04-يوليو-2019

لا زالت الكثير من العادات العشائرية موجودة في الواقع لغياب الإرادة السياسية في القضاء عليها (تويتر)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

بعد أن تم تشديد الأحكام عن جريمة "النهوة العشائرية"، بالإضافة إلى اعتبار التهديد بها فعلًا إرهابيًا وفق قانون مكافحة الإرهاب، أعلن مجلس القضاء الأعلى في 4 تموز/يوليو قرب نهايتها وتراجعها في الكثير من المناطق العراقية التي طالما شكلت فيها تهديدًا لأمن المجتمع.

"النهوة" هي عرف عشائري قديم يكره بموجبه الذكر أو ‏الأنثى من الأقارب على الزواج أو يمنعه منه، مستندًا إلى رابطة القرابة والانتماء العشائري 

ويعرّف مجلس القضاء الأعلى، "النهوة"، في تقرير له تابعه "ألترا عراق"، إنها "عرف عشائري قديم يكره بموجبه الذكر أو ‏الأنثى من الأقارب على الزواج أو يمنعه منه، مستندًا إلى رابطة القرابة والانتماء العشائري ‏بداعي عدم زواج الإناث إلا من أقاربهن وقد يقترن ذلك بالتهديد أحيانًا".‏

اقرأ/ي أيضًا: بعد منعها من الزواج بـ"النهوة العشائرية".. المحكمة تنتصر لفتاة اشتكت أقربائها

أخذت "النهوة" منحىً خطيرًا في الآونة الأخيرة، حيث أكد قضاة أن "عددًا من القضايا لم تقتصر على التهديد والوعيد بل وصلت إلى استخدام الأسلحة ‏من أجل منع زواج امرأة من رجل ليس من القبيلة نفسها، ولم يعد هذا العمل مقتصرًا على المناطق ‏الريفية والبدوية بل انتشر في الكثير من محافظات العراق لا سيما الوسط والجنوب منه".

كان  مجلس القضاء الأعلى أصدر قراره بـ"تشديد عقوبة "النهوة ‏العشائرية" واعتبر المقترنة بالتهديد إرهابًا، وفق المادة الثانية من قانون مكافحة ‏الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، التي تنص على أن "التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين ‏الناس أيًا كانت بواعثه يعد من الأفعال الإرهابية، وأن تشديد العقوبة على مرتكبي هذه ‏الجريمة هو أمر واقع تقتضيه الظروف الحالية بغية القضاء على هذه الظاهرة المتأصلة ‏جذورها في المجتمع دون سند أخلاقي أو اجتماعي أو ديني أو قانوني" بحسب قرار القضاء.‏

وفي ميسان أحد معاقل رواج هذه العادة، بيّنت محكمة الاستئناف هناك "انحسار هذه الأعمال بصورة كبيرة وصلت إلى نسبة ‏الـ90% بحسب القاضي سعد سبهان وهو قاضي أول محكمة تحقيق العمارة والذي بيّن بحسب مجلس القضاء الأعلى، أن "أعمال الدكة العشائرية انخفضت بنسبة 90% في مناطق من ‏المحافظة وانقضت نهائيًا في أخرى"، فيما نوّه سبهان إلى أن "محافظة ميسان شهدت مثل هكذا ‏أعمال بكثرة كونها أكثر محافظات العراق التي تصطبغ بالطابع العشائري".‏

وعن آلية التحقيق والطرق المتبعة من قبل المحكمة في حال وجود جريمة "النهوة" الاعتيادية، ‏ذكر القاضي سبهان أن "المحكمة تجري التحقيق بخصوص جريمة "الـنهوة" العشائرية وفق المادة ‏التاسعة من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 التي نصت الفقرة الأولى منها ‏على أنه "لا يحق لأي من الأقارب أو الاغيار إكراه أي شخص ذكرًا كان أم أنثى على الزواج ‏دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلًا إذا لم يتم الدخول كما لا يحق لأي من الأقارب ‏أو الاغيار منع من كان أهلًا للزواج بموجب أحكام هذا القانون من الزواج".

"النهوة العشائرية" انحسرت بصورة كبيرة في محافظة ميسان وصلت إلى نسبة ‏الـ90%

أضاف أنه "يعاقب من ‏خالف أحكام الفقرة الأولى أعلاه بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات وبالغرامة أو بإحدى ‏هاتين العقوبتين إذا كان قريبًا من الدرجة الأولى، إما إذا كان المخالف من غير هؤلاء فتكون ‏العقوبة مدة لا تزيد على عشر سنوات أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات"، مبينًا أن "هذه المادة هي ‏الوحيدة التي شرعت لمعاقبة مرتكبي جريمة "النهوة العشائرية" وتتضمن شقين الأول يتعلق ‏بالأقارب من الدرجة الأولى والشق الثاني يتعلق بالأغيار".‏

اقرأ/ي أيضًا: "النهوة" تطال أرملة وشيخ عشيرة في بغداد وتنتهي بالحبس الشديد!

