02-ديسمبر-2019

استخدمت القوات الأمنية مؤخرًا ضد المتظاهرين ذخيرة محرمة دوليًا وتسمى محليًا "المذنب" (Getty)

سنار حسن ـ مصطفى المسعودي 

دون تراجع، تستمر الاحتجاجات العراقية التي انطلقت منذ ما يقارب الشهرين، مع ازدياد زخمها بمشاركة طلبة المدارس والجامعات وانضمام الكسبة والموظفين إلى خط الاعتصامات والإضرابات، متدفقين إلى ساحات التظاهر في العاصمة بغداد، ومحافظات الوسط والجنوب.

استخدمت القوات الأمنية مؤخرًا ضد المتظاهرين ذخيرة محرمة دوليًا كانت تستخدم في الحروب وتسمى محليًا "المذنب" 

وبعد استقالة عبد المهدي، تطال الحكومة العراقية اتهامات تتجدّد أسبوعًا بعد آخر على خلفية استخدام القمع المفرط ضد المتظاهرين، الذين سقط منهم حتى اليوم مئات القتلى وآلاف الجرحى، بحسب منظّمات حقوقية وجهات رسمية. أرقام تتنصل منها الجهات الحكومية بإلقاء اللوم على "طرف ثالث" تحقّق لمعرفة هويته.

يحدّد الأماكن ويستخدم ليلًا.. عتاد محرم ضد المحتجين

يومًا بعد آخر تزداد تقارير المنظمات الحقوقية والشهادات الحية، عن طرائق القمع خلال الاحتجاجات المستمرة، وعلى الرغم من تخطي عدد القتلى حاجز الـ 300 متظاهر، وأكثر من 15 ألف جريح مصاب بالرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، منذ انطلاق الاحتجاجات يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر، تواجه وزارة الصحة والجهات الأمنية اتهامات بتعمد إخفاء العدد الحقيقي للقتلى وأنواع الأسلحة والأعتدة المستخدمة.

اقرأ/ي أيضًا: أمنيستي تروي تفاصيل "ليلة المجزرة" التي أطاحت بعبدالمهدي: القناصة مرة أخرى

مؤخرًا تستخدم القوات الأمنية عتادًا محرمًا استخدامه دوليًا، كان يستخدم في الحروب سابقًا، صمم في نهاية الحرب العالمية الثانية للبنادق ذاتية التحميل، من قبل شركة "هورنادي" الأمريكية لتصنيع الذخيرة منذ عام 1949، ويسمى محليًا "المذنب".

رصد "ألترا عراق" استخدام العتاد الأحمر ضد المحتجين

رصاصة واحدة من عتاد "المذنب" المميز بالخط الأحمر دلالة عليه، يمكنها اختراق قطعة حديد بسمك 6 ملم، وله قدرة على التسبب بحرائق هائلة لقدرته على الاشتعال، ويسبّب للضحية التي إن نجت منه وخرجت بإصابة، حروقًا والتهابات جلدية بالغة.

يؤكد أحد الأطباء بوزارة الصحة، في حديث لـ"ألترا عراق" وصول عشرات الضحايا بأجساد مشوهة نتيجة حروق تعرضوا لها بفعل إصابتهم بالرصاص الحي، غير المألوف منذ انطلاق الاحتجاجات في العاصمة بغداد، حسب قوله.

أضاف الطبيب الميداني، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن "عشرات المصابين في الأسابيع الأخيرة، أجريت لهم عمليات استخراج رصاص من الأفخاذ ومناطق متفرقة في الجانب السفلي من الجسد"، مشيرًا إلى أن "الرصاصات وبعد استخراجها من أجساد الضحايا، تترك آثار تشوهات بالغة، وقد سببت الشلل لبعض الحالات".

بعد "معركة الجسور".. شحنات العتاد تصل من معسكر الصقر

تتبع فريق "ألترا عراق" وقت استخدام عتاد المذنب في التظاهرات الجارية منذ تشرين الأول/أكتوبر، وبحسب متظاهرين ومسعفين متطوعين، استخدمت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع في بغداد والمحافظات ببداية الاحتجاجات، فيما أكدوا أن القوات بدأت باستخدام القنابل الصوتية مؤخرًا إلى جانب عتاد "المذنب" الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة عند إطلاقه.

طبيب ميداني: عشرات المصابين في الأسابيع الأخيرة، أجريت لهم عمليات استخراج رصاص من الأفخاذ ومناطق متفرقة في الجانب السفلي من الجسد

يقول المصدر في الشرطة الاتحادية (مقر قيادة العمليات)، إنه في "الأسبوع الماضي الذي شهد ازدياد تجمع المحتجين في عدد من منافذ المنطقة الخضراء، وخاصة بعد تفريقهم مؤخرًا من جسور السنك والأحرار والشهداء، أوعزت القيادات الأمنية بعقد اجتماع موسع بحضور رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في مقر قيادة الشرطة الاتحادية للوقوف على آخر التطورات".

