13-فبراير-2021

طريقة احتجاجية غير قابلة للرد (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

"السخرية صديقة الشعوب المقهورة"، هكذا يرى مختصون في علم النفس والاجتماع اللجوء للسخرية كوسيلة احتجاجية، وهو ما يُترجم بشكل واضح في الظاهرة التي برزت مؤخرًا في مواقع التواصل الاجتماعي العراقية، كرد فعلٍ على مواقف لجهات مرتبطة بالسلطة، لا يمكن مجابهتها أو مناقشتها بالمنطق، لكونها تمتلك السلاح وتواجه به، وفقًا لناشطين.

لا يعتبر استخدام تعبير الـ"أضحكني" كرد فعل احتجاجي ظاهرة حديثة في العراق، بل كان يُستخدم بشكل لا إرادي بكثرة طوال السنوات الماضية

لم يكن بحسبان مارك زوكبريغ مؤسس موقع "فيسبوك"، أن يستخدم التفاعل بالوجه الضاحك على المنشورات في مواقع التواصل، لأغراض أخرى غير كونه رد فعلٍ طبيعي على المواقف الطريفة والمُضحكة، قبل أن يتحوّل في العراق كردِ فعلٍ جماعي، على المواقف والتصريحات الصادرة من قبل السلطات والأحزاب السياسية والشخصيات المرتبطة بها، تعبيرًا عن الاحتجاج عبر التقليل من شأن سردياتهم، التي يرونها مكرّرة وتهدّد السلم الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: النكتة السياسية في العراق.. صفعة على وجه الموت

لا يعتبر استخدام تعبير الـ"أضحكني" كرد فعل احتجاجي ظاهرة حديثة في العراق، بل كان يُستخدم بشكل لا إرادي بكثرة طوال السنوات الماضية، للتفاعل مع بيانات وتغريدات وخطابات الزعامات السياسية، فضلًا عن مجابهة الخطابات والصفحات الطائفية ومحاولة إغلاقها، فيما تعتبر مجابهة الأحاديث الحازمة والمواقف الجديّة من قبل الشخصيات السياسية والطائفية بالسخرية من قبل الجماهير، رد فعل واضح على تراجع قيمة ووقع هذه الأحاديث لدى الأوساط الشعبية، وطريقة للانتقام ومحاولة إحراج الزعامات، إلا أن هذه الظاهرة تنظمت مؤخرًا، وتحوّلت إلى أشبه بـ"الحفلة الجماعية"، كلٌ يدعو إليها معارفه لجمع أكبر عدد من التفاعلات الساخرة من أي موقف صادر من السلطات أو الجهات الحكومية أو السياسية، فضلًا عن الزعامات، ليتأسس ما يُسمى بـ"جيش الأضحكني".

ويأتي هذا الجيش غير المصنّف إلى فئة معينة ولا مرتبط ببعضه البعض، كنسخة شعبية عفويّة، قبال ظاهرة "الجيوش الالكترونية" التي تتكون عادةً من مجموعة حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي معظمها "وهمية" وتابعة لإحدى الجهات أو الشخصيات السياسية، تؤدي وظيفة الترويج بشكل مباشر أو غير مباشر لهذه الجهات وتلميع صورتها ومهاجمة أندادها وناقديها.

وبرز أول نشاط واضح لـ"جيش الأضحكني" في مواقع التواصل الاجتماعي، في آذار/مارس من العام الماضي 2020، حيث انطلقت حملة غزت الحساب الرسمي للممثل العراقي سنان العزاوي، على خلفية نشاطاته مع التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، والقبعات الزرق، خلال أحداث احتجاجات تشرين، وتحديدًا عقب التصادمات والخلافات بين المتظاهرين والصدريين عقب اقتحامهم المطعم التركي، وظهور العزاوي بصورة أعلى المطعم مرتديًا قبعة زرقاء برفقة أفراد صدريين آخرين، الأمر الذي أثار غضب الشارع العراقي من وجود فنان عراقي كطرف في حادثة ألحقت أضرارًا وإصابات بين صفوف متظاهرين أثناء اقتحام المطعم.

و امتد نشاط "جيش الأضحكني" وزاد تحديدًا في منشور للعزاوي تحدى فيه "ترامب وهبل" ليؤكد أنه سيذهب إلى زيارة الإمام الكاظم بالرغم من التحذيرات المتعلقة بتفشي وباء كورونا، وكان حينها الوباء قد دخل توًا إلى العراق.

