09-نوفمبر-2021

لغياب سليماني والمهندس الأثر الواضح على عدم ضبط الأوضاع (فيسبوك)

قبل أٌقل من شهرين في خضم الانشغال بالحدث الأفغاني وسيطرة تنظيم طالبان على أغلب مناطق البلاد وإسقاط النظام وما خلفه من مشاهد أثارت العالم بأسره وعُقدت المقارنات وأُطلقت المخاوف من تكرار التجربة في مناطق أخرى أبرزها العراق.

لم يحدث منذ نيسان 2003 أن استهدفت جماعات مسلحة شخص رئيس مجلس الوزراء ثم تواجدت بالقرب منه

استبعدنا تكرار سيناريو طالبان كما روّج آنذاك بعض الذين يتمنون عودة داعش لإعادة بث الحياة في أجسادهم المحتضرة سياسيًا للاختلاف البنيوي بين البلدين مع عدم استبعاد تكرار السيناريو بتبادل الأدوار والأزياء والعناوين "فطالبان العراقية لن تكون سُنية على المدى القريب".

اقرأ/ي أيضًا: العراق وأفغانستان: حالتان.. وثمة مقاربات

الآن، يبدو أن الاحتمال المذكور يزداد قربًا، بدءًا من السقوط المدوي في الانتخابات ثم الاعتصامات والاشتباك مع القوات الحكومية وأخيرًا (وليس آخرًا) استهداف منزل رئيس حكومة تصريف الأمور اليومية مصطفى الكاظمي بطائرات مسيرة.

ورقةُ جديدة طرحها الخارجون عن القانون الذين صاروا خارجين عن كل الأعراف الطبيعية للدولة، والحكمة، وأقرب إلى عصابات العمل السري. هذه الورقة التي تلخصت باستهداف رأس النظام تعني أن النظام نفسه على المحك. لم يحدث منذ نيسان 2003 أن استهدفت جماعات مسلحة شخص رئيس مجلس الوزراء ثم تواجدت بالقرب منه.. أقصى حالات التحدي أظهرتها تلك الجماعات لجهاز الدولة الذي يبدو عاجزًا حتى الآن ليس لضعف تقني من وجهة نظرنا بل لغياب الإرادة السياسية وتشابكها مع المحددات الدولية.

تُمثل هذه الورقة صفعةً كبيرةً بوجه الديمقراطية المتعثرة في العراق. بوجه محاولات الانفتاح على العالم وإقناعه بواقع جديد. بوجه فاعلية جهاز الدولة. بوجه شعور المواطنين بجدوى الدولة وأجهزتها التنفيذية، العسكرية، والقضائية. بوجه إمكانية فتح أبواب الاستثمار وإعادة إحياء الاقتصاد الغارق بالريعية. ورقة تضع العراق جنبًا إلى جنب مع بلدان شهدت حوادث مقاربة هذا العام مثل تشاد ومالي ومدغشقر، وكذلك أفغانستان، وتحديدًا العاصمة كابل التي شهدت قبل سقوطها بيد طالبان قصفًا صاروخيًا استهدف الرئيس آنذاك أشرف غني في القصر الرئاسي حين كان يؤدي صلاة العيد، وللمصادفة: كانت ثلاثة صواريخ سقط غني بعدها بأقل من شهر.

خيط رفيع يفصل بين ضبط النفس والتحلي بالحكمة والاحتواء والسياسة الناعمة، وبين العجز. لا يميز المجتمع في أحيان كثيرة هذا الخيط؛ لكنه الآن لا يحتاج إلى نظرات سياسية ثاقبة، فالتندر على حكومة الكاظمي والقوات المسلحة وسط الإهانات التي توجهها الميليشيات للدولة صار عادةً يوميةً للأسف الشديد.

تحاول إيران الآن السيطرة على الأوضاع لأسباب عديدة أهمها استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة والدول الكبرى بشأن برنامجها النووي ونفوذها في المنطقة مقابل العقوبات الاقتصادية، ومن شأن تدهور الأوضاع في العراق أكثر من الحد أن يعرقل الجهود.

بالمقابل، الأطراف الداخلية تستشعر خطورةً تفقدها صوابها، ولغياب قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس الأثر الواضح على عدم ضبط الأوضاع، ما يجعل الأمور قابلة للانفلات.

وعلى الجانب الآخر لا يبدو الكاظمي جادًا في أي خطوة لتثبيت سلطة الدولة، ولعل تغريدة الصدر التي لم يُتوقف عندها، والتي تجاوز فيها رئيس الحكومة وخاطب الجيش والقوات الأمنية بشكل مباشر دليلًا على الحالة الراهنة.

الأطراف الداخلية تستشعر خطورةً تفقدها صوابها ولغياب قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس الأثر الواضح على عدم ضبط الأوضاع

في هذه الأجواء، ستكون التسوية هي الحل الأوحد الذي يؤجل الصراع ويضيف نقطة لصالح قوة الجماعات المسلحة، لكنها - أي التسوية - لن تكون نهاية التمرد، وقد يكون سيناريو اليمن كما كررنا سابقًا ليس ببعيد.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

محاولة اغتيال الكاظمي.. هل تحسم "عزل" قوى السلاح وتفرض حكومة أغلبية؟

"رويترز": جماعات مدعومة من إيران وراء محاولة اغتيال الكاظمي