01-فبراير-2020

استخدمت القوات الأمنية ضد المتظاهرين ما يسمى محليًا في العراق "طشارية الصجم" (Getty)

منذ اندلاع الاحتجاجات في العراق مطلع تشرين الأول/أكتوبر، استخدمت القوات الأمنية أسلحة مختلفة لفض الاحتجاجات، منها القنّاص والرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، لكن سلاحًا جديدًا لم يكن مألوفًا في السابق استخدم في أماكن عدّة، وهو ما يسمى محليًا "طشارية صجم"، أو (shotgun) وأفرز ما اسمته منظمات دولية الاستخدام المميت للقوة ضد المتظاهرين آلاف الضحايا في محافظات عراقية بين قتلى وجرحى. 

استخدمت القوات الأمنية ضد المتظاهرين ما يسمى محليًا في العراق "طشارية الصجم" من مسافات قريبة

لقد شاركت في التظاهرات، التي انطلقت مطلع تشرين الأول/أكتوبر في محافظة الديوانية، أنا الآن أتمنى أن أعود مع أصدقائي في التظاهرات، لكن إصابتي الخطيرة تمنعي من ذلك، فقد كنا نخرج عصرًا ونعود، بعد أن يشتد قمع القوات الأمنية التي كانت تطاردنا في الأزقة والشوارع بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، هكذا يقول علي كاظم، وهو متظاهر من محافظة الديوانية، ويبيّن "لم أكن أعرف نوع إصابتي إلا بعد أن عدت إلى وعيي في المستشفى التعليمي، فإصابتي كانت بواسطة سلاح نسميه محليًا "طشارية صجم" (shotgun) أطلق باتجاه وجهي من مسافة قريبة من أحد قوات الأمن".

لحظة إصابة المتظاهر علي كاظم (ألترا عراق)

يروي علي قصته لـ"ألترا عراق"، قائلًا "رأيت صورتي التي التقطها بعض رفاقي المتظاهرين، لقد كنت غارقًا في بركة دم"، توقف علي لبرهة وهو يضع يده على جبهته ويكمل حديثه "لقد كنت أشبه بالطريدة التي أصابتها رصاصات الصياد، لقد نقلوني إلى المستشفى بواسطة مركبة الـ"ستوتة"، ولم أكُن أحمل معي غير العلم العراقي وكمّامة تحولت إلى سوداء من الدخان الذي ينتشر في ساحات التظاهر التي كانت تنزل فيها القنابل المسيلة مثل المطر".

اقرأ/ي أيضًا: قتل "السلميين" في الظلام.. عتاد "المذّنب" من "داعش" إلى ساحات الاحتجاج

يضمد علي من خلال متابعته أخبار الاحتجاجات نزيف وحدته، وبعده عن الأصدقاء المرابطين في ساحات التظاهر، كما يعبّر عن ذلك. 

علي كاظم وهو داخل المستشفى التعليمي في الديوانية (ألترا عراق)

أجرى علي كاظم إلى الآن ثمان عمليات لإخراج الشظايا المعدنية، التي توزعت في رأسه واخترقت بعضها عظم الجمجمة، وجه علي شبه مشوّه وأصبح مثل سراج شح زيته، وقد تكسرت أسنان فكه العلوي، وما تزال بعض الشظايا قابعة داخل رأسه، بحسب التقرير الطبي والأشعة التي تبيّن انتشار الشظايا في محيط جمجمته.

تبيّن الأشعة الطبية إصابة علي كاظم بكرة انشطارية في رأسه (ألترا عراق) 

ما تزال الحالة الصحية لعلي كاظم متدهورة، فهو بين الحين والآخر يفقد وعيه بحسب ما يقول والده الذي أكد في حديثه لـ"ألترا عراق" أن "هناك ثلاث شظايا ما تزال في رأس علي، وأخبرنا الطبيب بخطورة عملية إخراجهن فهن في مكان حساس جدًا بين العظم والجلد، مضيفًا "أجرينا له إلى الآن ثمان عمليات وعلى الرغم من مرور ثلاثة أشهر إلا أن حالته الصحية ما زالت متدهورة". 