وأصبح العزاوي مثالًا حيًا مرتبطًا بحملات "جيش الأضحكني" الساخرة عقب كسره رقمًا قياسيًا عبر حصده  18 ألف تفاعل "اضحكني"، قبل أن تدخل شخصية جديدة قائمة المنافسة مع العزاوي، وهو المنشد الديني الصدري علي الدلفي، على خلفية إصداره أنشودة جديدة تستهدف بعض الشخصيات البارزة في احتجاجات تشرين، والتي تستعد لدخول مضمار المنافسة السياسية في الانتخابات المقبلة، ولا سيما المتظاهر الشهير في ذي قار، الدكتور علاء الركابي.

وبذلك يكون أبرز نشاطين لـ"جيش الأضحكني"، مرتبط بمواقف لها علاقة بالتيار الصدري، فيما يُمكن أن تفسر هذه المصادفة ـ وفقًا لمراقبين ـ مدى عدم نضوج السرديات التي يلجأ إليها ويطرحها مقربون من التيار الصدري، وتقديمها كما هي دون تحفظ أو تحسب لكيفية استقبالها من قبل الجماهير، ودون مراعاة لضرورة إنضاج الطرح قبل نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي دعا الحركة المستهدفة أن تعد أنشودة الدلفي "تحريضًا واضحًا" عليها.

ويستهدف "جيش الأضحكني" عادةً المنشورات والشخصيات التي تعتبر مؤثرة، وتمتلك عددًا كبيرًا من المتابعين، حيث يحرص هذا الجيش، على ضرورة إيقاف الأفكار التحريضية و"الملوّثة" لوعي المجتمع وتهدد أمنه وتماسكه، بحسب أحد ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي سيف أحمد، والحريص على المشاركة في جميع حملات "جيش الأضحكني".

ويضيف أحمد في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الانتصار النهائي لهذا الجيش، يحتسب عندما يتجاوز عدد التفاعلات الساخرة، عدد الإعجابات المؤيدة للطرح، لندفع صاحب الطرح المشوّه إلى حذف المنشور أو التراجع عن فكرته، خصوصًا وأن السخرية تمثّل نقدًا لا يمكن الرد عليه، فيثبط أي محاولات للناشر، بأن يعزّز موقفه عبر إيجاد ثغرات أو رد حجج المعترضين فيما إذا ناقشوا طرحه بجدّية"، وهذا ما حدث بالفعل، حيث اضطر الدلفي لحذف أنشودته الجديدة هربًا من "الهجمة الساخرة" التي تجاوزت الـ78 ألف تفاعل ساخر.

من جانبها، تقدمت حركة امتداد التي يرأسها المتظاهر الشهير علاء الركابي، بدعوى قضائية ضد المكتب الإعلامي للتيار الصدري بصفته الجهة المنتجة للعمل.

وجاء في بيان الحركة الذي تلقى "ألترا عراق" نسخة منه: "بالنظر لتداول مادة إعلامية (أنشودة) في موقع اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي يوم أمس الخميس، والتي تضمنت  إتهام أعضاء حركة امتداد بالعمالة والتخوين، وبأنهم يتلقّون الدعم الخارجي، وبما أن ذلك يعد تحريضًا ضد حركتنا (حركة امتداد)، تقرر الآتي:

  • توجيه اللجنة القانونية في مكتبنا التنفيذي برفع دعوى قضائية ضد الجهة المنتجة للعمل (المكتب الإعلامي للسيد مقتدى الصدر) والأشخاص المساهمين في إنتاج العمل إيمانًا منا وترسيخًا لمبدأ دولة المؤسسات التي تصون كرامة المواطن وتكون فيها الحقوق مصونة باللجوء إلى الأساليب القانونية.

وحمّلت الحركة بحسب بيانها "الجهة المنتجة المسؤولية الكاملة عن أي ضرر مادي أو معنوي أو شخصي يلحق بأي عضو من أعضاء حركتنا نتيجة التحريض ضدها".

ويمثل متظاهرو تشرين، جزءًا رئيسًا من هذا النشاط المتمثل بـ"الاحتجاج الساخر"، بل استحدث على أيديهم، ولعله وسيلة الاحتجاج الأكثر أمنًا، فلا قنابل دخانية ورصاص حي يستهدفهم بساحة الاحتجاج الالكترونية.

من ساحة احتجاجات الناصرية في جنوب العراق

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"يسار السوشال ميديا" العراقي.. حدود اليأس على ضفاف السخرية

معركة إلكترونية أولى.. الكاظمي يدخل "ترند السخرية"