05-أكتوبر-2019

تمارس السلطة في العراق أسلوب حصار الصوت لإسكات الفعل الاحتجاجي (Getty)

ألترا عراق - فريق التحرير 

من واقع شعبية الاحتجاجات العراقية الراهنة أو "عفويتها" كما يصفها مراقبون، واجهت وسائل الإعلام المحلية الكثير من الحرج والإرباك في التعامل معها، مقابل سياسة "شيطنة" جوبهت بها من قبل الإعلام الحكومي ووسائل إعلام تابعة لفصائل مقربة من إيران.

مارس الإعلام الحكومي سياسة "شيطنة" ممنهجة ضد التغطيات الصحفية الموضوعية للاحتجاجات المتنامية التي يشهدها الشارع العراقي

تميزت الاحتجاجات بتنزهها عن المحركات السياسية والحزبية والدينية، بل وابتعادها عن الناشطين الذين أفرزتهم الفترة الماضية، تغذيها دماء جديدة لشباب لا تتجاوز أعمار بعضهم 16 ربيعًا، يدفعهم "اليأس" من النظام السياسي القائم منذ 2003، بعد أن شهد العام الماضي مقاطعة الغالبية العظمى من العراقيين للانتخابات العامة.

اقرأ/ي أيضًا: تفاقم القمع ورئيس الوزراء والجمهورية يتغيبان ورئيس البرلمان يتصدر المشهد!

ومع ارتفاع حدة الاحتجاجات وتأججها في عدة محافظات ومدن، لم يتمكن الإعلام الحكومي من تجاهلها، في ظل تخبط كبير في التعامل معها من طرف رئيس الحكومة عادل عبد المهدي عبر عنه "العنف غير المسبوق" ضد المتظاهرين على حد تعبير منظمات رسمية معنية بحقوق الإنسان، أسفر حتى اليوم الخامس من التظاهرات عن مقتل نحو 100 شخص وإصابة أكثر من 4 آلاف آخرين، مع استمرار الاحتجاجات ومواجهتها بالرصاص.

فحاول الإعلام الحكومي التقليل من حجم الاحتجاجات وتصوير الأجواء وهي تبدو طبيعية، ففي الوقت الذي كان حظر التجوال سار المفعول في بغداد، مع إجراءات أمنية عنيفة منعت المتظاهرين من الوصول إلى ساحة التحرير، سخرت قناة العراقية سيارة بث مباشر لتظهر الساحة وما حولها وهي خالية من المحتجين، في حين كانت حشود المحتجين تجابه بالرصاص وقنابل الغاز في ساحة الطيران القريبة والشوارع المحيطة بها، قبل أن تمتد إليها الإجراءات العنيفة، حيث يعتقل كل من يتجول هناك.

يقول صحفي اعتقل ضمن 5 آخرين في ساحة الفردوس، وسط بغداد، حينما كان يصور الأجواء هناك، إن قوة أمنية سارعت فورًا إلى اعتقالهم بعد رصدهم يوثقون الأوضاع بالهواتف النقالة و"تملكت أفرادها نوبة غضب عبروا عنها بالشتائم والتعنيف، حينما علموا أن المعتقل ورفاقه صحفيون يتولون مهمة تغطية الأحداث لصالح وكالات أنباء ومحطات تلفزيونية"، على حد تعبيره، مبينًا في حديث لـ الترا عراق، أن "اعتقالهم استمر لساعات ثم أطلق سراحهم بعد تصوير وجوههم وهوياتهم، مع تحذير شديد من الاقتراب من ساحة التحرير أو ما حولها".

حاول الإعلام الحكومي التقليل من حجم الاحتجاجات وتصوير الأجواء وهي تبدو طبيعية، في الوقت الذي كان حظر التجوال سار المفعول في بغداد

في منطقة أخرى من العاصمة، كان عدد من الصحفيين يواصلون تغطية التظاهرات ويلاحقون الصور ومقاطع الفيديو قبل انقطاع خدمة الإنترنت، في مقر وكالة أنباء محلية، حين وردتهم اتصالات تحمل توجيهات بوقف التغطيات "التي أزعجت أطراف السلطة"، وفق ما يروي أحد الصحفيين العاملين في وكالة الأنباء.

اقرأ/ي أيضًا: السلطات العراقية تصعد عمليات قمع المتظاهرين العزل وتخرق الدستور.. أيضًا!

يقول الصحفي الذي رفض الكشف عن اسمه خشية الملاحقة والاعتقال، إن "سكرتير التحرير دعا الصحفيين العاملين إلى التخفيف قدر الإمكان من وتيرة نقل أحداث التظاهرات وأنباء سقوط ضحايا واستعمال العنف من قبل القوات الأمنية".

بالمقابل، عمدت عدة وكالات أنباء محلية مؤثرة إلى "تجاهل" الاحتجاجات قدر الإمكان، وفق ما تم رصده، بتأثير من جهات حكومية أو سياسيين، قبل أن تبدأ إجراءات تخفيض سعات الانترنت بتوجيه من مكتب عبد المهدي، وقطعه لاحقًا، في وقت كان المتظاهرون يواجهون الرصاص الحي وملاحقة شرسة من قوات أمن، بحسب شهود عيان ومصادر محلية، ما دعا ناشطين إلى توجيه رسالة عاجلة إلى صحفيين في كردستان وخارج البلاد بهدف نقل ما يتعرض له المحتجون والصحفيون.

لم تتوقف الضغوطات عند هذا الحد، إذ اقتحمت قوة أمنية مكتب محطة تلفزيونية عربية في بغداد، ووجهت تهديدات مباشرة للعاملين فيها بهدف الحد من التغطيات الإعلامية للتظاهرات ونقل أنباء الاحتجاجات وأعداد الضحايا، كما كشف أحد العاملين في المكتب لـ الترا عراق.

 تشير معلومات خاصة وردت "الترا عراق" من داخل مجلس الوزراء إلى أن عناصر في ميليشيات من بينها "سرايا الخراساني" انتشروا بملابس مدنية في بغداد و تركزت مهمتهم على منع توثيق ما يجري في العاصمة

الاقتحام دعا إدارات مؤسسات إعلامية أخرى محلية، إلى توجيه العاملين فيها بتخفيف نشاط نقل التظاهرات وتطورتها خوفًا على سلامة كوادرها وأجهزتها، لكن ذلك لم يمنع من إقدام مجهولين على الاعتداء على مقر قناة دجلة وسط العاصمة، وحرق عربة البث المباشر التابعة الخاصة بها.

اقرأ/ي أيضًا: "فوضى" في البرلمان.. من هم "الناشطون" الذين استقبلهم الحلبوسي؟!

على الأرض قتل مصور صحفي يدعى هشام الأعظمي وأصيب مصور وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس" أحمد الربيعي، أثناء تغطيتهما الاحتجاحات في بغداد، بحسب مصادر أمنية وصحفية، إذ يتعرض المتظاهرون والصحفيون على حد سواء إلى رصاص قناصة انتشروا أعلى مبان تطل على مواقع التظاهرات.

قالت خلية الإعلام الأمني الحكومية، إن "القناصة استهدفوا رجال أمن أيضًا"، فيما تشير معلومات حصل عليها "الترا عراق" من موظفين في مجلس الوزراء إلى أن عناصر في ميليشيات من بينها "سرايا الخراساني" انتشروا بملابس مدنية في بغداد ونفذوا حملات اعتقال واعتداءات ضد المتظاهرين، فيما تركزت مهمتهم على منع توثيق ما يجري في العاصمة.

لكن ناشطين وصحفيين يواصلون توثيق ما يستطيعون عبر الصور ومقاطع الفيديو، مع الاستمرار بتغطية تطورات الاحتجاجات بالأنباء والتقارير، بما يتيسر لهم من وسائل اتصال، كما يؤكد عدد منهم في اتصالات هاتفية مع الترا عراق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تظاهرات "أكتوبر العراق".. جيل جديد من الاحتجاجات "ترعب" السلطة!

شباب العراق يعزلون عزلته