 يقول والد علي بصوت متهدج وهو يحاول أن يحبس دموعه "لقد ضيّعوا مستقبل ابني بلا ذنب ولا جرم، متسائلًا "هل يستحق الشاب الذي يطالب بالكرامة ومحاسبة الفاسدين وطرد اللصوص هذا؟ لقد خرج للتظاهرات، مطالبًا بالكرامة وتوفر فرص العمل فعاد إلينا مقعدًا، شوّهوا وجهه وكسروا أسنانه".

يظهر التقرير الذي حصل "ألترا عراق"، عليه من ذوي علي، إصابته بشظايا معدنية يقدرعددها بحوالي 30 في الرأس والرقبة، واحدة منها نافذة تحت عظم الجمجمة، تم رفع 6 من الشظايا تحت وضع التخدير الموضعي، وما زال في طور العلاج. ويشير التقرير كذلك إلى "تكسر أسنانه في الفك الأعلى".

التقرير الطبي الذي يؤكد إصابة علي كاظم بواسطة بندقية الصيد "شوزن" (ألترا عراق)

لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة؟ 

يقول خال علي الذي يدعى (أبو طيبة) "لقد قمنا برفع دعوى قضائية على القوة التي هاجمت عليًا ورفاقه، وعلى الرغم من حضور الشهود، والفيديوهات المصورة التي تظهر قيام قوات الشغب باستخدام العنف المفرط الذي وصل إلى ممارسة الإعدامات الميدانية، فإن القضاء لم يتخذ بحقهم أي شيء إلى الآن، ويضيف أبو طيبة "لا أتوقع أن تتم محاسبة أحد، فكل هذا يجري أمام الحكومة وتحت إشرافها، حتى القنّاص الذي هشم رؤوس الشباب في ساحة التحرير وبقية الساحات الأخرى".

وزارتا الداخلية والدفاع لا تستخدمان سلاح الصيد، ويعد سلاحًا شخصيًا يستخدم لصيد الحيوانات، خصوصًا الخنازير والحيوانات المتوحشة 

أضاف أبو طيبة لـ"ألترا عراق"، "لقد استخدموا الرصاص الحي وأطلقوا القنابل المسيلة القاتلة، لقد وصل الأمر إلى قتل المسعفات واعتقالهن، الأمر الذي لم تقدم عليه أي سلطة ديكتاتورية تحكم شعبها بواسطة الحديد والنار، ويختم أبو طيبة حديثه بالمثل القائل "لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة".

محرم دوليًا ويستخدم لصيد الحيوانات!

ويعد سلاح الشوزن (Shotgun) سلاحًا ناريًا مصمم غالبًا للإطلاق منه بإسناده على الكتف، ويستفيد من طاقة قذيفة ثابتة ترمي كريات صغيرة أو من رصاصة صلبة وله أحجام وأشكال مختلفة.

عنصر من عناصر الشغب وهو يحمل سلاح الشوزن (علي دبدب)

وهو يعد من الأسلحة المحرمة دوليًا بحسب قانون الأمم المتحدة لسنة 1980، لأنه يطلق رصاصًا انشطاريًا يصعب تعقبه ومعالجته، ويستخدم هذا السلاح بحسب مواقع رسمية "لأغراض الصيد ومسابقات الرماية".

اقرأ/ي أيضًا: إحاطة أممية مخضبة بدماء 20 ألف متظاهر.. العالم ينصت إلى صوت شبان العراق

وزارتا الدفاع والداخلية لم تستوردا نوع كهذا من الأسلحة بحسب ضابط برتبة رائد اشترط عدم الإفصاح عن هويته لأسباب تتعلّق بوظيفته، مؤكدًا في حديثه لـ"ألترا عراق" أن "هذا السلاح غير داخل في الخدمة رسميًا، ولم يتم تزويد أي منتسب به، حيث أنه يعد سلاحًا شخصيًا يستخدم لصيد الحيوانات، خصوصًا الخنازير والحيوانات المتوحشة، وهو يعد من الأسلحة المحرمة دوليًا".

