ألترا عراق ـ فريق التحرير
يتعامل مجلس القضاء الأعلى في العراق منذ يومين "كخصم" وطرف نزاع ضدّ "السلاح المتخفي"، ولأول مرّة، وذلك على خلفية اغتيال قاضٍ في محافظة ميسان أول الأمس السبت، بعد نحو 19 عامًا من نشاط السلاح الذي طال مئات الشخصيات من مختلف الشرائح.
يبقى تساؤل حول ما إذا كان القضاء قد توصل "لإيمان" بضرورة تفكيك ملف الاغتيالات والسلاح غير الشرعي الذي بدأ يصل لمراحل خطيرة متمثلًا باستهداف القضاء
ميسان التي تشهد جملة من العمليات المخلّة بالأمن على صعيد اغتيال شخصيات قانونية وضبّاط وناشطين ومحتجين، تسبّب اغتيال القاضي المختص بقضايا المخدرات في محكمة استئناف ميسان أحمد فيصل، بتحرّك القضاء لإصدار مذكرات قبض طالت جميع القادة الأمنيين المسؤولين عن المحافظة بشكل مباشر أو غير مباشر، والذي بلغ عددهم 8 ضباط، وبموجب المادة 330 من قانون العقوبات العراقي التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة امتنع بغير حق عن أداء عمل من أعمال وظيفته أو أخل عمدًا بواجب من واجباتها نتيجة لرجال أو لأي سبب آخر غير مشروع".
اقرأ/ي أيضًا: رئيس محكمة ميسان: المحافظة تحتاج إلى قيادة عمليات مستقلّة لفرض القانون
وطالت مذكرات القبض كل من قائد عمليات سومر الفريق سعد حربية، ومدير شرطة ميسان اللواء ناصر لطيف الأسدي، ومدير استخبارات ومكافحة الإرهاب العميد أحمد عبد الواحد، ومعاون مدير الشرطة العميد خيون عبد الصاحب، ومدير حماية الشخصيات العميد حمود وادي، ومدراء أقسام شرطة حطين والبلدة وقضاء قلعة صالح.
وبذات السياق، دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي إلى إعادة النظر في القيادات الأمنية والمكلفين بحفظ الأمن في محافظة ميسان.
وضمن التحرّك الواضح للقضاء "كخصم" في هذه القضيّة، أصدر مجلس القضاء الأعلى بيانًا أعلن من خلاله عن "مكافأة كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن جريمة اغتيال القاضي أحمل فيصل خصاف"، فيما وصل رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان إلى محافظة ميسان وحضر مجلس عزاء القاضي الضحية، متعهدًا بـ"ملاحقة المجرمين الذين ارتكبوا الجريمة النكراء بحق الشهيد".
موقف كان منتظرًا.. القضاء يبادر!
الاندفاع الواضح للقضاء ضدّ "مجاميع السلاح" وبتحرك ذاتي، يمكن وصفه بـ"غير المسبوق"، بالرغم من مئات عمليات الاغتيال التي طالت مختلف الشرائح من ضباط كبار ومسؤولين وناشطين وصحفيين وخبراء، وهذا الموقف كان منتظرًا منذ مدّة طويلة من قبل مختلف الأوساط، حتى تحول إلى حلم أن يكون القضاء متكفلًا ومبادرًا كخصم في قضايا تخلّ بالعدالة، لكنه لم يتحرّك لعمليات الاغتيال التي حصلت في أوقات مختلفة، خاصة بعد احتجاجات تشرين.
ومع مجيء هذا الموقف متأخرًا، إلا أنه شكّل عدّة تساؤلات، من قبيل ما إذا كان يمكن للقضاء قانونيًا أن يكون هو الخصم، أو عن مصير الادعاء العام وإمكانية تفعيله، فضلًا عمّا إذا كان هذا الحراك القضائي مدفوعًا بـ"الثأر" لقاضي ميسان وسيتوقف عند هذا الحد، أم أنه سيشكل قضيّة وقناعة تامة لدى القضاء بضرورة التوصل لأصل هذه الأذرع المسلحة، وتفكيك هذا الملف بشن حرب قانونية ضدها.
ويبيّن الخبير القانوني محمد جمعة في حديث لـ"ألترا عراق"، أنه من الناحية القانونية، فإنّ "مجلس القضاء الأعلى هو الخصم في هذه القضية باعتبار أنّ القاضي الشهيد ينتمي لمجلس القضاء الأعلى ومن الممكن اعتبار القضاء خصم في هذه القضية لكنه خصمًا قانونيًا، بالتالي لا توجد مشكلة قانونية في أن يعتبر القضاء خصمًا في هذه الدعوى، بالمقابل لا يمكن لأي جهة أخرى أن تتولى التحقيق إلا القضاء ولا يعترف بأي نتيجة تحقيق إلا النتائج الصادرة عنه".
وبينما يشير جمعة إلى أنّ "الإجراءات التي قام بها القضاء من قبيل أصدار مذكرات قبض على القيادات الأمنية وماسكي الأمن في الأرض فضلًا عن رصد مكافأة ماليّة لمن يقدم معلومات عن المتورطين بعملية الاغتيال هي إجراءات صحيحة وقانونية"، يؤشر إلى أنّ "هذه الإجراءات الصحيحة هي التي يجب أن تتخذ في كل عملية اغتيال حصلت ولا يجب أن تقتصر على عملية اغتيال القاضي الشهيد".
واعتبر جمعة أنّ "إجراءات القضاء لا يمكن وصفها بأنها عملية ثأر، بل هي اجراءات لتحقيق العدالة، خصوصًا وأن عملية اعتقال القادة الأمنيين أمر طبيعي عند حدوث أي خرق أمني لأن الخرق حصل بسبب إهمال سواء كان متعمد أو غير متعمد، وبالحالتين يكون المسؤول عن الأمن مذنبًا".
مرحلة استيعاب الصدمة
ويبقى تساؤل حول ما إذا كان القضاء قد توصل "لإيمان" بضرورة تفكيك ملف الاغتيالات والسلاح غير الشرعي الذي بدأ يصل لمراحل خطيرة، متمثلًا باستهداف القضاء بعد أن وصل لاستهداف وتهديد الرئاسات الثلاث.
وتعطي عملية اغتيال القاضي في ميسان وكيفية استقبال القضاء لهذه الحادثة مؤشرين، بحسب الباحث في الشؤون السياسية أحمد الياسري، الأول هو "كسر هيبة القضاء، فاستهداف قاضٍ يجعل المؤسسة القضائية غير محمية ليس لها سند، وهذا يدفع المؤسسة القضائية إلى أن تحتمي بالقوة السياسية المسلحة وهنا سيفقد القضاء العراقي استقلاليته".
لذلك أعتبر الياسري أنّ "الحادثة تتطلب بالفعل عملية رد فعل قضائي لإعادة تمحورالقوة والحضور للقضاء العراقي، خصوصًا وهي المؤسسة الاقوى والأكثر حاكمية في الواقع العراقي".
أما المؤشر الثاني ـ بحسب الياسري ـ فإنّ "حادثة اغتيال قاضٍ قد تدفع القضاء إلى الخروج من دائرة التسويات السياسية حيث كان للقضاء العراقي في بعض المواقع حضورًا أشبه بالحضور السياسي وبعيدًا عن دوره كقضاء مستقل"، مبينًا أنّ "القضاء يريد أن يستوعب هذه الصدمة حاليًا ليخرج من دائرة المناكفات السياسية".
ويشير الياسري إلى أنه "جهة أخرى تعطي الحادثة انطباعًا بأن القضاء يجب أن يقف بمساحته القوية غير المتماهية مع القوى السياسية، وهي التي ستجعله محميًا من محاولة إقصائه واستهدافه، لأن دخوله ضمن المناورات السياسية سيجعله هدفًا سهلًا لذا فأنّ ردة الفعل القوية هي محاولة لخلق جدار من الردع والاستقلال للقضاء العراقي".
ويشير الياسري إلى أنّ "عملية الاغتيال هذه بغض النظر عما يحدث في ميسان، إلا أنه لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي العراقي"، معتقدًا أنها "عملية ضغط نفسي على القضاء لأن القوى التي تستثمر في مساحة استهداف القضاء هي في الغالب لديها حرب قانونية مع خصومها ومن يفصل فيها هو القضاء".
وبالرغم من أن القاضي الضحية مسؤول عن ملف المخدرات، فإنّ القناعة المجتمعية فضلًا عن الأوساط السياسية تصب نحو ارتباط ملف المخدرات بقوى سياسية ومسلحة، وليست منفصلة عنها.
طرحت تساؤلات عن الحراك القضائي الحالي وهل سيكون مدفوعًا بـ"الثأر" لقاضي ميسان وسيتوقف عند هذا الحد أم أنه سيكون مدفوعًا بتشكّل قناعة تامة لدى القضاء ضد السلاح؟
لكنّ خطوة القضاء في إعطاء مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن جريمة اغتيال القاضي أحمد فيصل، وجه لها انتقادات أيضًا من قبل نشطاء، حيث أن الاغتيالات التي شهدتها محافظة ميسان والمحافظات الأخرى لناشطين وكتّاب وباحثين فيما سبق لم تحرّك القضاء، وهو ما يرجح أن تكون هذه الخطوة عملية "ثأر"، بحسبهم.
اقرأ/ي أيضًا:
مجلس القضاء يحمّل الأجهزة الأمنية مسؤولية اغتيال قاض في ميسان
حرب شوارع في ميسان: قوات الأمن تفرض حظرًا للتجوال.. وعشيرة توجه بإخلاء المنازل