وعن طرق تحريك الشكوى ومن له الحق في تحريكها إذا كانت المنهي عليها لم تبلغ السن ‏القانونية أكد سبهان أن "تحريك الشكوى يكون من قبل المتضرر من هذه الجريمة أو من يقوم ‏مقامه قانونًا أو أي شخص علم بوقوعها او بإخبار يقدم من الادعاء العام هذا في جرائم الحق ‏العام، مبينًا "أما جرائم الحق الشخصي والمنصوص عليها في المادة ثالثًا الأصولية، فلا تحرك ‏الشكوى فيها لا بناء على شكوى من المجني عليه أو من يقوم مقامه قانونًا"، مؤكدًا أن "جريمة "النهوة ‏العشائرية" ليست من دعاوى الحق الشخصي وبالتالي لا يتوقف تحريكها على شكوى من ‏المجني عليه فيمكن تحريكها من قبل الأشخاص الذين ورد ذكرهم في المادة الأولى الأصولية ‏والمشار إليهم أعلاه".‏

وحول بعض الحالات التي تكون فيها المنهي عليها في وضع لا يمكنها من تحريك شكوى خوفًا من ذويها أو ‏قبيلتها أو أنها لم تبلغ السن القانونية وتم النهي عليها وذويها مؤيدين لهذه الظاهرة، ولم يقوموا ‏بتحريك شكوى، اشار سبهان إلى أن "هذه الحالة تعالج، فبعد تأكد المحكمة من إلزام البنت من قبل ‏ذويها وعدم استطاعتها تحريك شكوى، هنا يأتي دور القضاء ومحكمة الموضوع لإشعار ‏الادعاء العام لغرض تحريك الشكوى واتخاذ الإجراءات القانونية بحق مرتكبي تلك الجريمة ‏وفق القانون".‏

واعتبر سبهان أحد أهم الحلول للتصدي لهذه الظاهرة هو "إصدار قانون يعالجها من جميع ‏الجوانب الاجتماعية والثقافية ويضع الحلول الموضوعية التي تساهم في الحد من هذه الجريمة ‏والقضاء عليها وتخليص المجتمع العراقي منها سواء بتشديد العقوبات البدنية أو المالية بما ‏يتلاءم وواقع المجتمع العراقي وظروفه".

فيما لفت إلى ضرورة "نشر الوعي الثقافي والاخلاقي والديني بين ‏طبقات المجتمع المختلفة وتوضيح الآثار السلبية الاجتماعية والنفسية لهذه الجريمة على ‏المجتمع بصفة عامة والأفراد بصفة خاصة، إضافة إلى تشديد العقوبة على مرتكبي هذه ‏الجريمة هو أمر واقع تقتضيه الظروف الحالية التي يمر بها البلد بغية القضاء على هذه ‏الظاهرة المتأصلة جذورها في المجتمع دون سند أخلاقي أو اجتماعي أو ديني أو قانوني".‏

بعد أن تتأكد المحكمة من إلزام البنت من قبل ‏ذويها وعدم استطاعتها تحريك شكوى، يأتي دور المحكمة لإشعار ‏الادعاء العام لغرض تحريك الشكوى واتخاذ الإجراءات القانونية بحق مرتكبي جريمة "النهوة" هذه 

من جانبه بين القاضي احمد جاسب الساعدي، قاضي أول محكمة الأحوال الشخصية في الكرادة، أن "القوانين النافذة كافية لمعالجة الظاهرة ولتحقيق الردع في المجتمع"، مشيرًا إلى أن "العمل ‏على نشر الوعي الاجتماعي والثقافي وكشف مقدار سلبية هذه الظاهرة من خلال الإعلام ‏ومنظمات المجتمع المدني، فضلًا عن الجهات الاجتماعية والعشائر والمؤسسة الدينية أفضل ‏الحلول في هذه الفترة"، فيما اعتبر أن "المستوى الثقافي والبيئة الصالحة المتعلمة لها تأثير فاعل ‏في انحسار وانتشار هذه الظاهرة".‏

اقرأ/ي أيضًا: "نخاسة العشيرة" فوق الدين والقانون.. لماذا تنتحر النساء؟

وأكد الساعدي "في حال رفض المنهي عليها الزواج فلها أو لوالدها أو والدتها أو أحد أقاربها تقديم ‏الشكوى ويمكن لمن منع من زواج البنت تحريك الشكوى ‎وأيضًا يجوز للادعاء العام تحريك ‏الشكوى بهذا الشأن بعد تأكد المحكمة من إلزام البنت بالزواج بل يجوز لأي موظف حكومي ‏تناهى بعمله حصول هذه الجريمة إشعار قاضي التحقيق بالواقعة لاتخاذ الإجراءات ‏القانونية بحق المتهم".‏

وعلى الرغم من أصدار الكثير من الأحكام المشددّة ضد المخالفات العشائرية، ومنها ما يسمى "الدكة العشائرية"، لكنها لا زالت تهدّد الناس ولم تغب تمامًا عن الواقع، آخرها في 3 تموز/يوليو، حيث تعرّض منزل مدير عام الدفاع المدني اللواء، كاظم بوهان، إلى هجوم مسلح "دكة عشائرية"، ما أدى لمقتل نجله وإصابة ابن شقيقه بجروح خطيرة وحرق منزله في منطقة الفضيلية جنوبي شرقي بغداد.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قصّة نزاع "الفضيلية" من مصادر خاصّة.. مزاح أطفال تحوّل إلى دماء!

فزاعة العشيرة العراقية.. سيف المحاصصة المشهر