09-يناير-2020

يقول قانونيون إن مهمة تنفيذ قرار إخراج القوات الأمريكية ستقع على عاتق الحكومة الجديدة (Reuters)

بدأ الحديث بشكل عملي حول انسحاب القوات الأمريكية من العراق، حين وقعت بغداد في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2008، اتفاقية إطار التعاون الاستراتيجي مع واشنطن.

حملت الاتفاقية جدولة للانسحاب الأمريكي، تشترط مغادرة آخر جندي نهاية العام 2011 من الأراضي العراقية، وتنظم تواجد القوات ومهامها ووضعها القانوني والعسكري قبل الانسحاب، وحصرها بتدريب القوات المسلحة العراقية.

عادت القوات الأمريكية إلى العراق بطلب من الحكومة العراقية عام 2014 إثر اجتياح تنظيم داعش مساحات شاسعة من البلاد

بالفعل، كان صباح الأول من كانون الثاني/يناير 2012، الذي  سُمي بيوم الجلاء لاحقًا، هو الصباح الأول الخالي من القوات الأمريكية في العراق.

لم يجر الحديث عن القوات الأمريكية، عقب ذلك، إلا بعد سقوط عدة مناطق عراقية بيد تنظيم الدولة (داعش).

طلب المساعدة

في 25 حزيران/يونيو 2014، طلب وزير الخارجية العراقية آنذاك هوشيار زيباري، معتمدًا على قرار مجلس الأمن 1770 من عام 2007، في رسالة إلى الأمم المتحدة، المساعدة الدولية للعراق ليتمكن من هزيمة تنظيم داعش، بعد أن احتل الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، وكان في طريقه للتمدد.

اقرأ/ي أيضًا: رسالة مسربة تربك واشنطن.. وأرتال عسكرية أمريكية تدخل بغداد!

بدأ التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط بالتشكل. وأعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قراره بإرسال قوات عسكرية لصد هجوم التنظيم المتشدد في العراق.

قال أوباما في 7 آب/أغسطس 2014، إنه "أمر بتنفيذ غارات جوية لحماية الدبلوماسين الأمريكيين والمدنيين". وبالفعل، أغارت الطائرات الأمريكية في اليوم التالي وقصفت وحدات مدفعية تابعة للتنظيم، كانت في اتجاهها لمهاجمة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، والتي تضم العديد من المصالح الأمريكية.

في 20 أيلول/سبتمبر 2014، أكد وزير الخارجية آنذاك إبراهيم الجعفري، طلب سابقه زيباري إلى الأمم المتحدة. وقال عبر رسالة إلى مندوب العراق هناك إن بلاده "تثمن دور أمريكا العسكري"، وتحدث عن ارتباط بلاده باتفاقية إطار استراتيجي مع الولايات المتحدة.

مطالبات فحسب

جرت عدة مطالبات "إعلامية" لإلغاء الاتفاقية المذكورة عبر مجلس النواب، سابقًا، لكنها لم تأخذ منحى جديًا. وعلى الأرض كانت الأطراف المناهضة للوجود الأمريكي تُقاتل التنظيم على الأرض، فيما كانت طائرات التحالف الدولي توفر الغطاء الجوي لهم.

ارتفعت الأصوات المطالبة بإخراج القوات الأمريكية بعد هزيمة داعش لكن دون خطوات عملية 

تصاعدت حدة المطالبات بإخراج القوات الأجنبية بعد هزيمة تنظيم داعش في آخر معاقله بمدينة الموصل، خاصةً بعد استهداف مقار الحشد الشعبي لأكثر من مرة، كان أبرزها ما حصل في صيف العام الماضي، والاتهامات الموجهة إلى إسرائيل والولايات المتحدة بالمسؤولية، لكن ـ مرة أخرى ـ لم تكن هناك أي خطوة عملية على الأرض.

