من بوابة "البطة" عاد الصراع الإعلامي شيئًا فشيئًا بين التيار الصدري ورئيس الوزراء الأسبق وائتلاف دولة القانون الحالي نوري المالكي إلى الواجهة بعد أشهر من انخفاض حدة التصريحات من كلا الطرفين. كان اغتيال سليماني والمهندس كما قلنا في السابق دافعًا رئيسًا لرصف صفوف ما أطلق عليه الصدر ذاته "البيت الشيعي"، ولاحظنا تجنّب نواب تحالف سائرون الحديث بطريقة خشنة أو متوعّدة لغريمهم التقليدي المالكي، حتى باتت الصحافة والمجموعات السياسية تتحدث عن قرب المصالحة بين الطرفين.
أثار الصدر بتصريحه عن رئاسة الوزراء حفيظة أغلب القوى السياسية بإعلانه سباقًا مبكرًا على الانتخابات
من الزاوية الإعلامية أيضًا أطلق المالكي تحديًا للتيار الصدري، متوعدًا بلهجة تصعيدية بعدم السماح لـ"البطة" - وما تمثله من حقبة انفلات أمني - بالعودة إلى تهديد أمن الناس. ويبدو أن هجوم المالكي أزال حقبة من التهدئة بين الطرفين، وربما ستكون نقطة انطلاق للصراع على منصب رئاسة مجلس الوزراء "الحصري للشيعة" بين غريمين تقليديين.
اقرأ/ي أيضًا: رحيل منقذ النظام العراقي عن البيت الأبيض
لقد أثار الصدر بتصريحه عن رئاسة الوزراء حفيظة أغلب القوى السياسية بإعلانه سباقًا مبكرًا على الانتخابات. أبدت بعض الأطراف السُنية تخوفها صراحةً من العودة إلى حقبة مضت، وواصلت مجاميع الناشطين في انتفاضة تشرين اعتراضاتها على الصدريين وتوجههم، فاستغل المالكي ذلك بإذكاء العداء القديم، ولعلها محاولةً للعودة إلى المشهد الخارجي أيضًا وليس الداخلي فحسب من بوابة الخصومة مع الصدريين الذين يشتبكون مع الجميع منذ انقلابهم على التظاهرات في ظاهرة غريبة لتيارٍ ما زال يمارس السياسة بأقصى الاندفاعات والعفوية والارتجال.
قد تندرج تصريحات الصدريين وتخويفهم تحت بند إعلاء سقف الطموحات المعلنة (كما كان يعلو سقف المطالب في تظاهراتهم) للحصول على ما هو أدنى. وما هو أدنى هو ما لم يحدث مع محمد توفيق علاوي الذي رُفض من زملاء الصدر ذاتهم، ذلك الرفض الذي ساهم بنشوء خطوات وخطابات صدرية نسفت سنينًا من جهود إنهاء النظرة "الميليشياوية" على التيار.
في خضم الصراع على توفيق علاوي قبل عام أطلق الصدر تصريحًا مشابهًا لـ"الترند الحالي"، أعاد إلى الذاكرة السُنية الحرب الأهلية بعد سقوط النظام السابق. وبعد عام، تحدى الكتل الشيعية والمتظاهرين بتصريحات حول منصب رئاسة الوزراء المقبل مُطلِقًا معركة انتخابية مبكرة لانتخابات لم تعد مبكرة.
بسبب التجارب العراقية وآخرها الكاظمي، لم يعد من الحذق التنبؤ بفشل من يتسلّم رئاسة الوزراء في أجواءٍ كالتي يعيشها العراق. وبسبب التجارب العربية وغيرها لم يعد من الفطنة القول إن الصدريين "سيحرقون أنفسهم" بهذا المنصب.
لربما أن الصدر يريد تمرير مرشحه هو للمنصب، بمواصفات لا تُنفِر الآخرين، بمعنى ألّا يكون الرئيس المُراد تنصيبه صدريًا و"سائق بطة"، وبذلك سيضرب حجرات عدة بحجرة واحدة: سيُحشّد جماهيره إلى صناديق الانتخابات لانتزاع "حق الرئاسة"، وبذلك تكون له اليد الطولى في المفاوضات. يوافق الخصوم على اختياره مرشحًا "بالتنازل" غير صدري. لن يكون الرئيسُ صدريًا ولن يتحمل الصدر فشله أمام الجمهور.
ما يحدث الآن هو صراع سياسي على الحكم بامتياز عنوانه الأبرز "انتزاع الاعتراف بالخوف.. بالقوة"
نعتقدُ أن السيناريو الذي نسوقه محتملًا في حال بقيت سكة العراق على مسار الفشل مع الأخذ بالعوامل والمتغيرات التي تحصل في السياسة.. لكن ما يحدث الآن هو صراع سياسي على الحكم بامتياز عنوانه الأبرز "انتزاع الاعتراف بالخوف.. بالقوة". أما مستوى التنافس وطرائق التعبير عنه فهي ليست محل استغراب في نظام فاق المعقول بانحطاطه وتردي آلياته.
اقرأ/ي أيضًا: