06-مايو-2019

يحافظ الموصليون رغم الحرب والأزمات على طقوس وأجواء رمضان (Getty)

في سوق النبي يونس شرقي الموصل، وهو السوق التراثي الذي نجا من الحرب قبل عامين، تبدو الحركة أكثر نشاطًا مع حلول شهر رمضان المقدس لدى المسلمين، والذين يشكلون أغلبية سكان المدينة التي لا تزال تعاني أزمات كثيرة.

يحافظ الموصليون رغم الحرب والأزمات التي عاشوها على التقاليد القديمة والطقوس الخاصة بشهر رمضان

يحافظ الموصليين رغم الحرب التي عاشوها منذ سيطرة "داعش" على مدينتهم قبل خمسة سنوات، بالتقاليد القديمة والطقوس، التي تبدأ بتجهيز سراديب المنازل بالمؤون المكونة من الرز والطحينية والبقوليات، بالإضافة إلى التجهيز اليومي لوجبة الإفطار من لحم وخبز وخضراوات.

اقرأ/ي أيضًا: الطقس والعدس وشوارع الخضراء.. ماذا يميز رمضان هذا العام؟

 

تعيش أغلب البيوتات الموصلية، أجواء شهر رمضان فعليًا، وسط أجواء سياسية محتدمة بسبب الخلافات حول اختيار محافظ جديد لنينوى، بعد إقالة البرلمان للمحافظ السابق نوفل العاكوب.

رمضان والحرب!

لم تغب ذكريات الموصليين عن رمضان ما قبل الماضي، الذي مر وسط حرب أحرقت الأخضر واليابس في المدينة، حيث تقول السيدة منى أحمد (38 عامًا) إنها "قبل عامين كانت في الجزء القديم من الموصل، غربي المدينة، وسط نار الحرب الطاحنة". لكن النجاة كتبت لها ولأسرتها على عكس عشرات الآلاف، لتنتقل لاحقًا إلى الجانب الشرقي من الموصل، حيث الحياة "هنا أفضل"، حسب قولها.

تؤكد أحمد لـ "ألترا عراق"، إن "استقبال رمضان هذا العام مشابه لما تعودوا عليه من أجواء خلال السنوات الماضية مع بعض الاختلافات، حيث فقدت المدينة أسواقها التراثية العريقة التي كانت تضج بالمتسوقين مع حلول رمضان، جراء الحرب ولم يبقى سوى سوق النبي يونس في الجانب الشرقي".

تبين السيدة الموصلية، أنها "استعدت بتحضير مؤن رمضان، ومن ثم ستنتقل لمرحلة أخرى، هي عيش تلك الأجواء المميزة في الشهر الفضيل بالموصل، من خلال زيارة المساجد ليلًا لـصلاة التراويح، والخروج إلى الأسواق الأخرى الجديدة، مثل الزهور وحي المثنى والبكر والنور".

تنشط حركة الموصليين في الشوارع والمقاهي والمساجد بعد الإفطار للعبادة والتسوق وممارسة بعض الألعاب

عادةً ما يخرج الموصليون بعد إنهاء فطورهم بعد غروب الشمس، إلى الشوارع العامة حيث تقل حركة السكان في النهار، وزاد الأمر عندما تحررت المدينة صيف 2017، حيث فتحت المقاهي والمطاعم أبوابها أمام الناس، وأصبح بمقدورهم تدخين الآركيلة، وممارسة بعض الألعاب كـ "الكونكان والدومنة" من دون خوف، بعد سنوات من البطش وتقييد الحريات الذي فرضه تنظيم "داعش" المتطرف.

حكم "داعش" الموصل بالحديد والنار منذ سيطرته في 2014، وسبقه تنظيم القاعدة، الذي كان يستهدف التجمعات ومظاهر الحياة في الموصل، لكن أبناءها اليوم يشعرون بتحرر أكثر.

طوق حول الأسواق

تقول جمانة النعيمي وهي طالبة جامعية (19 عامًا)، إن "الوضع تغير واليوم نحن سعيدين أولًا بالحياة التي نعيشها، ولكن منزعجين من خلافات السياسيين حول من سيحصل على منصب المحافظ.

كانت جمانة تتجول برفقة أسرتها بشارع الزهور، وسط الموصل، حيث يضم أحد الأسواق الراقية في المدينة عندما تحدثت لـ "ألترا عراق"، لشراء ملابس جديدة، لكن الجميع تفاجئ عندما وضعت القوى الأمنية حواجز خراسانية حول الأسواق وحولتها إلى ثكنات.

