الوعي بقدسية الحقوق من قبل الأغلبية المتدينة هو من يصنع الفارق في المجتمع العراقي نظرًا لكثرتهم مقارنًة بغيرهم. وبخلاف ذلك سنغدو ضحايا لسرديات طائفية قاتلة ليس لها من غاية شريفة سوى إشغال الناس في قضايا هامشية وسيكون أدواتها هذه الأغلبية. بمعنى آخر: طالما يجري تقديس الأحزاب ورموزها من قبل المتدينين مفضليهم على حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية، فسنبقى ندور في هذا الجحيم المطبق. متى ما شعر المتدين إن الافتقار لهذه الحقوق لا يقل استفزازًا عن التعرض لأحد رموزه الدينية والحزبية سنبتشر خيرًا وبخلافه سننتظر معجزة من السماء!.
الوعي بقدسية الحقوق من قبل الأغلبية المتدينة هو من يصنع الفارق في المجتمع العراقي نظرًا لكثرتهم مقارنًة بغيرهم. وبخلاف ذلك سنغدو ضحايا لسرديات طائفية قاتلة
ربما أدرك العراقيون بشكل عام أن مذاهبهم التي يدينون بها قد جرى تسويقها على أنها الحد الفاصل بين الكرامة والموت!. وواقع الأمور يجري عكس السردية الطائفية تمامًا، وانا متأكد أن المذاهب لن تزول والطقوس تبقى على حالها أيًّا كان نوع النخب الحاكمة.
اقرأ/ي أيضًا: من أجل قداسة دنيوية
والذي ثبت للعراقيين في هذه الفترة العصيبة، أن الحقوق هي من زالت! وتم تصفيتها تمامًا بتواطؤ إقليمي عالمي وبقوة تنفيذية محلية مكافحة. وكما يبدو، أن المتواجدين في الخضراء سوف لا يهدأ لهم بال، إلا أن يحيلوا العراق إلى كابوس مطبق. بينما يتدفق النفط بيسر وسهولة ودون أي عوائق وبخبرات عالمية محترفة، وعلى الضفة الأخرى يقع بلد ممزق الأوصال ومنقسم على نفسه وهو يرى ثرواته الهائلة تنهب في وضح النهار. وبين هذا وذاك لا زالت الأغلبية المتدينة مرميًا بها في هامش التاريخ وهي تتنازل عن حقوقها بالمجان.
بإمكان الأغلبية المتدينة الضغط على هؤلاء الأثرياء الذين سرقوا البلد وباعوه في سوق الخردة، فهم سلطة متمكنة على إحداث التغيير شريطة أن تجمعهم وحدة الهدف والاتفاق على الهوية الوطنية في ظل دولة مدنية. إذ أن تعميق الوعي السياسي لدى هذه الأغلبية سيقودها لعدم السكوت على فساد هؤلاء السرّاق سنةً وشيعةً. ولعلنا نصحوا في يومِ ما ونجد العراق مفلسًا من ثرواته، ونجد فنادق ومصارف الغرب تعج بهؤلاء السياسيين.
أما على مستوى الفضاء العام فإن تحويل الطقوس الدينية إلى فعل احتجاجي سيضعها في خانة الابتكار السياسي كما اعتقد. لذا يمكن للزائرين وأصحاب الطقوس الشكلية من سكنة المناطق المنكوبة، والذين لا يأملون العيش كمواطنين بل كماكنات منتجة للعبودية والذل، أن يستثمروا هذا الحدث الكبير وتحويله إلى حركة معارضة يحسب لها ألف حساب.
ضروري أن يحتج المتدينون من أجل الحقوق ويعتبروا هذا الحدث الاحتجاجي بمثابة زيارة إلى الأمام الحسين ويجددون عهد الولاء والرفض للذل والإهانة. وبالطبع إذا اختلطت عليهم الأولويات بين حب الحسين وحب الوطن، فليختاروا حب الحسين باعتباره رمزًا للإصلاح، وبهذا سوف لا يخسروا شيئًا وإنما يربحوا أشياء؛ قدسية حب الحسين وقدسية الحقوق وقدسية أن نكون بشرًا نصلح للعيش.
بإمكان الأغلبية المتدينة الضغط على سراق البلد شريطة أن تجمعهم وحدة الهدف والاتفاق على الهوية الوطنية
ينبغي على المتدين أن يتجاوز دائرة حرية الطقوس، لأنها حريات مكفولة في كل الدول الديمقراطية وليست حكرًا على هذه الأحزاب، فالمرحلة التي تلي حرية الطقوس في وعي المتدين يُفترض أن تتجه لمزيد من الحريات والحقوق والمساوات، والضغط على الفاسدين الذين يتغنون بزهد علي بن أبي طالب.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا فعل "شيعة السلطة"؟
هذا إن أرادوا حياة كريمة، أما إذا كان العكس صحيح، فليستمتعوا بالطقوس ويرجعوا إلى مناطقهم الفقيرة والمعدمة آمنين مطمئنين، ويتركوا سكنة المناطق الراقية التنعم بثروة البلد والسفر للخارج للاستجمام والراحة، والحصول على تعليم جيد. إذا لم يعجب الفقراء هذا الكلام يمكنهم البقاء على " كفاحهم" العقائدي والانتخابي!.
الحل السياسي هو أسرع الحلول عادةً: تنتخب من تراهم أهلًا للعمل وتطالبهم بحقوقك المقدسة. لكن بما أن المجتمع العراقي يعاني من تركة ضخمة من الفوضى وسوء التعليم والتتشبث بالهويات الفرعية، فالحلول البعيدة المدى مهمة جدًا، خصوصًا إن كانت هناك نخبة تعي خطورة الموقف، وقوة اجتماعية تساندها بالتغيير. فالحل المقترح هنا بالنسبة لتعميق وعي المتدين وانخراطه في دولة المؤسسات كمواطن يحترم حقوقه المقدسة وحقوق الدولة عليه بعيدًا عن المؤثرات الأخرى وتتعمق فيه روح الحوار مع باقي الفئات الاجتماعية.
لذا فالحل الأسلم لتعميق الوعي السياسي والثقافي لدى المتدين هو زيادة مساحة التعليم وإنشاء مؤسسات أكاديمية رصينة، والتركيز على مناهج العلوم الإنسانية من قبيل "فلسفة الدين"، "علم الأديان المقارن"، "علم الاجتماع الديني"، "الأنثروبولوجيا الدينية" وغيرها.. تساهم هذه المناهج بتعميق ذهنية المتدين وتمرنه على المناهج المعاصرة ذات العلاقة بالأديان. إذا اجتمع الوعي السياسي والثقافي لدى المتدين فعند ذاك سيعي أن حياته أكثر قدسية من رمزه الحزبي، وسيتحول التدين إلى عامل تغيير وليس عامل تنويم وتخدير، وسيبحث الطائفيون عن كوكب آخر ينفثون فيه سمومهم الطائفية، لكن هل أنا أحلم؟ نعم! فالحلم حق.
اقرأ/ي أيضًا: