يقاتل فقراء الشيعة لتثبيت السلطة، وتقاتل السلطة لخلق فئات جديدة من الفقراء والكثير من المعدمين. تستقتل أغلبية الشعب العراقي للدفاع عن حدود الوطن وتثبيت الأمن ومقاتلة أشرس العصابات الإجرامية التي عرفها تاريخنا المعاصر، فيما تكافح السلطة بمزيد من الاحتقار والإذلال لهذه الأغلبية. الرابح الوحيد في هذه المأساة هم أتباع السلطة من ساستها و"محلليها" وكتبتها وجنودها الإعلاميين، أما باقي السواد الأعظم من الفقراء المجاهدين فلهم الله!.
أينما تجد كلامًا عن الدولة أبعد عنه "شيعة السلطة"، لا زال هذا المفهوم أجنبيًا عن ذاكرتهم
ومن هذه الناحية تصدق مقولة أحد الباحثين: الدولة عبارة عن ضرائب تجبى وجيش يقاتل. والحقيقة حتى هذه المقولة لا تنطبق كليًا على ساسة الشيعة. بمعنى آخر، أينما تجد كلامًا عن الدولة فهؤلاء الساسة استثناء من إشراكهم في حوار الدولة!. لا زال هذا المفهوم أجنبيًا عن ذاكرتهم.
اقرأ/ي أيضًا: عراق "المحاصصة" الطائفية وسلطة ضد الدولة
لم تختلف المعادلة منذ تأسيس الدولة العراقية؛ أغلبية العراقيين هم جنود سخرة لأسياد السلطة، وقد ظلت هذه الأغلبية مغضوبًا عليها ولا يحق لها في يوم ما أن تحلم بالعيش الرغيد. هذا إن كانت تحلم أو تضع في حسبانها الحياة الكريمة.
ظلت الحياة الناعمة وسبل العيش المرفهة "ملك طابو" لطبقة المتنفذين وذيولهم، ويستثنى من ذلك السواد الأعظم من العراقيين، فهؤلاء مصممون على " الشهادة" والتضحية من أجل رموزهم.
لا زالت المرأة الجنوبية تتقطع أحشاءها على فلذة كبدها الذي ذهب شهيدًا أثناء الدفاع عن سور الوطن، وظل "الشروگي"، ذلك الشخص المنفّر والذي يشعرنا بالضيق، صفرًا مطلقًا في معادلة الحياة الكريمة.
من يعتقد أن هناك طائفية "حقيقية" لا أوافقه الرأي بشكل عام، لأني استحضر صورة اليهودي الطائفي والعنصري كنموذج "مثالي" يصلح كمادة تحليلية لفهم الطائفية بصورتها الأكثر وضوحًا في العمل السياسي. ما يوجد هو أحزاب متنفذة هي وذيولها، ولا يوجد أكثر من ذلك، خصوصًا إذا ما تابعنا أحوال الشيعة وأهوالهم فقد ازدادت سوءًا أكثر من ذي قبل، وبالخصوص محافظات الجنوب المنكوبة دوما وأبدًا.
الطائفية السياسية في نظام المحاصصة لا تمنح جماهيرها المتعصبة سوى الموت في أكثر الأحيان، من خلال استثمار حماسهم الطائفي للدفاع ساستهم بطريقة غير مباشرة
صحيح أن النظام مصمم على أسس طائفية وصحيح أن شلة الخضراء أقنعت الناس بجدوى الاصطفافات الطائفية، لكنها لا تعدو أن تكون أشكالًا لا تنفذ لعمق الطائفية في جوهرها ومضمونها. فالطائفية أن أرى طائفتي خير الطوائف، وعمليًا أن أجعل مقاليد الثروة والعيش الرغيد بين أيديها، مثلما يفعل اليهود مع أبنائهم. بكلمة موجزة: إن الطائفية السياسية في نظام المحاصصة لا تمنح جماهيرها المتعصبة سوى الموت في أكثر الأحيان، من خلال استثمار حماسهم الطائفي للدفاع ساستهم بطريقة غير مباشرة.