تقول جمانة، إنها "متفاجئة مما يجري، فالموصل مستقرة نوعا ما، وما قامت به الشرطة هو كارثة كبيرة، ستجعلنا نفكر بالعودة إلى المنزل وعدم الخروج في رمضان إلى الاسواق والمطاعم ليلًا، أاننا قد نتوقع أن يكون هناك هجوم محتمل".

اقرأ/ي أيضًا: بعد ظهور البغدادي.. "داعش" يستغل الأزمة ويسيطر على قرى جنوب الموصل

بدوره يقول مصدر أمني لـ "الترا عراق"، إن "الوضع بشكله العام مستقر، لكن مخاوف من تكرار الهجمات التي كانت تقع في رمضان قبل سنوات، دفعت قيادة العمليات إلى إغلاق الكثير من المناطق في رمضان، خاصةً التجارية منها".

طوقت القوات الأمنية بعض الشوارع والأسواق بالكتل الكونكريتية لحمايتها من هجمات محتملة خلال شهر رمضان

والأسواق التي تم إغلاقها هي الزهور والمثنى والنور، فيما يرجح المصدر الذي طلب عدم كشف هويته، أن تصدر قيادة العمليات تعليمات في وقت لاحق، لإغلاق شوارع ومراكز تجارية أخرى بالحواجز الخراسانية للحفاظ على الوضع الأمني.

رمضان المخيمات!

من بين جانبي الموصل كان الغربي المعروف بالأيمن هو الأكثر تضررًا نتيجة الحرب ضد تنظيم "داعش"، التي دارت في الأزقة الضيقة والأحياء والبيوت العتيقة والموصل القديمة. لكن هناك مناطق أخرى نشأت بعد الحرب في محيط الموصل تسكنها آلاف العوائل، هي مخيمات النازحين.

لا يبدو رمضان في المخيمات كما هو في الموصل حيث تخلو الخيام المتهالكة من سراديب حفظ الأطعمة، ولا أثر للأسواق الفاخرة. يقول احد رجال العشائر السنجارية النازحة من غربي نينوى لمخيم الخازر شرقي المحافظة عبدالله الفهد لـ "ألترا عراق"، إن "الوضع في المخيمات ليس جيدًا، ولا توجد مظاهر خاصة بشهر رمضان كما كنا نفعل في السابق بمدننا، حيث الآن يقتصر نشاطنا الخارجي على الصلاة في مسجد المخيم والصوم عن الطعام والإفطار بما هو متوفر".

يعيش النازحون في مخيمات نينوى رمضانهم السادس بعيدًا عن مدنهم ومنازلهم هذا العام، ويبدو أن الكثير من الناس لا يستطيعون العودة قريبًا لأسباب أبرزها موضوع التعويضات.

تقول النائب عن محافظة نينوى لليال البياتي لـ "ألترا عراق"، إن "عودة النازحين ضرورية إلى منازلهم خصوصًا في شهر رمضان، ولكن أغلب الذين لا يزالون في المخيمات هم ممن دمرت منازلهم، ويجب تعويضهم ليتمكنوا من العودة، وهو مالم يتحقق حتى الآن"، مؤكدة أن "الحكومة لو أنفقت الأموال الخاصة بالمخيمات على تعويض النازحين وتأمين عودتهم إلى مناطقهم، لكانوا عادوا وتم بناء منازلهم وفتح مشاريع خاصة بهم، وعاد الاستقرار إلى المدن".

تعيش آلاف العوائل النازحة رمضانها السادس خارج منازلها ومدنها دون أمل بالعودة قريبًا حيث لا تزال منازلهم مدمرة

وأضافت، أن "أغلب مدن نينوى لا يزال يغيب سكانها عنها، كتلعفر والموصل وسنجار، وجميعها تعرضت للدمار"، لكنها تشير إلى أن أجواء رمضان مميزة في الموصل رغم ذلك، حيث "بقيت المدينة تحافظ على رونقها وتعود تدريجيًا لما كانت عليه، والفضل يعود بشكل كبير لسكانها الذين يحبون الحياة. لذلك فإن رمضان في الموصل ومدن نينوى مميز ويختلف عن باقي المحافظات والمدن العراقية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

قبور باهظة وموت مستمر.. مصائب الموصل عند قوم فوائد!

التهريب والأتاوات في الموصل.. هل هو الانهيار مجددًا؟