نسبة النجاح لمرحلة الثالث المتوسط للعام الدراسي الحالي وفق وزارة التربية هي نحو 35%، ورغم اعتبارها من قبل الكثير من المتابعين للشأن التعليمي نسبة متدنية جدًا بل وكارثية، فإنها تظل نسبة عالية قياسًا للانهيار التعليمي الذي نسمع عنه ونتلمسه في مختلف مناطق البلاد وفي جل المدارس الحكومية و"الأهلية التجارية" الآخذة بالانتشار.
الأحزاب الحاكمة تتحمل مسؤولية هذا الخراب التعليمي والمعرفي، فهي التي لم تعتمد استراتيجية لإعادة البناء والتنمية، وأغرقت البلاد في خطط وبرامج المحاصصات وأدخلتها في صراعات داخلية عميقة
الأحزاب الحاكمة تتحمل مسؤولية هذا الخراب التعليمي والمعرفي، فهي التي لم تعتمد استراتيجية لإعادة البناء والتنمية، وأغرقت البلاد في خطط وبرامج المحاصصات وأدخلتها في صراعات داخلية عميقة، وزرعت مفاسد هائلة أتت على بقايا خطط تنمية الدولة والمجتمع، بل وساهمت بوسائل عدة في تخريب الدولة وتجهيل المجتمع وتدمير أسس التطور باعتمادها سياسات أبعدت ذوي الكفاءة والخبرة وأقصت أصحاب المؤهلات العلمية والإدارية ونشرت في "بقايا المؤسسات المتهالكة" كوادرها الحزبية خاصة تلك التي تتقن التزلف وتعلي الولاء الحزبي.
اقرأ/ي أيضًا: أزمة نتائج الثالث متوسط: البرلمان يطرح مقترحين للراسبين وتحذير من موجة انتحار
وامتد الأمر إلى تخريب القيم الاجتماعية - الإنسانية كالحق والنزاهة والمساواة والعدل باعتبارها "خرافةً وضعفًا وترفًا"، وما زالت الأحزاب تتصارع لا على المناصب العليا في المؤسسات التربوية وحسب، بل حتى على قوائم عاملي الخدمة في المدارس وفق قانون الواسطة وقوائم الترشيح الحزبي.
انهيار التعليم الابتدائي كما العالي سيستمر، وفق خطط التزكيات الحزبية المتمددة و"قرارات" إلغاء أسس الكفاءة والخبرة والنزاهة والأهلية والتنافس وقيم الحق والمساواة، من خلال تعيين "متعلمين موالين" أو حتى "أشباه أميين" في أعلى المناصب والتي وصلت إلى الوزراء والسفراء وقادة المؤسسات وحتى الإعلام وفق قواعد المحاصصة الحزبية. أشباه أميين تخرجوا بالواسطات من كليات حكومية مترهلة أو كليات أهلية تجارية ترفع شعار "النجاح لمن يدفع" وأصبحوا اليوم حملة شهادات عليا.
تصوروا أن 4000 منصب رفيع ومؤثر في هذه البلاد سيتم شغلها، ربما خلال أسابيع، على أسس القرابة والتزكية والولاء الحزبي والشخصي. يؤكد ذلك قادة "أحزاب المكونات" صراحة ودون خجل مرددين بكل فخر "ضمنا 100 أو 400 أو 1000 منصب لمكوننا" وهم يقصدون تمامًا أنهم ضمنوا حصص كوادر أحزابهم "الدينية والقومية والطائفية" من وظائف عامة، أما المواطنون من غير المتحزبين حتى لو كانوا أصحاب كفاءة وخبرة وأحقية فلا حصص لهم ولا حقوق.
الانهيار في المؤسسات التعليمية بدءًا من الدراسة الابتدائية وانتهاءً بالتعليم العالي، لا يحتاج إلى نقاش في الأسباب ولا في النتائج. فربما كل شخص منا يعرف وزيرًا "أمي معرفيًا" بل ورئيس جامعة "أمي معرفيًا" بفضل "سرطان المحاصصات الحزبية" وابتلاع الأحزاب للدولة وتحطيمها لكل الأسس المدنية.
اقرأ/ي أيضًا: العراق.. تلاميذ بلا مدارس
الأحزاب الحاكمة لم تعد تبحث عن كفاءات موالية لها لتعينهم في المواقع المهمة، هذا الأمر تم تجاوزه منذ زمن، هي صارت تفضل أشباه الأميين والفاسدين على غيرهم لأنهم لن يكونوا قادرين في أي وقت على الاعتراض والتململ ورفض الإملاءات.
صارت الأحزاب الحاكمة تفضل أشباه الأميين والفاسدين على غيرهم لأنهم لن يكونوا قادرين في أي وقت على الاعتراض والتململ ورفض الاملاءات
منذ سنوات طويلة قادة الأحزاب يتاجرون بكل شيء، في ظل تغييب إرادة الشعب، وتكثيف صناعة الأوهام وزراعة المخاوف في المجتمع، وفي ظل ديمقراطية الصناديق المضللة.... يتاجرون بالحرب والسلم، بالتعليم والتربية والصحة، بل بالدين والقومية والمذهب.
اقرأ/ي أيضًا:
القطاع العام في العراق.. المحاصصة في التعليم الابتدائي أيضًا!