اقرأ/ي أيضًا: قصة الدولة في العراق: ذلك السؤال الغائب
لست في سياق الترويج للنموذج الطائفي بالطبع، وإنما محاولة لإعطاء شلة الخضراء حجمهم ومستواهم الحقيقي. وحقيقتهم تكمن هنا وبالذات: إنهم جعلوا من قومهم مشاريع جهنمية للموت المجاني بدعوى حماية المذهب، فيما هم ومع ذويهم ينعمون بالعيش الرغيد.
وبالرجوع إلى النموذج اليهودي، فلقد استطاع اليهود توظيف مظلوميتهم بشكل هائل فمنذ بداية السبي البابلي والسبي الروماني زق اليهود في عقول أجيالهم من أنهم شعب مظلوم ومُحارَب، فعمقوا روح الحميمية بين الأفراد اليهود، وتم توظيف المظلومية بشكل يفوق التصورات، وكان الشكل التعبيري الأمثل لهذه الحالة هو تكديس رؤوس الأموال بيد اليهود وتبادل هذه النعمة فيما بينهم.
واستطاع سياسيو الشيعة من ترويض عقول أتباعهم من أنهم لا سبيل لهم سوى هذه النخب "الذهبية"، فهب الشيعة لانتخاب رموزهم السياسية، فحاز الشيعة الامتيازات الفضائية ما لم يكن في حسبان الأنبياء والرُسُل!. وتكدست رؤوس أموالهم في مصارف العالم لينعموا بها دون أن يحصل قومهم سوى الفقر والعذاب والشهادة في سبيل المذهب.
لا توجد إحصائيات رسمية حول ضحايا الشيعة، لكنها حتمًا أرقام مخيفة أدت إلى استنزاف هذه الطائفة الكبيرة في العراق دون أن تحرز تقدمًا ملحوظًا في كسب امتياز ما. حيث لا زال الشيعة كما هم عليه؛ انقسامات فئوية، ولاءات يتجه بعضها لخارج الحدود، ونسبة جهل مخيفة خصوصًا في المحافظات الجنوبية، فضلًا عن مدن "الحواسم" الجديدة التي أضافت معاناة أخرى لمعاناتهم.
يبدو أن هناك علاقة طردية: كلّما توغل ساسة الشيعة في الحكم ازداد عدد الفقر والأميّة والشهداء!، وانهيار البنية التحتية، والتمرّس بشكل احترافي بفنون الفساد الإداري والسياسي، والتنكّر للديمقراطية بطريقة غير مباشرة، وثقافة التعبئة بدلاً من ثقافة المواطنة، وتبدو هذه الأخيرة أجنبيّة عن قاموس الساسة الشيعة لحد الآن.
ساسة الشيعة يثأرون للتاريخ من خلال إذلال قومهم، وينتقمون لمظلوميتهم عبر سرقة أموال ناخبيهم. والناخبون يتراقصون بلذة مازوشية عجيبة، وبطريقة توقف العقل عن التفكير.
لا زال الشيعة كما هم عليه؛ انقسامات فئوية، ولاءات يتجه بعضها لخارج الحدود، ونسبة جهل مخيفة خصوصًا في المحافظات الجنوبية
كم عدد الساسة الشيعة من الأثرياء منذ 2003 ؟ ماذا فعل الشيعة لأناسهم الممزقين؟ لماذا ينتقم سياسيو الشيعة من ناخبيهم بهذه الطريقة التي تدعو للعار؟.. ترى لولا الطقوس الشيعية المستمرة أغلب أيام السنة للترويح عن الفقراء والمعدمين ماذا سيحل بهذه الجموع، وما هي ردود أفعالهم؟
اقرأ/ي أيضًا: