ولد عام 1952 في محافظة الموصل شمال العراق، ونشأ في أسرة علمية معروفة، وبعد تخرّجه من كلية الآداب، جامعة الموصل عام 1974، أكمل المؤرخ والكاتب سيار الجميل دراساته في الجامعات البريطانية ونال الدكتوراه في التاريخ الحديث من جامعة سانت أندروز الإسكتلندية عام 1983، كما انتخب رئيسًا لجمعية الصداقة العربية، سانت أندروس بإسكتلندا للعامين 1978، 1980.
يرى سيار الجميل أن أغلب الأحزاب الحاكمة في العراق لا تؤمن بالديمقراطية
غادر سيّار الجميل العراق لأول مرة عام 1976، وتنّقل في عدد من بلدان العالم، ويقيم حاليًا في مدينة مسيسوغا، قرب تورنتو بكندا.
بعد تخرّجه، عمل سيار الجميل محاضرًا وأستاذًا في جامعات عدة منها؛ وهران بالجزائر وتونس الأولى والموصل بالعراق واليرموك وآل البيت بالأردن وجامعة الإمارات العربية المتحدة والجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن، بريطانيا وجامعة تورنتو، كندا.
ومنذ 1987 كان أستاذًا زائرًا في جامعة كيل بألمانيا الغربية، كما عمل كأستاذ باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وإليكم هذا الحوار معه حول مفهوم "المعارضة السياسية" في العراق:
- منذ عام 2003 وإلى اليوم لم تتشكل في العراق "معارضة سياسية" علمًا أنّ النظام الحالي دائمًا ما يقول إنه ديمقراطي، برأيك ما هو السبب في ذلك؟
نعم، لم تتشكّل أية معارضة سياسية حقيقية، لأنّ ليس هناك عملية ديمقراطية بتجاربها الأولى في العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم، ذلك لأنّ المجتمع العراقي خرج من دوامة الحكم المطلق بكل ما كان عليه من استبداد، ودكتاتورية، وأحادية، وحكم ذوي القربى، مع فراغ سياسي هائل قمت بتشخيصه منذ ذلك الوقت، ودخل مباشرة التجربة التي اسماها بـ"الديمقراطية"، بدل مرحلة الطور الانتقالي الذي يستغرق على الأقل 10- 15 عامًا يؤهل خلالها المجتمع خلال الطور الانتقالي إلى بدايات تجربة أولية بوجود طواقم سياسية وأحزاب مدنية لا دينية، وتكون الانتخابات نزيهة، والوعي بها قد انتشر وتشبّع بها المجتمع وبالوعي الديمقراطي، وعليه لا يمكن لحكم ثيوقراطي يحكم باسم أحزاب دينية ويتشدق بالديمقراطية والانتخابات.. فكيف تريد تشكيل معارضة سياسية حقيقية في العراق وهو بمثل هذه الدوامة التعيسة؟
- ماذا يقصد سيار الجميل بـ"المعارضة الحقيقية"؟
بسيطة، أذهب إلى معجم ويبستر أو إلى أي إنسكلوبيديا في العلوم السياسية، سترى أنّ المقصود بالمعارضة السياسية: مجموعة من الأشخاص السياسيين الفاعلين أو الأحزاب السياسية في نظام سياسي مدني متعدد الأحزاب تعارض أو تنتقد باستمرار الحكومة أو الحزب أو الائتلاف السياسي الحاكم. وتجد لها مواقع تشريعية في البرلمان أو مواقع سياسية والإعلامية عامة كالصحافة والجمعيات، وعلى الحكومة تقبل وجود المعارضة بكل براغماتية ومرونة، وتتقبل النقد والخلاف وتقبل حتى بوجود حكومة ظل، وتتألف المعارضة من واحد أو أكثر من الأحزاب السياسية المتحالفة أو المؤتلفة ضد الحكومة، أو تتألف من المجموعات المنظمة الأخرى التي تعارض الحكومة علنًا، وتحرك الرأي العام ضدها. والمعارضة بدأت من معارضة الحزب للحزب الآخر، وتبين التجارب المعارضة في الدول الديمقراطية أن المعارضة متفقة على عدم التهادن مع الحكومة، وعدم الاتفاق معها في شيء ومعارضتها في شيء آخر، فالمعارضة في معظم الحالات لا توافق على ما تمثله الحكومة في السلطة.
- البعض يعزو عدم تبلور "معارضة حقيقية" في العراق بسبب تعددية الأحزاب، فلو كان هنالك حزبان يتنافسان لتبلورت معارضة حقيقية، هل انت مع هذا الرأي؟
طبعا، كل الدول الديمقراطية العريقة قد تعلّمت بأنّ الحكم لا يستقيم إلا بوجود معارضة له، وأن المعارضة بدأت ممارستها بين حزبين، وقد تطور هذا المفهوم على مدى 150 سنة مضت، شريطة أن يكون الحزبان كبيران جدًا، ومتناسقان في القوة السياسية، وأن يكونا حزبان مدنيان لا علاقة لهما لا بالدين ولا بالطائفة، ولا بأية أيديولوجية راديكالية، ولكن حتى هذه الثنائية أتصور أنها لم تنجح في العراق، كون العراق يضم مجتمعًا غير متجانس ويخضع لإرادة القوي، الوعي السياسي لديه قد أُفتقد، كما أنه يعيش في فراغ سياسي حقيقي منذ أكثر من ستين عامًا، إذ خضع للإحادية عقودًا طوال من السنين، وحتى عندما تأسست جبهة سياسية ضمت أحزابًا راديكالية من أجل هدف واحد، وحالما حقق العسكريون لها الهدف، بدأ الصراع السياسي الدموي بين الشيوعيين والبعثيين! مفهوم التنافس السياسي معدوم عند العراقيين أو قل عند النخب السياسية، فأما صراع دموي بين قوتين أو أكثر، وأما تزوير وطعن وموبقات ووصوليات وانتهازيات وارتزاق وشراء ذمم.. الخ، وعليه، أنا مع تنافس حزبين كبيرين مدنيين لهما تاريخ ولكل منهما مشروع وطني وبرامج لما سيفعله لو انتخب، وهذا لا نجده اليوم في العراق وسوف لن نجده بسهولة.
- دائمًا ما تسعى القوى الحاكمة لتشكيل الأحزاب المعارضة من أجل إحداث انطباع بأن النظام يتمتع بالديمقراطية والشفافية، هل نجحت القوى بهذا الأمر؟
لم أجد مثل هذه القوى قد شكّلت أحزاب معارضة. هي تتشدق بالديمقراطية والشفافية، ولكن أغلبها إن لم نقل كلها، لا تؤمن بالديمقراطية أبدًا، وهي تتشدق بالدين، ولكنها ليست دينية أبدًا. إنها قوى اجتماعية فارغة تبحث عناصرها كلها عن سلطة فقط مهما كانت الوسائل والآليات الموصلة إليها. هذه القوى هي طفيلية ومخادعة لا تتمتع بأية إمكانات سياسية، ولا براغماتية وأنها تلبس لها في كل مرحلة أقنعة متغيرة، وهي من كل ألوان الطيف، وحتى أن اكتسبت جماهير، فالجماهير لا تفقه شيئًا عندما تتبعها، وأن سألنا لماذا تتبعها، فأما يكون الجواب لأسباب مذهبية، أو قبلية، أو أسرية، أو جهوية، أو انتهازية لكسب مغانم، أو وصولية لتسلم سلطة، ولكن بدا واضحًا اليوم وبعد تجارب لتاريخ مئة سنة مرت على العراق أن العراقيين يعشقون السلطة والجاه عشقًا لا حدود له، ليحقق الفرد من خلالها ذاته أو مصالحه باسم السياسة وتوظيف الشعارات الوطنية أو القومية أو الإسلام أو المذهب.. الخ، السلطة في العراق تحقق للكل ثلاثة مبتغيات: المال والجاه والنساء! وقس على ذلك، قالوا لأحدهم يومًا وهو شاب: لماذا تسعى لدخول الكلية العسكرية؟ أجاب: لكي أكون ضابطًا وأرتب انقلابًا وأحكم العراق وأحقق كل أحلامي.
- شاهدنا بعض الكتل في الحكومات السابقة تضع إحدى قدميها في الحكومة والأخرى في المعارضة؛ هل هذا سلوك سياسي معمول به في بعض دول العالم أم هو اختراع عراقي خالص؟
لا يوجد معارضة سياسية حقيقية، ولا حتى مظاهر ديمقراطية في العراق، حتى نسأل هكذا سؤال! في النظم الديمقراطية العريقة قد تحدث تحولات جماعات أو أفراد، ولكن ضمن ضوابط وأعراف ليس بقصد الوصول إلى السلطة، بل إعجابًا ببرنامج محدد، أو التحاقًا بزعيم سياسي معروف، أو بمتغيرات سياسية معينة. ما يحدث في العراق لا يشبه أية تجربة سياسية ديمقراطية في العالم، فكل القوى السياسية ليس لها برامج، ولا خطط، ولا أهداف وطنية معلنة على الملأ، بل مصالح فئوية أو جهوية، ودوافعها أما طائفية أم قبلية عشائرية أم انتهازية وصولية أم منحرفة، وقد تصل إلى حدود المصالح الشخصية.. بعد هذا وذاك، أريد استفسر أين هي المعارضة الحقيقية إذا كان التزوير قائمًا وشراء المناصب مؤكدًا، وإذا كان الفساد مستشريًا، ناهيكم عن الانقسامات الأيديولوجية والطائفية في المجتمع العراقي، والتي غدت صراعات مفضوحة بين الفرقاء جميعًا، مع ترسخ التمايزات في كل المؤسسات والأجهزة والإدارات وحتى في الجيش!
