يقترب موعد إجراء الانتخابات المبكرة في العراق وسط استعدادات مكثفة تجريها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتسجيل التحالفات والأحزاب الجديدة، فضلًا عن خطوات أصدار البطاقات البايومترية، إلا أن الأمر المرتقب هو فحوى التغيير الذي ستحدثه هذه التجربة بعد 17 عامًا على أول انتخابات أجراها العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، خصوصًا أنها تأتي بعد احتجاجات دامية راح ضحيتها 20 ألفًا بين قتيل وجريح، وكان من ضمن مطالبها الأساسية؛ إجراء انتخابات مبكرة وحل البرلمان.
لم تختلف انتخابات 2018 عن سابقاتها، ورافقها عمليات تزوير ما دعا مراقبون إلى اعتبار تظاهرات تشرين كانت نتيجة طبيعية عن مخرجاتها
أول انتخابات عراقية كانت في عام 2004، حيث أجري اقتراع غير مباشرة من قبل مجلس الحكم آنذاك لاختيار الرئيس المؤقت الذي يتسلم الحكم من سلطة الاحتلال المؤقتة برئاسة بول بريمر، الحاكم المدني للعراق الذي كان مُكلفًا من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق جورج بوش، ليفوز حينها غازي عجيل الياور بالرئاسة المؤقتة بعد انسحاب عدنان الباجه جي من المنافسة، ثم صوّت العراقيون في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005، على مشروع الدستور العراقي بمثابة مقدمة لإجراء انتخابات برلمانية جديدة في كانون الأول/ديسمبر 2005 لاختيار مجلس النواب العراقي، وحكومة دائمية مدتها أربع سنوات، لتجري الانتخابات بمشاركة 5 تكتلات رئيسية، أسفرت عن غلبة كبيرة للأحزاب الشيعية، وهو الأمر الذي اعتبره المكون السني تزويرًا لنتائج الانتخابات، ما أدى إلى خروج تظاهرات كبيرة حينها أسفرت عن استدعاء وفد دولي للاطلاع على الشكاوى المقدمة بشأن الاقتراع، إلا أنه خرج بقرار "نزاهة الانتخابات وشفافيتها وبالإمكان الوثوق بها"، فتشكلت حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بعد حكومة إبراهيم الجعفري مطلع 2006.
ولادة الجدل واستمراره
استمرت الانتخابات بنسختها الجديدة في 2010، إذ تمكنت القائمة العراقية برئاسة أياد علاوي من تحقيق الفوز بـ91 مقعدًا، مقابل 89 لائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء المالكي، في وقت كانت المحكمة الاتحادية قد قضت قبل إجراء الانتخابات بـ"عدم دستورية قانونها" لتنتج قانونًا جديدًا منع نحو 500 مرشح من خوض المنافسة لارتباطهم بحزب البعث، فضلًا عن كون مفهوم الكتلة الأكبر في البرلمان وفقًا للقانون، قد حرمت علاوي من تولي رئاسة الوزراء لتكون بمثابة الولاية الثانية لنوري المالكي.
اقرأ/ي أيضًا: صراع رئاسة الوزراء: انتزاع الاعتراف بالخوف..بالقوة
وجاءت انتخابات 2014، في أوضاع أمنية صعبة شهدتها المحافظات الغربية بوجود تهديد تنظيم "داعش"، ما دعا إلى استثناء مدينتي "الفلوجة والكرمة"بمحافظة الأنبار من الإدلاء بصوتها في الاقتراع ضمن 18 محافظة صوتت، وأفرزت الانتخابات وقتها، اكتساح دولة القانون للنتائج بأغلبية نيابية كبيرة، ولكن المرشح لرئاسة الوزراء هنا لم يكن نوري المالكي الساعي للولاية الثالثة، حيث انقلب التحالف الوطني حينها، فقام بترشيح حيدر العبادي، وهو أحد أعضاءه، وسط خلافات كبيرة شابت الأجواء السياسية في ذلك الوقت.
فيما لم تختلف أنتخابات 2018 كثيرًا عن سابقاتها، فقد كانت المعارك ضد تنظيم "داعش" جارية على قدم وساق، فضلًا عن زوبعة الاتهامات التي شهدتها بتزوير الانتخابات واحتراق عدد من مراكز العد والفرز في العاصمة بغداد، ما أدى لزياد الشكوك بنتائجها التي خرجت بفوز تحالف سائرون (التيار الصدري+ الحزب الشيوعي+5 أحزاب صغيرة أخرى) بـ 54 مقعدًا في المرتبة الأولى، يليه ائتلاف الفتح بزعامة هادي العامري وقوى الحشد الشعبي، ثم تحالف النصر برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
الانتخابات المبكرة بين التغيير والتزوير
ومنذ غزو العراق، لم تخرج تجربة انتخابية حقيقية في العراق أسفرت عن مجلس نواب يرضي تطلعات الشعب، وهو ما أدى إلى الانفجار الشعبي الذي حدث في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وفقًا لمراقبين رأوا أن الاحتجاجات هي نتيجة طبيعية عن مخرجات العملية السياسية في العراق، وأسقطت التظاهرات حكومة رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي الذي جاء نتيجة لانتخابات أيار/مايو 2018، واعتبروها جاءت عبر انتخابات مزورة، فيما طالبت بمطالب عدة، كان أبرزها نظام انتخابي جديد وتحديد موعد لانتخابات مبكرة، وهو ما وضعته الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي في 6 حزيران/يونيو 2021، ولكن عادت لتأجيلها إلى 16 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وحول وجه التشابه والاختلاف بين التجارب السابقة والتجربة الانتخابية المقبلة، يقول رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، عباس الجبوري، إن "مفهوم الانتخابات المبكرة انتهى كون موعدها لم يعد بعيدًا سوى أشهر قليلة عن الموعد المعروف، مستدركًا "لكن ستكون بقانون الدوائر الانتخابية المتعددة داخل المحافظة الذي يختلف عن قانون سانت ليغو المعتمد سابقًا".
