03-فبراير-2023
الدولار

المركزي يستنفد حلوله والمختصون يستسلمون (Getty)

تقترب الحكومة العراقية والسلطة النقدية المتمثلة بالبنك المركزي، من استنفاد جميع إجراءاتها وهي تراقب الدولار الذي لا ينفك أن يرتفع، بشكل حيّر العديد من المختصين والخبراء، الذين بدأوا "يستسلمون" تباعًا.

الدولار يحطم أرقامًا قياسية 

ويتمثّل استسلام العديد من الخبراء، بذهابهم إلى اقتراح ومطالبة الحكومة بالتفاوض مع الجانب الأمريكي لتخفيف القيود على الدولار، وهذا الخيار يعني بحسب خبراء المزيد من "التماهي والتهاون مع حوالات العملة غير الشرعية".

بلغت قيمة الـ100 دولار نحو 177 ألف دينار في الأسواق العراقية

أما المطلب الثاني؛ فيتمثل باقتراح خفض سعر صرف الدولار بشكل رسمي، بعد أن كانوا ضد التلاعب بسعر الصرف مرة أخرى خلال عامين فقط، بعد تغييره أواخر 2020 لما له من "تبعات سلبيّة على الاقتصاد".

وأمام الإجراءات الحكومية المختلفة ومقترحات الخبراء، يستمر الدولار بتحطيم أرقام قياسيّة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022 وحتى الآن، حتى بلغت قيمة الـ100 دولار نحو 177 ألف دينار يوم الخميس 2 شباط/فبراير الجاري.

ومع استمرار ارتفاع الدولار يجد العراقيون أسعار البضائع متغيرة يوميًا، وتحولت جميع أنواع السلع إلى بورصة سريعة التحديث مع سعر الدولار باستمرار، وهذا الأمر بدأ يقود العديد من المواطنين لفقدان "صوابهم"، كما يؤكد سجاد أمير خلال حديثه لـ"ألترا عراق".

ويقول أمير ذو الـ27 عامًا، إنّ "صاحب محل الجملة الذي ابتاع منه سجائري، يبلغني في كل مرة أذهب لاشتري سجائر بأن الإسعار تغيرت وارتفعت من 500 إلى ألف دينار إضافي للتكّة الواحدة، وهو أمر بدأ يقودني للغضب والدخول بمشاكل مع صاحب المحل، وهكذا بالنسبة لجميع المحلات الأخرى التي نتعامل معها، فالأسعار لا ترتفع مرة واحدة عند رقم معين وانتهى، بل مستمرة بالتغيير بشكل يومي ومع اختلاف أسعار الدولار المتقلبة".

المستلزمات الحياتيّة بيد التجارة "غير الشرعية"

وتظهر بوادر "الغليان" في الأسواق والمنازل والشوارع العراقية ومواقع التواصل الاجتماعي، من الارتفاع المستمر بأسعار السلع والبضائع، وهي مسألة لا تقتصر مشكلتها على ارتفاع الأسعار فقط، بل تعطي تصورًا آخر عن ما إذا كان ما تسميهم الجهات الرسمية بـ"التجار المشبوهون" يسيطرون على جميع المستلزمات الحياتية للمواطنين.

ويأتي هذا الافتراض وفقًا للثنائية التي تشكلت مؤخرًا والتي تتبناها الحكومة أيضًا، والتي تقول إنّ "أصحاب التجارة النظيفة يشترون دولارهم ويمولون تجارتهم عبر البنك المركزي، أما أصحاب التجارة المشبوهة يهربون من البنك المركزي إلى السوق الموازي ويشترون الدولار بأسعار مرتفعة وبالتالي ترتفع أسعار بضائعهم"، حيث من المفترض أن البنك المركزي يوفّر الدولار بأسعاره الرسمية مع مختلف التسهيلات المتمثلة بإلغاء اقتطاع الضرائب المسبقة وغيرها من المغريات التي يحاول توفيرها للتجار ليقوموا بشراء الدولار بشكل رسمي وعبر نافذة البنك المركزي.

الدولار

 

إلا أنّ عددًا كبيرًا من التجّار الذين ترتفع أسعار بضائعهم باستمرار، يختارون الشراء من السوق الموازي ويفضلون الأسعار المرتفعة للدولار على أن يشتروه من البنك المركزي العراقي بالسعر الرسمي لأسباب مختلفة تم الحديث عنها من قبل خبراء، وهي أما لتجاراتهم ومصادرهم غير الشرعية التي يستوردون منها، وأما للتهرب من الضرائب وإدخال البضائع من منافذ غير شرعية، أو أنهم لا يستطيعون الحصول على الدولار بالفعل لأسباب أخرى.

ومع ارتفاع أسعار معظم البضائع والسلع، يكتشف العراقيون أنهم يتعاملون ويشترون السلع من تجار لا تمتلك الدولة عليهم أي سلطة ربما، فهم لا يشترون الدولار من البنك المركزي، ولا يدخلون البضائع من منافذها الرسمية، ويستمرون بشراء الدولار من مصادر أخرى لتمويل تجاراتهم.

الحكومة "تروّض" التجّار بهدوء.. والشارع يغلي

بالمقابل؛ فإنّ الحكومة تتعامل بهدوء مع ما يحصل، فهي لا تعتبر ارتفاع أسعار السلع من مسؤوليتها، فالدولار بالسعر الرسمي متوفّر للتجار "الشرعيين" مع كافة التسهيلات، وتقوم بشراء وتوفير السلع والمواد الغذائية للمواطنين عبر وزارة التجارة، وبالتوازي مع هذه العملية تعمل الدولة على "ترويض" التجّار بشكل تدريجي وتعويدهم على التجارة الشرعية، كما يقول السوداني

وبينما تعمل الحكومة بهذا الهدوء، تستمر أسعار السلع بالغليان، فيما لا تستورد وزارة التجارة كل شيء، ولا تمتلك الكثير من المنافذ، ما يجعل هذه الحلول "ترقيعية" ولا تصل إلى المواطنين بشكل كبير يمكن أن يصنع فرقًا في السوق، بحسب مواطنين تحدثوا لـ"ألترا عراق" أثناء جولة في سوق الشورجة. 

سبب ارتفاع الدولار "غير طبيعي" 

وتتلخص أسباب ارتفاع أسعار الدولار، بالطلب الهائل "والمشبوه" الذي يضغط على السوق الموازي لشراء الدولار وبأي سعر كان، وذلك بعد أن تم إغلاق بوابة نافذة البنك المركزي على هذه الجهات سواء تجّار أو شخصيات وجهات تمتلك أموالًا عراقية بكميات كبيرة تعمل على تحويلها إلى دولار وإخراجها من العراق.

وبينما لا يجد المختصون حلًا واضحًا لهذا الأمر، يذهب البعض إلى اقتراح "التفاوض مع الجانب الأمريكي"، ولا يهدف هذا الاقتراح إلا لإقناع الأمريكيين ومطالبتهم بـ"التماهي" نوعًا ما، مع الطلبات "المشبوهة"، فيما وصل بعض المختصين إلى قناعة بأنه لا يوجد أي حل سوى تخفيض سعر الصرف الرسمي.

رأى الخبير الاقتصادي إسماعيل الراجحي بأنّ الحل الوحيد ربما هو منع جميع عمليات شراء الدولار خارج البنك المركزي

وبينما تتلخص مشكلة الدولار بـ"الطلب المرتفع في السوق الموازي" والذي يوصف أغلبه بأنه "غير شرعي"، فأنه يستلزم حلولًا استثنائية لا علاقة لها بالإجراءات الاقتصادية الطبيعية، كما يرى مختصون.

ويقول المختص في الاقتصاد، إسماعيل الراجحي في حديث لـ"ألترا عراق"، إنه "بما أن أسباب ارتفاع الدولار ناجمة من عمليات غير منطقيّة ومشبوهة، وخارج النظام المصرفي الواضح، وفوق هذا فأن تبعاته كبيرة على اقتصاد البلد ومعيشة المواطنين وتهريب العملة الصعبة، فهذه الأشياء غير الطبيعية تتطلب حلولًا غير طبيعية أيضًا ولا علاقة لها بأدبيات الاقتصاد".

ويرى الراجحي أن "الحل الوحيد ربما هو منع جميع عمليات شراء الدولار خارج البنك المركزي، وإيقاف جميع أنواع الاستيرادات والبضائع التي لم يتم تمويل أموالها من خلال البنك المركزي".

واعتبر أنّ "هذا  الأمر سيوقف تجارة جميع التجّار الذين لا يمولون تجاراتهم بطريقة شرعية، وبالتالي يرفعون أسعار السلع على المواطنين، بالرغم من كون هذا الأمر سيؤدي لفقدان العديد من السلع والمستلزمات في الأسواق، إلا أنّ المسألة تستحق إجراءات استثنائية وتضحيّة لفترة وجيزة لحين إعادة الأمور إلى نصابها، مضيفًا: "لا يمكن العودة للوراء والاستلام أمام هذه النشاطات غير الشرعية، ومطالبة الفيدرالي الأمريكي مثلًا بتخفيف القيود".