لم يكن سقوط قتيلين من الجيش بداية الأزمة في سنجار أقصى غرب محافظة نينوى، ذو الغالبية الإيزيدية، ففعليا هناك انتشار للسلاح وكان القضاء يعيش منذ تحريره من سيطرة تنظيم "داعش"، ما يشبه حربًا خفية تدور رحاها بين جماعات مسلحة وميليشيات تحت عين الحكومة وبدعم من الحشد الشعبي.
كشف مقتل جنديين في سنجار عن "حرب خفية" يشهدها القضاء منذ تحريره تدور بين جماعات مسلحة مختلفة بدعم من الحكومة والحشد الشعبي
في تفاصيل الحادثة الجديدة، قالت خلية الاعلام الأمني، إن هناك عملية تهريب، تجري من سوريا إلى سنجار في نينوى، قام بها أربعة مسلحين وعند توقيفهم من قبل الجيش، وصل للمسلحين امداد من جماعة مسلحة تدعى اليبشة "YBS"، وهي الجناح المحلي لحزب العمال الكردستاني التركي "PKK".
وأسفرت الحادثة الجديدة، عن مقتل جنديين من الجيش، وإصابة 6 آخرين، مع إصابات في صفوف قوات حماية سنجار "YBS"، وفق خلية الإعلام الأمني.
وتعد تركيا، حزب العمال، جماعة إرهابية، لكن الـ PKK وهو اختصار حزب العمال، كان قد قدم من تركيا وشمال شرق سوريا خلال آب/ أغسطس 2014، لإجلاء إيزديين حوصروا في جبل سنجار عندما فروا من تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" الذي سيطر على مدينتهم ذلك الصيف، وتلقى دعمًا من قبل الحكومة حينها والتي كان يقودها نوري المالكي.
اقرأ/ي أيضًا: صور| بعد 5 سنوات.. هذا ما جرى عند أول مقبرة جماعية حفرها "داعش"
وكان الحشد الشعبي يمول تلك القوة طيلة الفترة الماضية، خاصة بعدما انسحبت قوات الـ"PKK"، إلى الأراضي السورية ومعها القوات التي شكلتها في شمال شرق سوريا حيث سيطرة الكرد، والتي تعرف باليبكة "YPG"، إثر تشكيلهم قوة مدعومة منهم وهي الـ"YBS" في سنجار.
اتهامات للجيش
من جانبه حمل مجلس الإدارة الذاتية في سنجار او كما يسمونها "شنكال"، الجيش المسؤولية عن الأحداث في بيان شديد اللهجة.
قال البيان الذي ورد لـ "ألترا عراق"، إننا "نعلم أن الحكومة العراقية لم تقم بمسؤوليتها تجاه أطفال ونساء إيزيدخان وتركتهم ضحية بيد داعش، واليوم نراها تهاجم المجتمع الإيزيدي بدلًا من تعويضهم، والقيام بواجبها تجاه هذا الشعب".
فيما يقول الكرد، إن الإيزديين جزء من المجتمع الكردي. لكن سنجار كانت تخضع لسيطرة البيشمركة عندما سقطت بيد "داعش"، ما جعل الإيزديين يشعرون بعدم الثقة واتجهوا لتشكيل حكومة جديدة بعيدة عن الكرد والعرب في سنجار.
إدارة سنجار من كردستان: نحن الحكومة الشرعية
يقول قائممقام سنجار محما خليل، وهو نائب سابق في البرلمان العراقي، انتخبه مجلس محافظة نينوى في 2015 للمنصب عندما كانت تقبع سنجار تحت سيطرة تنظيم "داعش"، وتم ازاحته وتعين بديل، إن "الانتخابات التي جرت في مجلس سنجار، مؤخرًا هي غير شرعية لأنها تشبه الانقلاب العسكري"، مؤكدًا أنه لا زال يدير القضاء ونواحيه، ولكن "لا يستطيع الذهاب إلى هناك بسبب وجود القوات العسكرية والمليشيات المدعومة من حزب العمال الكردستاني".
تؤكد إدارة سنجار عدم سيطرة الحكومة على الطريق من القضاء إلى البعاج وحتى الجزيرة الممتدة إلى سوريا، فيما تدعو إلى إخراج قوات حزب العمال ودمج بقية الفصائل وفرض هيبة الدولة
يضيف خليل لـ "الترا عراق"، إن "سنجار تتعرض لقصف مستمر من قبل الطيران التركي بسبب حزب العمال، والأهالي يشعرون بالخوف من العودة إلى سنجار بسبب عدم ثقتهم بالوضع هناك"، مؤكدًا أن "هجرة عكسية حدثت من سنجار نتيجة ذلك باتجاه مخيمات دهوك ثانية، حيث يوجد 85% من سكان سنجار هناك، في 14 مخيمًا، والآخرين يسكنون في الهياك بمحافظة دهوك".
يبين خليل، أن "سنجار اليوم تعيش تحت حكم المهربين والبلطجية والمليشيات"، فيما رأى أن "الحل يكمن في إخراج قوات حزب العمال القادمين من جبال قنديل، وهم ليسوا عراقيين، وكذلك دمج باقي الفصائل العراقية في الأجهزة الاتحادية ودعم الاستقرار وعودة العمل المشترك، وفق المادة 140 من الدستور، التي تنص على تعاون الحكومة الاتحادية مع حكومة إقليم كردستان في المناطق المتنازع عليها ومن ضمنها سنجار".
كما أكد، ضرورة "فرض هيبة الدولة العراقية، حيث تسيطر الحكومة حاليًا، على الشارع العام بسنجار، بينما الطريق إلى البعاج وحتى الجزيرة الممتدة إلى سوريا غير مسيطر عليها بشكل كامل، وفي تلك الحالة سترسل رسائل تطمين لأهالي سنجار للعودة وممارسة حياتهم".
خريطة انتشار الجماعات المسلحة
من جانبه أطلع ناشط إيزيدي طلب عدم كشف اسمه "ألتر عراق"، على خريطة انتشار العناصر المسلحة في سنجار، حيث شكل حزب العمال المعروف، وبدعم من الحكومة الاتحادية بعدما طرد "داعش" من القضاء وفرض سيطرته عليه، ميليشيا محلية تحت عنوان اليبشة أو "YPS"، وهي تتلقى رواتبها فعليًا من هيئة الحشد الشعبي، كما أبقى على اليبكة السورية "YPG"، واستدعى قوة من سوريا تحمل اسم قوات حماية المرأة "YPJ" المنضوية فيه.
شكل حزب العمال ميليشيا في سنجار بعد سيطرته على القضاء تتلقى رواتبها من الحشد الشعبي ثم أخرى مشابهة لقوات حماية المرأة، كما أوعز بتشكيل قوات إيزيدخان ارتبطت لاحقًا بالبيشمركة
شكل الحزب وفق الناشط، بعد ذلك، قوة مشابهة لحماية المرأة في سنجار بعد أن "تلاشت اليبكة وقوات حماية المرأة بين العودة إلى سوريا أو ضمن الجماعات الأخرى"، ثم تم الايعاز بتشكيل قوات إيزيدخان التي ارتبطت لاحقًا بالبيشمركة، بعد اعتقال زعيمها الإيزيدي حيدر ششو، من قبل الحشد الشعبي، إضافة إلى انتشار الحشد القادم من وسط وجنوب العراق، مع استقدام قوات عسكرية اتحادية في تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلى المدينة ليكونوا شركاء حماية هناك.
اقرأ/ي أيضًا: كيف استغل بارزاني جنازة أمير الأيزيديين؟
وقال الناشط، إن "الصراعات السياسية وعدم وجود حماية حقيقة للسكان تدفع لبقاء الوضع في سنجار على ماهو عليه، والسنجاريون لا يريدون سوى أن يستقر الوضع، وأن يحصلوا على حماية دولية لغرض العودة مجددًا والبدء بحياتهم في مدينتهم".
نينوى: PKK مشكلة دولية!
بدوره يقول ،رئيس مجلس محافظة نينوى جتو حسو، الذي ينحدر من سنجار، وأصبح أول إيزيدي ينال منصب رئيس مجلس محافظة في العراق، إن "تعدد القوات الأمنية والعسكرية يتسبب فعليًا بعدم عودة الحياة والنازحين للمدينة خوفًا من وقوع اقتتال داخلي، ووجود اليبشة والببكة واليبكة والجيش والشرطة والحشد الشعبي، هو مشكلة فعلية بسبب كثرة عددهم".
يضيف حسو لـ "الترا عراق"، إن "الحكومة في نينوى تتعامل مع سنجار وفق قانون 21 العراقي للمحافظات غير المنتمية لإقليم ودستور البلاد، ولا تعترف سوى بالحكومة الشرعية الأساسية في سنجار، وليست مع من تم انتخاباها وتشكيلها مؤخرًا، وأن ما تسبب بدمار سنجار بعد التحرير هو عدم وجود الحكومة الفعلية هناك وخضوع المدينة لسيطرة عسكرية كاملة متعددة الأطراف"، عادًا وجود حزب العمال الكردستاني "مشكلة دولية"، يجب على الحكومة الاتحادية حلها، وأن تتعامل حكومة إقليم كردستان مع الأمر "بشكل أوسع".
كان نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، قد زار، فجر يوم الإثنين 18 آذار/مارس، محافظة نينوى وقضاء سنجار، لكن هيئة الحشد نفت صلة الزيارة بتطورات الوضع الأمني في القضاء أو تعلقها بأي مخطط لإعادة نشر قطعات الحشد الشعبي فيه، وفق بيان صدر عنها.
تعزو حكومة نينوى المشاكل في سنجار إلى وجود حزب العمال وتدعو بغداد وأربيل إلى حل تلك المشكلة
ويسكن سنجار الذي يتكون من مركز القضاء وناحيتين، عرب مسلمون، فيما يطل القضاء على الأراضي السورية، ويعتبر اكبر مركز تجمع سكاني للإيزديين في العراق والعالم. كما يتوزع الإيزديين في بلدة بعشيقة شرقي نينوى، ويتواجدون في أطراف محافظة دهوك في إقليم كردستان، ولديهم مزاراتهم الخاصة، وتقدر أعدادهم بنحو 600 ألف شخص.
وتعرض الإيزيديون لمجازر ترقى إلى عمليات إبادة جماعية على يد عناصر تنظيم "داعش"، حين سيطر التنظيم على نينوى، كما ارتكب التنظيم انتهاكات بحق النساء تمثلت بالسبي والاغتصاب، لكن المئات منهم تحرروا خلال عمليات استعادة نينوى.
اقرأ/ي أيضًا:
أرقام وأحداث مروعة.. تفاصيل جديدة عن فظائع داعش بحق الإيزيديين