11-فبراير-2022

تمتنع أطراف سياسية عن أي تغيير بحجة " العراق غير المؤهل" (Getty)

اعتدنا في منطقتنا العربية سماع محفوظة "الشعب غير مهيأ للديمقراطية" سواء من أنظمة بعينها وحواشيها والمنتفعين من وجودها، أو من ببغاوات يرددون مقولات عنصرية لأسباب قد تكون نفسية في غالب الأحيان.

المقولات العنصرية التي تُردد في بلدان الربيع العربي جرى ترديدها هنا: شعب العراق غير مهيّأ للديمقراطية

وفي العراق، رغم أن سؤال الديمقراطية لم يكن مطروحًا عبر تفاعل داخلي تطور صعودًا، بل نظام فُرض عبر احتلال عسكري رسمي، كُتب الدستور تحت وصايته وجرت عملية الانتخاب وتناقل السلطة داخل دائرة يحرسها المارينز ومن جاء بعدهم، ورغم أن المحاصصة فكرة أمريكية قتلت التطور الديمقراطي في مهده، رغم كل ذلك فالمقولات العنصرية التي تُردد في بلدان الربيع العربي جرى ترديدها هنا: شعب العراق غير مهيّأ للديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: تراث المحاصصة الذي لم ينته في العراق

واللافت للنظر أن أطرافًا رئيسة في النظام تتبنى هذه المقولة دون تصريح، بل عبر أفعال تمنع ترسيخ الديمقراطية والتطور الطبيعي لآلياتها وهيمنتها. لا تمتنع هذه الأطراف عن مساندة أنظمة مستبدة بل وفاشية. لا تسمح للفصل بين السلطات أن يتسع. لا تدع مجالًا للمساواة بين المواطنين. ترفض رفضًا قاطعًا توحيد القرار الأمني وإكساءه بطابع الدولة الديمقراطية التي يحكم فيها القانون وتسود فيها الشفافية وتغيب عنها مظاهر التسلّح خارج سيطرة الدولة بل تستخدمه – أي السلاح – ضد الدولة والنظام حالما يهدد مصالحها.

أظهرت الانتخابات الأخيرة التي جاءت عقب احتجاجات كبيرة طالبت ضمنيًا بالإصلاح الديمقراطي انحسارًا ملحوظًا  لمقاعد بعض الأحزاب وخصوصًا الشيعية منها التي عُرفت بمعاداتها للتغيير واصطفاف بعضها ضد الاحتجاجات.

كانت ردة الفعل الأولى لهذه القوى هي خلق انسداد سياسي عبر تحركات في الشارع والقضاء والإعلام فضلًا عن الأمن لتثبت أن البلاد في ظل "انسداد سياسي" كانت قد تبنته خطابًا منذ اليوم الأول لخسارتها.

وفي الميدان الأمني أيضًا حين حذرت أطراف ضمن ما يُعرف بـ"الإطار التنسيقي" من قلاقل أمنية فور ظهور نتائج الانتخابات واتضاح أن التيار الصدري ماضٍ مع حلفاء كرد وسُنة في تشكيل الحكومة.

وهذه مثل تلك: الانسداد السياسي، الانفلات الأمني، البلاد غير مهيئة للديمقراطية.. كلها انطباعات تخلقها جهات سياسية وتحاول ترسيخها إعلاميًا في البدء، لتنتقل بعدها لترسيخها على الأرض.

أطراف سياسية تمنع ترسيخ الديمقراطية والفصل بين السلطات والمساواة بين المواطنين وتساند أنظمة مستبدة وتدعم السلاح خارج الدولة

طالب المحتجون بإيقاف الفساد وإنهاء المحاصصة وحالة تقاسم المغانم بين جميع الأحزاب السياسية وعبروا عن غضبهم من تردي الأوضاع المعيشية؛ لكنهم اصطدموا – في مفارقة غريبة – بأحزاب تقول لهم إنّ "الجميع يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه البلاد" وتصر على استمرار الجميع في السلطة.

ومن هنا، باتت أكثر الطرق عمليةً لإنهاء التقاسم هي ألّا يتقاسم الجميع المناصب، بل الجزء الذي يتحمل المسؤولية أمام الحراك الشعبي نفسه. ورغم اصطدام المحتجين بالتيار الصدري أواخر أيام الاحتجاجات إلا أن الأجواء العامة أكثر تقبلًا لتشكيل حكومة يتبناها التيار وحلفاؤه على العودة للتقاسم القديم، ويُلحظ ذلك من موجات السخرية والانتقادات الموجهة للصدر بعد كل لقاء يجمعه بأطراف الإطار التنسيقي، والتي تعتبر التوافق دليلًا على كذب ادعاءات الإصلاح.. ولعلها محقة.

ومرة أخرى، استعانت الأطراف المجتمعة في الإطار التنسيقي بالخطاب المعتاد. أصرت في تصريحاتها على أن العراق غير مؤهل حاليًا لتشكيل حكومة أغلبية، في سياق رفضها للذهاب إلى المعارضة.

اقرأ/ي أيضًا: بين سعي قاآني والإطار وإصرار الصدر.. "توافق بالإجبار"؟

إذًا، كما ترفض الأنظمة الاستبدادية العربية أي تحولات ديمقراطية بحجة "الشعب غير مؤهل" لكي تبقى في الحكم؛ ترفض أطراف سياسية عراقية بعينها الخضوع لنتائج الانتخابات وتدعي أن تزويرها خلق انسدادًا سياسيًا لتخلق "الانسداد السياسي". وتتحدث عن الانفلات الأمني الذي تقف وراء العديد من أحداثه لتثبت أن العراق بلا أمن من دون إرضائها. وتدعي أن العراق غير مؤهل لإعادة تنظيم العمل التنفيذي عبر حكومة ومعارضة لرفضها بالأساس التخلي عن السلطة.

وسوف تكافح هذه الأطراف لمنع أي تغيير من شأنه إبعادها أو تقليل نفوذها لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه لأن "بقاء العراق غير مؤهل" أساس وجودها في السلطة.

باتت أكثر الطرق عمليةً لإنهاء التقاسم هي ألّا يتقاسم الجميع المناصب، بل الجزء الذي يتحمل المسؤولية أمام الحراك الشعبي نفسه

والحق، ليست بلداننا العربية ومن ضمنها العراق غير مؤهلة للديمقراطية أو الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، بل أن ما تسمى بالقيادات غير مؤهلة للقيادة أو تقبّل النظام الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة واحترام الدستور والقوانين وعلوية الدولة، لا في هذه المرحلة ولا غيرها، كما تخبرنا التجارب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مبادرة الحكيم.. المعول الأخير لهدم الديمقراطية

المؤشر العربي: كيف يتفاعل العرب مع الديمقراطية؟