مصطفى أحمد، وهو أحد المتظاهرين الذين أصيبوا بسلاح الصيد، يبدأ حديثه لـ"ألترا عراق"، بالقول "أن تخرج في تظاهرة تطالب بحقوقك ومحاسبة الفاسدين فإنك تقوم بمغامرة غير محسوبة العواقب"، ويؤكد "لقد استخدموا سلاح الصيد بكثرة، وما زالوا يستخدمونه إلى الآن بواسطة ملثمين، ربما ينتمون إلى قوات مكافحة الشغب". 

قال أحمد: "أصبت بهذا السلاح في محافظة الديوانية وقت الغروب، وكانت إصابتي في منطقة الصدر والبطن والفخذ، وأجريت عملية رفع بعض الشظايا عند أحد أصدقائي وقد كان معاونًا طبيًا، ففي ذلك الوقت كانت قوات الشغب تلاحق المتظاهرين في المستشفيات لاعتقالهم. ويضيف أحمد ساخرًا "لقد عاملونا طوال 16 عامًا مثل الحيوانات فلا غرابة أن يستخدموا سلاحًا مخصصًا لصيد الحيوانات لقمعنا بواسطته".

صورة توثق إصابة مصطفى أحمد بواسط سلاح الصيد  (ألترا عراق) 

ولا يزال سلاح الشوزن (shotgun) يستخدم في كافة المحافظات التي تشهد الاحتجاجات والاعتصامات بحسب شهادة نشطاء ومنظمات، بالإضافة إلى الصور والفديوهات التي توثق عمليات القمع التي يقوم بها ملثمون من قوات الشغب، والشرطة الاتحادية، والتي تثبت استخدامهم لهذا السلاح المحرم دوليًا على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاق الاحتجاجات.

 

أمام استخدام القنّاص لا يعتبر سلاح الصيد شيئًا

يقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان، علي البياتي، إن "أعداد الضحايا تشير إلى وجود قمع ضد المحتجين وتعامل القوات الأمنية مع المواطن يجب أن يخضع لمعايير دولية، مؤكدًا في حديثه لـ"ألترا عراق" أن "العنف والقمع موجود وما يزال مستمرًا، والأدلة واضحة على استخدام السلاح الحي، والمفوضية والأمم المتحدة و16 دولة، والمرجعية أيضًا نددوا بهذا الشيء، لكن المشكلة في عدم وجود مسائلة وطنية قانونية".

تابع البياتي "من المفترض أن يتحرك الأهالي الذين قتل أبناءهم أو جرحوا نحو القضاء، ويتم رفع دعاوى قضائية ضد المسؤولين حتى تتم محاكمتهم، فلا يوجد أي جهة تمتلك سلطة عليهم غير الشعب والبرلمان، فعندما تتم محاكمة شخصية سياسية أو عسكرية واحدة في موضوع التظاهرات فلن يجرؤ أي أحد على الإقدام على انتهاكات كهذه".

وحول استخدام سلاح الصيد، قال البياتي إنه "أمام استخدام القناص الذي هشم رؤوس الشباب لا يعد شيئًا".

حقوق الإنسان: أهالي الضحايا في الاحتجاجات من المفترض أن يتحركوا نحو القضاء ويتم رفع دعاوى ضد مسؤولين لتتم محاكمتهم

ووصل أعداد الضحايا من المدنيين المتظاهرين إلى 669 قتيلًا و24.488 جريحًا بحسب المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، فيما أجرى المركز الإحصائية من يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر ولغاية 31 كانون الأول/ديسمبر.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تزوير شهادات وفاة ضحايا الاحتجاجات.. السلطة تستعين بـ"الملائكة"!

الاعتصام وسط الدخّان.. كيف اشتد "عوده الطري" في مواجهة السلطة؟