28-يناير-2020

من احتجاجات العراق (Getty)

تعد المصلحة الوطنية الهدف الأسمى الذي يروم أي نظام سياسي إلى تحقيقها كما يفترض؛ فوجودها من وجود النظام السياسي، ومن ثم وجود الدولة، وتزول بزوالها، أي الدولة، كونها تجمع بين الولاء الوطني، والانتماء الديني للتكوينات الاجتماعية في بوتقة واحدة، لتظهر لنا شخصية الدولة الجامعة لتكويناتها الاجتماعية كافة، فشخصية النظام السياسي، والدولة التي يمثلها تنطلق من شخصية المجتمع، والتي على ضوئها يحدد المجتمع السياسي المصلحة الوطنية للدولة، بما يراعي شخصيتها الاجتماعية، أو أن يحدد المجتمع مصلحتهِ الوطنية العليا.

من يرسم ويحدد المصلحة الوطنية للدولة في العراق، الفاعل السياسي، وليس الفاعل الاجتماعي

وإذا نظرنا إلى الشخصية العراقية فإنها تحمل في بعض الأحيان طابع الازدواجية في نظرتها للمصلحة الوطنية جراء الظروف السياسية المتعاقبة منذ أكثر من 40 عامًا، ألا وهي ازدواجية الولاء الديني، والانتماء الوطني، الأمر الذي جعلها رهينة هذه الازدواجية.

اقرأ/ي أيضًا: من سيصنع تاريخ العراق؟

ونرى ملامح ذلك بشكل عملي بعد سقوط النظام الساسي في عام 2003؛ إذ برزت إلى السطح السياسي تصاعد الهويات الفرعية بمختلف مسمياتها المذهبية، والقومية، وأخذت هذه الهويات تختلف سياسيًا، ونوعًا ما، استخدمت الشعبوية في ترسيخ هذا الخلاف اجتماعيًا، لترسم المصلحة الوطنية للدولة من منطلقاتها الأيديولوجية، سواءً أكانت مذهبيةً، أو قومية.  وربما كان ذلك بالاستناد على  الدستورية، إذ أشارت المادة (2) من الدستور الفقرة (ثانيًا) إلى أن "يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي"، وكذلك المادة (3) فيما يتعلق بـ"تعدد القوميات والأديان والمذاهب"، وواضح من هذه النصوص أنها كرستها  دستوريًا ومؤسساتيًا، دون أن يراعي من رسمها الواقع الجغرافي، والبيئة الاجتماعية، والموارد الاقتصادية، ونحن نتحدث هنا عن الراسم في إطار شخصيته السياسية، وليست الاجتماعية، على اعتبار أن العراق ودول عالم الجنوب من يرسم ويحدد المصلحة الوطنية للدولة، الفاعل السياسي، وليس الفاعل الاجتماعي، وتستند المصلحة الوطنية للدولة على أساسها الدستوري الذي غالبًا ما يتم نفاذه بالتوافق وليس بالاستفتاء كما حصل مع الدستور العراقي.

وفيما يتعلق بتصورات  الفواعل السياسية  المكونة  للمشهد السياسي العراقي بعد عام  2003، اتجاه المصلحة الوطنية، فنحن أمام ثلاث تصورات  تتعدد وجهات النظر داخل كل تصور من هذه التصورات، وهي على النحو الآتي:

  • أولًا: تصورات الفاعل  السياسي الشيعي

في الواقع تتعدد وجهات نظر الفاعل السياسي الشيعي اتجاه المصلحة الوطنية، فهناك توجه يرى أن المصلحة الوطنية  تكمن في عراق بعيدًا عن سياسية المحاور الإقليمية، والدولية، وهو يطرح فكرة تجاوز الحدود العابرة للطائفية داخليًا، وفعلًا، نزل في قوائم انتخابية في أغلب المحافظات العراقية في انتخابات 2018، وذات الوقت يريد للعراق أن يكون ساحة تتفق فيه الإرادات المتصارعة عبر سياسة الحياد، وهناك طرف آخر موقفه متابين ما بين فكرة تجاوز الحدود المذهبية، أو البقاء في الإطار المذهبي، إلا أنه يرى أن المصلحة الوطنية للدولة تكمن مع اتباع سياسة المحاور الاقليمية من منطلقات أيديولوجية، وأحيانًا غير أيديولوجية.

  • ثانيًا: تصورات الفاعل السياسي السني

كذلك الحال بالنسبة للفاعل السني لا يختلف عن تصورات الفاعل الأول في تتعدد وجهات نظره، فيما يتعلق بالمصلحة الوطنية؛ فهي تعدد بتعدد مصالح الأطراف السنية، فهناك طرف يعتقد أن العراق لا بد يكون مستقلًا في قراره الداخلي، والخارجي، ولا يميل إلى سياسية المحاور، والعمل على اتباع سياسة التوازنات، ووجهة نظر أخرى ترى أن مصلحة العراق تكمن بتحالفاته المذهبية مع الجوار الإقليمي سواءً أكانت تركيا، أو دول الخليج العربي.

  • ثالثاً : تصورات الفاعل السياسي الكردي

 في وقع الأمر أن الفاعل الكردي يركز بدرجة أساسية على المصلحة الكردية، وينطلق دائمًا من فكرة أن إعطاء حقوق الكرد بما فيها انفصال إقليم كردستان جزءًا لا يتجزأ عن المصلحة الوطنية العراقية، ويتبنى هذه الفكرة طرف سياسي قوي فاعل في المركز، والإقليم، وفشل مؤخرًا في تحقيق حلم الانفصال، وغالبًا ما يدعو أن يكون العراق بعيدًا عن سياسة المحاور الإقليمية، والدولية، وطرفًا آخر يعتقد أن مصلحة الكرد مع المصلحة الوطنية في عراق موحد.

يجب أن تبدأ عملية رسم وتحقيق مصلحة الدولة عبر مؤسسات الدولة، أو تأسيس مجلس مختص بمصلحة الدولة يتألف من الطبقة الأكاديمية، وليست السياسية

وواضح من التصورات أعلاه، أن الشخصية العراقية في إطارها السياسي لم تتفق على طبيعة المصلحة الوطنية للدولة، وبعضها يعتقد أنها لا بد أن تتحقق من خلال المتبنيات الأيديولوجية، حتى أصبحت تحقق مصالح دول خارجية، من حيث لا تعلم على حساب مصلحة الدولة. ولتلافي ذلك ومن أجل البحث عن آلية من شأنها، أن تتفق عليها الأطراف السياسية بتشكيلاته الاجتماعية على المصلحة الوطنية لا بد أن ترسم بعيدًا عن الولاءات، ومن ثم يجب أن تبدأ عملية رسم وتحقيق مصلحة الدولة عبر مؤسسات الدولة، أو تأسيس مجلس مختص بمصلحة الدولة يتألف من الطبقة الأكاديمية، وليست السياسية؛ مهمته الأساسية رفد بمؤسسات الدولة بآلية تحقيق المصلحة الوطنية العليا للدولة، بعيدًا عن ازدواجية الولاء، والانتماء بحكم طبيعة المجتمع المتنوعة، وتواصلاتها الجغرافية.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماراثون الولاءات في العراق

نحن من ينتصر للسيادة