الحادث الحاسم

خَفتت تلك المطالبات باندلاع الانتفاضة العراقية مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2019، لتعود من جديد بعد تنفيذ القوات الأمريكية غارة جوية على مواقع لكتائب حزب الله المنضوية في الحشد الشعبي بمحافظة الأنبار، على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، ردًا على عملية استهدف القوات الأمريكية في قاعدة (كي - 1) في كركوك.

تسارعت الأحداث، عقب ذلك، حاصرت فصائل في الحشد الشعبي أبرزها كتائب حزب الله، السفارة الأمريكية في العاصمة بغداد، وأشعلوا النيران في بوابتها، في الليلة الأخيرة من 2019، قبل أن ينسحب معظمهم في اليوم التالي، ويعتصم ما تبقى منهم على الجانب الآخر من نهر دجلة.

فجر الثالث من كانون الثاني/يناير، نفذت طائرة أمريكية عملية قصف استهدفت قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ومجموعة من مرافقيهم.

في الخامس من كانون الثاني/يناير، أصدر مجلس النواب العراقي قرارًا يُلزم الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، كما يُلزمها بإنهاء طلب المساعدة المُقدم من العراق إلى الأمم المتحدة، والذي استدعى تدخل التحالف الدولي، في جلسة غابت عنها الكتل السنية والكرية، واقتصرت على الكتل الشيعية التي بالكاد حققت النصاب.

صوت البرلمان على قرار يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية ردًا على مقتل المهندس وسليماني بغارة أمريكية 

ورغم اعتراض بعض السياسيين على القرار، وتقليل البعض الآخر من أهميته، والتحذيرات من مخاطره، عدّ السياسيون أصحاب الحدث، قرار مجلس النواب، انتصارًا تاريخيًا للعراق ومجلسه التشريعي.

مواقف دولية

تعليقًا على ذلك، طالبت بريطانيا في 5 كانون الثاني/يناير، العراق، بالسماح لقواتها بالبقاء على أراضيه لمواصلة قتال تنظيم داعش وتدريب القوات العراقية.

وأكد وزير الخارجية البريطانية دومينيك راب لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، على "ضرورة العمل من أجل خفض التصعيد واللجوء إلى الحوار للخروج من هذه الأزمة الخطيرة".

في ذات اليوم، شدد وزير الخارجية الفرنسية لو دريان في لقاء مع عبد المهدي على أهمية السماح للتحالف الدولي بمواصلة قتال تنظيم داعش في العراق وسوريا.

اقرأ/ي أيضًا: الحرس الثوري يبدأ عمليات "الانتقام" لسليماني من العراق.. وترامب "يراقب"

على الجانب الآخر، وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني، قرار البرلمان بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق بـ "الخطوة المهمة"، خلال حديث مع الرئيس العراقي برهم صالح.

في اليوم التالي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن على العراقيين دفع تكلفة القاعدة العسكرية الأمريكية مقابل خروج قواته من العراق. كما هدد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على بغداد، في حال قررت إخراج القوات الأمريكية "بطريقة غير ودية".

أعلنت واشنطن بقاء قواتها بعد أن هدد ترامب بفرض عقوبات على بغداد فيما سحبت عدة دول أوروبية قواتها من البلاد "مؤقتًا" 

بدوره، أكد وزير الدفاع الأمريكي إسبر "عدم وجود قرار على الإطلاق بالانسحاب من العراق، وعدم وجود خطط لذلك"، فيما قالت المتحدثة باسم البنتاغون إن "سياسة الولايات المتحدة بشأن وجود قواتها في العراق لم تتغير".

رغم ذلك، أعلن حلف شمال الأطلسي "ناتو"، انسحابًا مؤقتًا لجزء من عناصره في العراق، بعد تعليق مهمته في تدريب القوات العراقية، وفق قرار مجلس النواب العراقي.

قال التحالف: "نتخذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية موظفينا. ويشمل ذلك إعادة تمركز مؤقت لقسم من موظفينا في مختلف المناطق داخل العراق وخارجه"، مؤكدًا على الرغم من ذلك "استمرار وجوده في العراق".

من جانبه، قال وزير الخارجية الألماني، إن سحب العسكريين الغربيين من العراق "نتيجة سنصل إليها جميعًا"، مبينًا أن "أي بلد عضو في التحالف الدولي لن يبقى في العراق ما لم يكن مرغوبًا بوجوده".

لكن المتحدث باسم التحالف قال موضّحًا، إن "التحالف الدولي قاد عملياته منذ 2014 من مقريه في الكويت والعراق ولم ينقل مقراته، ولا يعتزم الانسحاب من العراق".

القرار والاتفاقية

خلال الأيام الماضية، جرى حديث واسع عن علاقة القرار البرلماني باتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، حيث رأى مراقبون أن القرار لا يمس الاتفاقية، فيما قلل آخرون من شأن تلك الاتفاقية أساسًا.

يرى طارق حرب أن قرار البرلمان لن يؤثر كثيرًا على تواجد القوات الأجنبية في العراق 

وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قد دعا البرلمان إلى إلغاء الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة وإغلاق سفارتها في بغداد، لكن الأخير اكتفى بقرار إلى الحكومة حول تواجد القوات القتالية، ما أثار غضب الصدر.

وحول أهمية القرار البرلماني بالنسبة للتواجد الأمريكي، قال الخبير القانوني طارق حرب، إن "القرار ترك للحكومة تحديد الوقت والكيفية التي يتم فيها إنهاء التواجد العكسري الأجنبي، لكن القرار بحد ذاته لا يأخذ صيغة القانون الذي يكون أكثر إلزامية".

أوضح حرب في حديث لـ "ألترا عراق"، أن "القانون يكون محددًا ومُلزمًا أكثر من القرار، الذي لن يؤثر كثيرًا على تواجد القوات الأجنبية إلا من حيث مدى السرعة والدقة في اتخاذ ما يُلزم".

كما أعلنت اللجنة المالية في مجلس النواب، أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي لا زالت سارية المفعول، ولن تتأثر بقرار البرلمان. وهو ما أشار إليه النائب عن تحالف سائرون صباح العكيلي، الذي قال إن الاتفاقية الأمنية انتهت مطلع عام 2012، لكن اتفاقية التعاون الاستراتيجي نافذة.

بهذا الصدد، أكد حرب، أن "الاتفاقية الاستراتيجية ليست أمنية. وقد ألزمت أمريكا نفسها من خلال الاتفاقية بتقديم مساعدات بالصناعة والزراعة والتربية والتعليم وغيرها من المجالات، ومن ضمنها التعاون الأمني"، موضحًا أن "القرار البرلماني لم يتطرق للاتفاقية، كونها تحمل (نص حكم) يتيح لأي طرف أن ينسحب بإخطار ثم مضي سنة على الإخطار".

وتنص الاتفاقية الاستراتيجية على أنها تبقى سارية المفعول ما لم يُقدم أي من الطرفين (الولايات المتحدة والعراق) إخطارًا للطرف الآخر بإنهاء الاتفاقية.

وتشترط الاتفاقية أن تكون سارية المفعول لمدة عام واحد من تاريخ الإخطار المُقدم من أحد الطرفين بإنهائها. كما نصت الاتفاقية على جواز إجراء التعديلات عليها بموافقة الطرفين.

يؤكد مراقبون وخبراء أن حكومة عبدالمهدي ستواجه صعوبات ومعوقات بشأن تطبيق قرار إخراج القوات الأمريكية وستقع المهمة على رئيس الوزراء القادم

ويؤكد العديد من المراقبين والخبراء السياسيين والقانونيين، بينهم حرب، أن صعوبات ومعوقات تظهر أمام حكومة تصريف الأعمال لتطبيق هذا القرار، وستكون مهمة التصرف حيال ذلك على عاتق الحكومة القادمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صواريخ قبل "ساعة الصفر".. تحذير من الكتائب والنجباء وترامب يحدد 52 هدفًا!

بعد صور ومعلومات عن مقتل زعماء فصائل.. تضارب حول قصف التاجي والتحالف يعلق