17-يونيو-2022
جرسو

عدسة "ألترا عراق" تابعت عمليات التنقيب (فيسبوك)

يجمع علماء الآثار على أنّ إتقان السومريين للري والقدرة على الوصول المنتظم والمستقر للمياه، نقلهم من مرحلة الكفاف إلى الإنجازات غير العادية التي اشتهروا بها كالكتابة والقانون والمجتمع الحضري المنظّم، حيث ساهمت الزراعة في نشوء المجتمعات البشرية الأولى وتطورها، لكنّ هذه القصة ستختلف حتمًا مع الزمن وخلال الكم الهائل من الاكتشافات الأثرية التي تعلنها البعثات التنقيبية العالمة في العديد من المواقع الأثرية، وآخرها مدينة جرسو (Girsu) التي تعد واحدة من أهم المواقع الأثرية السومرية التي يتم التنقيب فيها الآن.

جرسو
عدسة "ألترا عراق" في جرسو

تقع آثار جرسو  في محافظة ذي قار، على الجانب الأيسر من الطريق الرابط بين قضاء النصر وقضاء الدواية، ويعود بناء هذه المدينة إلى عصر العبيد (5300-4800 ق . م) وخلال عصر فجر السلالات أصبحت جرسو المدينة الدينية لدويلة لكش ومدينة الإله ننجرسو  ابن الاله إنليل كبير آلهة السومريين، ونالت المدينة الكثير من الشهرة  بعد الاكتشافات الأثرية في الموقع، كما أن الصراع  الطويل بين دويلة لكش ودويلة أوما المجاورة لا يزال ميدانًا للكثير من الباحثين في أسبابه وتفاصيله ونتائجه.

وخلال تاريخ التنقيبات الطويل في جرسو  الذي بدأ في  عام 1877، كشف عن الكثير من القطع الأثرية المدهشة والاكتشافات التاريخية المهمة، ففيها كانت حركة الإصلاحات الأولى في التاريخ بقيادة أوروكجينا حاكم لكش، والظهور الأول في التاريخ لمفردة (أما آر كي) التي تعني الحرية، والكثير مما دونته كتب الآثار ورفوف المتاحف.

وخلال الستينيات من القرن الماضي توقفت التنقيبات في جرسو حتى عام 2016، إذ حصلت بعثة المتحف البريطاني بقيادة عالم الآثار "سبستيان راي" وبتعاون مع خمس جامعات عراقية يقود فيها عالم الآثار العراقي جعفر الجوذري الجانب العراقي على حقوق  استئناف التنقيب في جرسو.

جرسو

وفي مواسم التنقيب الأولى اعتمدت البعثة البريطانية على التقنيات الحديثة في تحديد حدود مدينة جرسو، وعبر تقنية فحص نظير الكربون المشع 14 لبقايا العضوية المستخرجة من طبقات الموقع الأثري حددت البعثة البريطانية تاريخ مدينة جرسو , حيث يقول سبستيان راي وفق دراسة ترجمها "ألترا عراق"، إنّ "المفاجأة الكبرى هي أن أكبر قنوات الري تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في بلاد ما بين النهرين". هذا يعني أنهم أقدم بكثير من ولادة المدينة، بحوالي 1000 عام، وهذا يعني أنها تعود إلى 5000  قبل الميلاد، في حين أنّ "نهضة العراق القديم كانت قد بدأت في 3300 قبل الميلاد من خلال ابتكار الكتابة والتحول إلى مجتمع حضري".

ويلقي  هذا الاكتشاف بظلاله على أذهان المختصين للبحث عن السبب الحقيقي في تطور المجتمعات العراقية القديمة، ونهضتها، مما يعني أنّ الري ليس هو الشرارة التي أطلقت البناء الحضري واختراع الكتابة، إذ اعتقد علماء الآثار أنه بمجرد أن تعلم السومريون القدماء ري محاصيلهم، تمكنوا من الانتقال من زراعة الكفاف إلى التسلسل الهرمي الاجتماعي والديني الذي تشهد عليه معابد جيرسو المتقنة، كالمعبد الشهير الذي يعرف بأسم (أي نينو) المخصص لعبادة الاله ننجرسو.

 جرسو

 

يعد عالم البريطاني "سبستيان راي" وزملاؤه في جرسو بورقة بحثية ستصدر في وقت لاحق من هذا العام تضع النقاط على الحروف، وتعيد صياغة الجواب والسبب الحقيقي وراء الانتقال التاريخي في العراق القديم من مجتمع بسيط إلى مجتمع حضري معقد تتعدد فيه الأدوار والوظائف.

تنقيب

إذًا، أنّ التحول الحضاري ووفقًا لما توصل إليه المنقبون في جرسو، لم يكن نتيجة للبيئة، بل لعله، وكما يخمن  سبستيان راي، كان نتيجة تحول أيديولوجي محض وتغير في نمط  التفكير السومري، لكن للتفاصيل بقية في دراسة مرتقبة ربما ستغير من خلالها جرسو التاريخ الذي بدأ فعلًا من سومر.