصل احتجاجاتهم بعد محاولات سياسية لركوب موجة الغضب الشعبي "طمعًا" بمكاسب ومناصب
أما الناشط المشارك في الاحتجاجات بندر العكيدي فيقول لـ "ألترا عراق"، إن "هناك جهات سياسية حاولت بعد قرارات رئيس الوزراء نصب خيام في مكان كارثة غرق العبارة، لغرض التروج بأنها كانت جزءًا من الحراك الذي يسعى للإطاحة بالمحافظ والوجوه الفاسدة، وهو ما دفعنا باتفاق أبناء الموصل ونينوى لإيقاف الحراك الاحتجاجي فورًا".
كانت العشرات من المحتجين قد طردوا، الجمعة 22 آذار/مارس، رئيس الجمهورية برهم صالح والمحافظ نوفل العاكوب، عند وصولهما إلى موقع الكارثة في الجزيرة السياحية، وقاموا بمهاجمة سيارة العاكوب الشخصية، لكنه هرب بعد أن دهس شخصين.
تطورات الكارثة
الى ذلك لا تزال جهود الدفاع المدني مستمرة في انتشال جثث ضحايا العبارة من مياه نهر دجلة، بينما تم سحب العبارة من النهر والتي جرفتها المياه نحو نصف كليومتر عن موقعها الأساسي قبل الغرق وعلى متنها أكثر مئتي شخص (لم يتم تحديد العدد الحقيقي حتى الآن للذين كانوا على متنها).
وقال مدير صحة نينوى فلاح حسن في بيان ورد لـ "ألترا عراق"، إن "عدد ضحايا العبارة الغارقين حتى الآن والذي تسلمهم الطب العدلي هم 97 شخصًا بينهم 64 امرأة و 18 طفلًا"، لكن لا يزال هناك مفقودين لم يتم تحديد عددهم، كما تم انقاذ 55 شخصًا.
ترجح السلطات في كردستان هروب المسؤولين الرئيسيين عن إدارة العبارة والجزيرة السياحية إلى تركيا
فيما لم تتمكن السلطات الأمنية حتى الآن من اعتقال المسؤولين الرئيسيين عن العبارة والجزيرة السياحية، بعد اختفائهم عقب الحادث، حيث يشير مسؤولون أمنيون في نينوى، إلى أن المسؤولين المباشرين هما عبيد الحديدي وريان حجي، وقد فرا إلى محافظة دهوك في كردستان. لكن سلطات حكومة الإقليم تقول إنها قد يكونان هربا إلى تركيا، حيث لم تعثر عليهما حتى الآن، وفق مصدر أمني كردي أبلغ "الترا عراق".
اقرأ/ي أيضًا:
نائب: 287 شخصًا كانوا على متن عبارة الموصل.. ووقفة للأهالي أمام الطب العدلي