اقرأ/ي أيضًا: تزوير شهادات وفاة ضحايا الاحتجاجات.. السلطة تستعين بـ"الملائكة"!

وكانت القوات الأمنية قد استخدمت في 11 تشرين الثاني/نوفبمر قنابل الغاز والرصاص الحي بغزارة لتفريق المحتجين من الجسور الحيوية وسط بغداد، بالتزامن مع اتساع نطاق موجة الاحتجاجات.

أضاف المصدر في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "قيادة العمليات المشتركة نصحت بإبقاء المتظاهرين بعيدين عن الجسور، إضافة إلى اقتراح قيادة أركان الجيش بتوزيع مبالغ مالية لأفراد القوات الذين يشهدون إنذارًا منذ أسابيع ولم يحظوا بإجازاتهم الدورية".

يتابع أن "اليوم الثاني بعد الاجتماع شهد وصول شحنات ذخيرة قادمة من معسكر الصقر، بينها صناديق من ذخيرة المذنب، وزعت على فرق معينة بينها لواء حماية الخضراء، لتتمكن العناصر من استخدامها ليلًا بدل الذخيرة العادية التي لا يمكن معرفة مسارها في الظلام".

وكانت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، هبة مريف، قد شددت في بيان لها على أن "السلطات العراقية يتعين عليها أن تأمر فورًا بوضع حد لاستخدام القوة المميتة ضد المحتجين بلا هوادة". كما دعت منظمة العفو الدولية الحكومة العراقية إلى إيقاف استخدام أنواع غير مسبوقة من القنابل الغازية ضد المتظاهرين، تخترق جماجمهم.

ووفقًا للمنظمة، فإن عبوات الغاز المسيل للدموع التي عادةً ما تستخدمها الشرطة بأنحاء العالم تزن بين 25 و50 غرامًا، لكن تلك التي استُخدمت ببغداد تزن من 220 إلى 250 غرامًا وتكون قوتها أكبر بـ10 مرات عندما يتم إطلاقها.

من معارك "داعش" إلى ساحات الاحتجاج!

عن النوع الجديد من الذخيرة التي تستخدم ليلًا ضد المحتجين، يبين علاء عبد الرضا أحد منتسبي جهاز مكافحة الإرهاب أنها كانت حاسمة في بعض المعارك التي خاضتها القوات الأمنية إبان معارك التحرير ضد تنظيم "داعش" في السنوات الأخيرة.

حصل فريق "ألترا عراق" على مشاهد مصورة تظهر استخدام ذخيرة المذنب ضد المتظاهرين وأماكن تواجدهم، في محافظة كربلاء، وسط البلاد

كانت القطعات الأمنية وقوات الحشد الشعبي، تستخدم "المذنب" في مواجهة عناصر "داعش" أوقات الظلام، ليعرف أفراد القوات مسار إطلاقاتهم لكي لا يسرفوا باستخدام العتاد العادي دون جدوى، يقول عبد الرضا.

اقرأ/ي أيضًا: قنابل عسكرية قاتلة ضد رؤوس المتظاهرين.. "أمنستي" تفضح السلطات العراقية

يضيف في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "المذنب حسم الكثير من المواجهات الليلية ضد عناصر داعش، خاصة في مناطق الحقول الزراعية التي كان يتخفى داخلها عناصر التنظيم"، مبينًا أن "العتاد الأحمر كان يساهم بإحراق الحقول المفخخة المليئة بالكمائن القاتلة والمضافات، لقدرته على توليد حرارة عالية".

وحصل فريق "ألترا عراق"، على مشاهد مصورة تظهر استخدام ذخيرة المذنب ضد المتظاهرين وأماكن تواجدهم، في محافظة كربلاء، وسط البلاد.

في محافظات الجنوب، تباع "الذخيرة الحمراء" على نطاق واسع في الأسواق السوداء وبين تجار السلاح والعتاد، وتصل أسعارها إلى ضعف أسعار العتاد الروسي والأمريكي غير الحارق، وبحسب شهود عيان ومتظاهرين فقد استخدمت القوات الأمنية رصاص "المذّنب" منذ الأيام الأولى للتظاهرات، لاستمرارها حتى ساعات متأخرة من الليل وتنقل المحتجين بين الأحياء السكنية.