ويضيف الجبوري لـ"ألترا عراق"، أن "الانتخابات العراقية دائمًا لا تمتاز بالنزاهة بسبب التزوير وعدم وجود أرضية آمنة والمحاصصة بعضوية مجلس المفوضين بين الأحزاب السياسية، مرجحًا "تأجيل الانتخابات المبكرة الى العام المقبل 2022، لافتًا إلى أنه "لن يكون لها أي اختلاف عن التجارب الماضية، فيما أشار الى أن "حراك تشرين لن يتمكن من تحقيق شيئًا مستقبلًا حتى بتشكيله قوائم سياسية لخوض المنافسة كون الكتل الحالية انقسمت إلى كتل كثيرة بأسماء مختلفة في حين هي واجهة لأسماء متنفذة منذ سنوات".
يشير مراقبون إلى أن حصول الاختلاف فيما ستنتجه الانتخابات المبكرة يرتبط بالتأثيرات الأمنية وانفلات السلاح وفرض هيبة الدولة واحترام قانون الانتخابات
ويرى المحلل السياسي سرمد البياتي، في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الانتخابات المبكرة ربما ستختلف ظاهريًا عن سابقاتها لوجود قانون انتخابي جديد ومفوضية جديدة، رغم هناك شك بوقوف تعطل قانون المحكمة الاتحادية عائقًا إذا لم يتم إقراره وإكمال عدد المحكمة، مؤكدًا أن "الانتخابات المبكرة لن تكون كتجربة جديدة تنهي المحاصصة وتقاسم المناصب المتجذرة بعد 2003، وسيفوز بها من كان لديه سابقًا نفس الوجوه مع تغييرات بسيطة، وذلك بفعل المال السياسي المتواجد بجيوب الفاسدين الذين سيقومون بحملات دعائية كبيرة وشراء أصوات الناخبين بسهولة لكون الشعب أصبح يعاني من فقر كبير وهو بأمس الحاجة للمال".
التأثيرات تمنع الاختلاف
بالمقابل، يشير مراقبون إلى أن حصول الاختلاف فيما ستنتجه الانتخابات المبكرة مستقبلًا على العملية السياسية مرتبط بالتأثيرات الأمنية وانفلات السلاح وفرض هيبة الدولة واحترام قانون الانتخابات، بحسب الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي داود سلمان.
ويقول سلمان في حديث لـ"ألترا عراق"، إنه "إذا توفرت شروط ومعطيات الانتخابات النزيهة يكون فيها صوت الناخب محترم باختياره فبالتأكيد سنشهد التغير في العملية السياسية، مبينًا أنه "ليس بمقدور العراق أن يكون حرًا بقراره وإرادته بتطبيق احترام مؤسسات الدولة ما دامت هناك تأثيرات وضغوطات خارجية تمارس عليه وهي لن تجعل من ولادة الوجوه الجديدة بالأمر السهل"، فيما يتفق سلمان مع إمكانية تأجيل الانتخابات للعام المقبل.
اقرأ/ي أيضًا: المفاهيم العميقة ونظامنا البدائي.. تعقيد بلا معنى
ويلفت الباحث في الشأن السياسي داود سلمان إلى أن "مفوضية الأنتخابات لا يمكن اعتبارها مستقلة منذ نشأتها الأولى، وغير متوقع منها القدوم بعملية انتخابية نزيهة لاتخلو من التزوير وتحافظ على أصوات الناخبين"، موضحًا أن "المفوضية لم تأت من الحراك الجماهيري الذي استفرغ واستنفذ من إرادته وتصميمه وذهب باتجاهات أخرى، مؤكدًا أنه "في حال عدم ظهور نتائج انتخابات مرضية للأحزاب السياسية الحالية فأنها ستتغير بقوة السلاح".
لا يمكن بناء تصوّر شامل حول نتائج الانتخابات القادمة بسبب تفاصيل توزيع الدوائر الانتخابية ونتائج هذا التوزيع حسب عدد الأصوات والمناطق، بحسب الكاتب مصطفى الصوفي الذي أشار لـ"ألترا عراق"، إلى "وجود تخوّف من قبل القوى السياسية من القانون الحالي، وهذا ما يجعلها تدفع لتأجيل الانتخابات مرّة ثانية لكسب الوقت أو تعديل القانون مرّة أخرى، فيما بيّن وفقًا لمعلوماته، أنه "يجري الآن التحرك للعودة لذات القانون السابق ضمن نسبة سانت ليغو والدوائر الكبيرة".
لكن المحلل السياسي جبار خضير، يذهب باتجاه استحالة حصول أي تغيير على الوضع العراقي من خلال لانتخابات القادمة، كون التجارب السابقة ـ بحسب رأيه ـ أوضحت الكثير من فرص التزوير والاختراق بقوة السلاح المنفلت الذي تملكه الأحزاب المتنفذة، قائلًا لـ"ألترا عراق"، إن "الحل في العراق يكمن بإسقاط النظام السياسي الحالي برمته كونه جاء بحجة الديمقراطية ولم يطبق أي شيء منها".
وخلال هذه الفترة، صدرت العديد من المطالبات بتدخل الأمم المتحدة في الانتخابات المبكرة التي كانت أحد مطالب المتظاهرين لضمان نزاهة عملية التصويت بعد سنوات من التزوير الذي تقر به قوى سياسية مشاركة في النظام.
اقرأ/ي أيضًا: