28-نوفمبر-2019

يكتب على شهادة وفاة ضحايا الاحتجاجات بأن أسباب موتهم بـ"الجلطة الدماغية" (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

وسط الصراخ والبكاء يستقبل "م.ر" يوميًا عشرات الموتى في أحد المغتسلات لتوارى جثثهم لمثواها الأخير بمقبرة وادي السلام في محافظة النجف قادمة من بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، بانسيابية وسياقات متعارف عليها يجري عمله اليومي، حيث يتم استقبال الجنائز وفحص شهادة الوفاة الصادرة من الجهات الصحية والأمنية، فيما يلفت إلى أن "العشرات من الجثث وصلت كموت طبيعي بدلالة الوثائق الرسمية، لكن المشاهدة العينية تدل على وجود عامل خارجي، رصاص، أو تهشم في الرأس، ضربات واضحة".

العشرات من ضحايا الاحتجاجات يُكتب على شهادة وفاتهم بأن أسباب موتهم كانت طبيعية ولا يُذكر السبب الحقيقي

"م. ر" وهو إداري في واحد من أكثر مغتسلات الموتى شهرة، لتقديمه الخدمة مجانًا، قال في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "جميع هذه الحالات هي لضحايا الاحتجاجات، وخلال الأيام الأولى استغربنا وأخرنا أكثر من جنازة لساعات بعد التأكد والتواصل مع الجهات المعنية، لكنهم أكدوا صدور توجيهًا بذلك"، لافتًا إلى أن "إدارة المغتسل ليس من مسؤوليتها أو ضمن صلاحياتها التحقق من أسباب الوفاة أو تفاصيل جنائية ومهمتها تتعلق بتدوين المعلومات الشخصية للمتوفي وتسهيل دفنه".

اقرأ/ي أيضًا: معاناة كوادر الصحة في الاحتجاج.. كيف ظفر "سائرون" بوزارة وسط حمّام الدم؟

تابع "م.ر" أن "معظم الموتى من طبقة الفقراء والبسطاء الذين لا تدرك عوائلهم الأبعاد القانونية وإمكانية المطالبة بحقوق أبناءهم، لذا تجدهم غير مهتمين لما تكتبه الجهات الصحية كسبب وفاة، فيما يحاولون التعامل مع هول المصيبة التي أصابتهم".

شهادة الوفاة بمباركة الملائكة

كسائر المعاملات الإدارية والروتين في التعامل تمر شهادة الوفاة بسلسلة إجراءات، حيث تفرض القوانين النافذة رقابة شديدة على إخراجها، خاصة في القضايا الجنائية وموت الشباب المفاجئ، ويتحمل الطبيب المسؤولية الأكبر في توقيعها كونه هو من يجري المشاهدة العينية وهي الخطوة الأخيرة، بحسب مصدر طبي.

تستمر وزارة الصحة بمنع الصحافة والمنظمات الإنسانية من الإحصائيات الدقيقة عن ضحايا الاحتجاجات فيما تحاول تقليص العدد إلى أدنى المستويات، حيث أكد وزير الصحة جعفر علاوي، أن عدد القتلى بين المتظاهرين والقوات الأمنية بلغ 111 شخصًا منذ بداية الشهر الماضي، فيما تشير إحصائيات منظمات حقوق الإنسان في العراق منذ بدء الاحتجاجات مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى سقوط أكثر من 500 قتيل و16 ألف جريح.

المسؤولون يمارسون الخداع والتضليل للأهالي في إصدار شهادة الوفاة عند كتابة سبب الوفاة، بحسب "ع.م"، والتي تقول إن "عشرات الأهالي يجهلون قيمة وأثر تثبيت سبب الوفاة الحقيقية على شهادة الوفاة، بالإضافة إلى كونهم يحاولون إتمام الإجراءات بأسرع وقت لتشيع الجنازة ومن ثم التوجه إلى المقبرة".

أضافت "ع.م"، وهي طبيبة صيدلانية ومسعفة منذ الجولة الأولى في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، أن "عشرات الضحايا ماتوا نتيجة الإصابة المباشرة بالرأس أو الصدر بالرصاص الحي، أو قنابل الغاز المسيل للدموع، بالإضافة إلى الرصاص المطّاطي، فيما كتبت في شهادات الوفاة توقف القلب المفاجئ، أو الجلطة الدماغية".

المسؤولون يمارسون الخداع والتضليل على أهالي المحتجين في إصدار شهادة الوفاة عند كتابة سبب الوفاة فيما يجهل الكثير من الأهالي أهمية ذكر السبب الحقيقي

وعن موقف الأهالي من تحريف سبب الوفاة الحقيقي لأبنائهم تقول "ع.م"، إن "بعضهم يحاول الاعتراض والسؤال عن إخفاء السبب الحقيقي، خاصة للحالات الواضحة والتي لا تحتاج إلى سؤال، فيما يقول المسؤولون لهم إن "كتابة نوع الإصابة ومكانها يحتاج إلى تشريح الجسم بالكامل، وهذا يجعلهم يتنازلون عن النقاش أو متابعة الأمر، لوجود مرويات شعبية تتحدث عن عدم محاسبة الملائكة للإنسان الذي يُشرّح جسمه".

اقرأ/ي أيضًا: من خدمة الزائر إلى "الثائر".. التضامن الوطني في الاحتجاجات

تصدر شهادة الوفاة أولًا من المستشفى الذي تحدث فيه الوفاة، وفيها يدوّن الطبيب سبب الوفاة وهنا يتم التلاعب، ولكن بنسبة قليلة، ومن ثم تحول الجثة إلى ثلاجة الموتى التي يتم إكمال بعض الإجراءات الروتينية منها، والتحويل إلى الطب العدلي، بحسب "ع.م"، والتي تقول إن "الطب العدلي هو صاحب الصلاحية المطلقة في تغيير ما يكتبه من سبب الوفاة، أو التحويل على التشريح أو تأخير الجثة، وهذا أكثر ما يقلق عوائل الضحايا ويجعلهم لا يهتمون لشيء سواه".

لا تعلم "ع.م" الجهة التي تتابع موضوع تحريف أسباب الوفاة بهذا الشكل، وهل هناك توجيه شفوي أو بكتاب رسمي، لكنها تؤكد أن إجراءً خطيرًا كهذا، وله تبِعات قانونية في حال كان تصرفًا شخصيًا أو مزاجيًا، وهناك الكثير من الحالات التي ضبط فيها تلاعب وتعرض الموظفون المسؤولون عنها إلى عقوبات قاسية، فيما تروري عن إحدى الحالات التي عاشيتها بالقول إنه "نقلت بسيارة إسعاف صديقي الذي أصيب بقنبلة غاز مسيل للدموع في رأسه، وبعد وصوله إلى مستشفى الجملة العصبية لم نستطع إنقاذه، مبينة "توفى بعد أن اخترقت القنبلة رأسه، وكانت هناك محاولات للتلاعب بشهادة الوفاة، لكن معرفتي بالتفاصيل ووقوفي بوجههم جعلهم يكتبون السبب الحقيقي".

إزاء ذلك، يؤكد القانوني هاني الموسوي على أن "سبب الوفاة هو حجر الزاوية في المطالبة بالحق الشخصي أمام القضاء، فضلًا عن كونها تمثل أدلة دامغة على القمع والقتل الذي يتعرض له المحتجون، خاصة حالات الإصابة بالرأس والصدر، لذلك تعتمد السلطات هذا الإجراء لمواجهة التطوّرات فيما بعد في حالة حدثت متابعة من الأهالي أو شكل فريق دفاع تطوعي".

أضاف الموسوي أن "الطعن بعد الدفن بشهادة الوفاة يخضع لسلسلة إجراءات معقدة، فتقديم طعن إلى القضاء يستوجب حفر القبر وإجراء معاينة للجثة من قبل لجنة طبية، وهذا أمر شبه مستحيل وفقًا لطبيعة المجتمع العراقي"، لافتًا إلى أن "إخفاء سبب الوفاة الحقيقي وإحالته لعامل طبيعي يحرّم ذوي المتوفي من الحقوق في حال أصدرت توجيهات بتعويض ضحايا الاحتجاجات".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل شاركت ألوية الحشد الشعبي مع "الشغب" بقمع المتظاهرين؟

الاحتجاجات تزعزع أركان السلطة.. "تراشق وتلاسن" بين عبد المهدي وصالح!