يؤكد حسن محمد، أحد تجار السلاح، أن "العتاد الأحمر يباع بكثرة في مناطق الجنوب، رغم أسعار المرتفعة، وصعوبة الحصول عليه بسبب التشديد الأمني"، مضيفًا أن "الكثير من المنتسبين يفضلون استخدامه أثناء الدوريات، وفي الفترة الأخيرة ضد المحتجين لدقته ومدى الرعب الذي يثيره من أجل تفريقهم".

أضاف محمد لـ"ألترا عراق"، أن "طريقة وصول الذخيرة للأسواق السوداء تتم عبر الضباط الكبار الذين يتعاملون مع التجار لبيعه، خاصة بعد محدودية استخدامه خلال السنتين الماضيتين وامتلاء المستودعات به"، مشيرًا إلى أن "أفراد الفصائل المسلحة وبعد انحسار المعارك ضد داعش باعوا كميات كبيرة من العتاد الأحمر لأفراد العشائر والتجار في بغداد، والذي وفرته المؤسسات الأمنية لهم في وقت سابق، وما زالت تمدهم بكميات معينة".

الكثير من المنتسبين يفضلون استخدام "المذنب" أثناء الدوريات، وفي الفترة الأخيرة ضد المحتجين لدقته ومدى الرعب الذي يثيره من أجل تفريقهم

وخلال الجلسة الحقوقية الأممية الأخيرة، أقر وزير العدل العراقي، فاروق أمين عثمان، بحدوث "انتهاكات فردية" من أعضاء وكالات مسؤولة عن تطبيق القانون، قائلًا: "يجري التحقيق معهم".

اقرأ/ي أيضًا: منظمة العفو تكتشف "قنابل إيرانية" في رؤوس المتظاهرين العراقيين!

ووصفت هولندا استخدام القوة ضد المتظاهرين بـ"غير المشروعة والعشوائية المفرطة"، في حين عبرت ألمانيا عن قلقها العميق وحثت على اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع مقتل المزيد من الأشخاص.

بعد "القناص" الهارب.. وزير الدفاع يتحدث عن "طرف ثالث" يقتل المتظاهرين

كانت الأيام الأولى للاحتجاجات التي انطلقت في اليوم الأول من تشرين الأول/أكتوبر، قد خلّفت عشرات القتلى والجرحى، معظمهم كانوا ضحايا لقنّاصين انتشروا على أسطح المباني بمناطق متفرقة من العاصمة بغداد. فتحت الحكومة تحقيقًا للوصول إلى الجناة، ولم يكشفوا عنهم حتى بعد إعلان النتائج، التي جوبهت بغضب شعبي وديني متمثلًا بالمرجع الأعلى للطائفة الشيعية في البلاد، علي السيستاني في النجف.

تلى أيام القنّاص الذي لا يزال "مجهولًا" حتى اليوم، حديث عن طرف ثالث يستهدف المتظاهرين، غاص بتفاصيله وزير الدفاع، نجاح الشمري.

تحدث الشمري، في مؤتمر صحافي عقده في باريس، عن "طرف ثالث يقوم بقتل المتظاهرين" وذلك في معرض تعليقه على مقتل أكثر من 320 شخصًا وجرح الآلاف خلال التظاهرات التي تعم عدة مدن في البلاد.

وشرح الوزير أن "البندقية التي تستخدمها القوات الأمنية العراقية يمكنها إصابة شخص على مسافة تتراوح بين 75 إلى 100 متر، بينما بعض المتظاهرين قُتلوا برصاص أطلق من بعد 300 متر منهم"، مبينًا أن "بعد تشريح جثثهم من قبل الطب العدلي، وبعد استخراج المقذوفات من أجسامهم، وجدنا أن العتاد (الذي تم استخدامه لإطلاق النار على المتظاهرين) لم تستورده أي جهة عراقية".

مصدر: أفراد الفصائل المسلحة وبعد انحسار المعارك ضدّ "داعش" باعوا كميات كبيرة من العتاد الأحمر لأفراد العشائر والتجار في بغداد، وما زال لديهم منه الكثير 

ويشير دخول العتاد الجديد في محاولات إنهاء التظاهرات، إلى أن السلطات الحكومية لا تفكر بتقليل العشرات من أنواع الأسلحة والأعتدة، بينها المحرمة، والتي أثارت وما تزال انتقادات المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، في وقت يتعرض فيه المحتجون السلميون في بغداد والمحافظات إلى قمع واختطاف ورصاص مستمر، وتعيش البلاد في وضع يصر المتظاهرون على حسمه بالاستمرار، في الوقت الذي وصفته المرجعية الدينية في النجف بأنه "لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاعتصام وسط الدخّان.. كيف اشتد "عوده الطري" في مواجهة السلطة؟

هل شاركت ألوية الحشد الشعبي مع "الشغب" بقمع المتظاهرين؟