إنّ المشرع العراق عندما أورد المادة الخامسة في القانون المدني العراق، التي جاء فيها "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان"، كان على دراية بأهمية هذه القاعدة الفقهية المستمدة من الشريعة الإسلامية، لذا عمد الشارع على سنها كقاعدة قانونية، وبالحقيقة حتى وإن لم ترد بشكل قاعدة قانونية، تبقى هذه القاعدة الفقهية سارية من تلقاء نفسها، فطبيعة الحياة وتغير أنماطها يوجب تغير الأحكام بما ينسجم والواقع الحديث.
ما زال العراق قديمًا يعاني من النقص التشريعي وعدم مواكبة تطورات الوقائع القانونية
ومع التطور التكنولوجي الموجد للفضاء الالكتروني اليوم، وسع دائرة الواقعة القانونية، وأصبحت لا تقتصر على الحياة المادية فحسب، إنما دخلت في الحياة الافتراضية، ففي هذا الفضاء توجد الجريمة ويوجد التعاقد، والتعاقد لا يقتصر على الشكل الصوري للعقد، إنما الإيجاب والقبول، فكل إيجاب وقبول هو عقد، والحياة اليوم متجهة إلى التعاقدات عبر الإنترنت، أكثر من التعاقد على أرض الواقع.
وفي المسائل المدنية، الموضوع يسير بعض الشيء، كون القاضي له الفسحة اليسيرة للاستئناس والحكم بطريقة القياس، لكن في المسائل الجزائية والقوانين الإجرائية، فإنّ الأمر شديد التعقيد، إذ أن القوانين العقابية جاءت على سبيل الحصر، حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص (مبدأ الشرعية الجنائية)، أي أن الشارع وحده من يحدد الأفعال المجرمة والعقوبة المناسبة لها، وجاء في المادة الأولى من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، أنه "لا عقاب على فعل أو امتناع إلا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه، ولا يجوز توقيع عقوبات أو تدابير احترازية لم ينص عليها القانون"، فالقوانين تحتاج إلى تحديث مستمر، بما يتوائم مع متطلبات المجتمع.
ما زال العراق قديمًا يعاني من النقص التشريعي وعدم مواكبة تطورات الوقائع القانونية، ويحتاج إلى ثورة تشريعية في أغلب القوانين، وبالأخص التي شرعت قديمًا، وأن القاضي اليوم، يجد صعوبة في أصدار الأحكام الجنائية الخاصة بالجريمة الالكترونية، كونه مقيدًا بما أملاه عليه المشرع في قانون شرع عام 1969، وأما القوانين الإجرائية، فهي تعاني من البيرقراطية، شأنها شأن الإدارة، وساستعرض مثالًا واحدًا وهو الشهادة الالكتروني أو شهادة الشاهد عبر الإنترنت، حيث يتم إدلاء الشهادة عبر وسيلة اتصال مرئي ومسموع في المحكمة التي يتبعها الشاهد مكانيًا، أي ضمن اختصاصها المكاني، بدلًا من الذهاب إلى محكمة الموضوع، خصوصًا أن كان محل إقامة الشاهد بعيد عن محمكة الموضوع.
ما استعرضناه غير جائز في القانون العراقي، حتى وإن كان الشاهد يقيم في دولة أجنبية، لا يستطيع أداء الشهادة في السفارة العراقية بهذه الطريقة، وأعني الشهادة عن بعد، فالقانون العراقي حصر موضوع إدلاء الشهادة، أما بحضور الشاهد إلى محكمة الموضوع، وهذا هو الأصل أو ذهاب المحكمة إلى محل إقامته إن وجد سبب مشروع يوجب ذلك، والحالة هذه استثناء، وإن وفقني الله سأتكلم بشكلٍ وافٍ عن شهادة الشهود الالكتروني في مقالٍ آخر، لكن ما نرجوه أن تتضافر الجهود في إحداث ثورة تشريعية تتوائم والعصر الحديث.