- ما هو رأيك بالخطوة التي يحاول أن يقوم بها بعض الأطراف السياسية بتأسيس "حكومة أغلبية" لأول مرة في العراق؟
أعذرني يا عزيزي، فأنا أفكّر في غير الذي تفكر فيه! ماذا يقصد بـ"حكومة أغلبية"؟ هل يقصدون أغلبية أحزاب سياسية أم أغلبية برلمانية كما تشير إليه أدبيات الأنظمة الديمقراطية؟ في العراق، يستخدمون المصطلح لما هم يفكرون به لا كما متفق عليه في النظم السياسية المتطورة! إنني أدرك أنهم يريدون أغلبية سكانية معينة، بمعنى أنهم يسهمون في تمزيق المجتمع أكثر فأكثر.. هذه "الأغلبية" لا علاقة لها بالديمقراطية السياسية! فلا هم نجحوا بحكومة توافقية كما اسموها، وهي حكومة محاصصات، ولا هم نجحوا في تأسيس حكومة ائتلافية لأن كل عضو فيها ارتباطه مع حزبه وزعيم حزبه، وليس مع رئاسة حكومته حسب الأصول. هذه المرة يريدون حكومة أغلبية بمعنى تأسيس لدكتاتورية الجماعة - كما يطلق عليها ماكس فيبر - أنهم يتشبثون بالسلطة بأية وسيلة، والفشل نصيبهم والدمار للعراق الذي سيتأخر ويتراجع إلى الوراء ويا للأسف.
- ما هي توقعاتك بتشكيل الحكومة المقبلة؛ هل ستتشكل على أساس الأغلبية أم التوافقية؟
سواء هذه أم تلك، فالأمر سيان ما دامت هذه القوى (وقد غدت طبقة) تتبادل الأدوار في ظل نظام سياسي يعيش في دوامة تاريخية كون بدايته كانت خاطئة منذ العام 2003، وقد أوضحت العلة والمعلول سلفًا! وتعال يا عزيزي اسألك بدوري كي تعرف الناس طبيعة الموقف المتراخي والأزمة القائمة: هل قرأت أو سمعت أو تلمست أو عاينت أي طرف من الفرقاء وهو يسعى لتسلم السلطة وتشكيل حكومة جديدة اليوم أو مما سبق قد قدم مشروعًا وطنيًا استراتيجيًا لحكم البلاد وتنميتها؟ هل وقفنا على أي طرف من الأطراف يتنافس إزاء غيره بأي خطة مستقبلية لخمس سنوات؟ هل قدمت إلى حد الآن أية معالجات أو أفكار تخدم العراق؟ وكل ما قيل في الليل الداجي كذبًا وبهتانًا يمحوه النهار، وكأن شيئًا لم يكن!
- لماذا أغلب الكتل والأحزاب السياسية تخشى أن تذهب إلى المعارضة؟
لأن المعارضة "ما توّكل خبز"، والكتل والأحزاب اعتادت على النهب والاستلاب والفساد من خلال الاستحواذ على السلطة! دولة فارغة بلا مؤسسات حقيقية، وبلا قوانين رادعة، وأموالها "مجهولة المالك"! وكل ما تسمعه عن الذهاب إلى المعارضة كذب وبهتان.. العراق فريسة بيد حكامه!
- برأيك ما هي الأدوات التي من المفترض أن يتمتع بها كل حزب يريد تأسيس معارضة؟
سؤال رائع من حضرتكم يا عزيزي، إذ يبدو أنك مؤمن بهذه الأحزاب المتخشبة والمتخلفة والتي لا تفقه مفهوم العمل السياسي الحقيقي.. هم ليس لديهم مجرد أفكار، تريدهم يستخدمون أدوات؟ والله عجيب. في العالم كله وخصوصًا في النظم الديمقراطية، كل حزب قوي لم يكسب الجولة يتحول إلى مقاعد المعارضة، ولكن أصلًا وقبيل أية انتخابات، كما هو حاصل هنا في كندا، يقدم كل حزب برنامجه، فأن فاز بالانتخابات يبدأ بتطبيق أدواته، وإن لم يفز، فهو يعارض به من مقاعده حتى وصف بـ"حكومة ظل"! فبالله عليك؛ أذكر لي أي حزب عراقي قدم برنامجه للحكم والمعارضة معًا حتى يستخدم أدواته؟ وثق أن البلاد سوف لا تتطور تنمويًا وحضريًا ومدنيًا إن لم تبدأ بمشروع سياسي ناضج ومدني. أنا واثق من ذكاء العراقيين إن منحوا الثقة، فهم يمتازون بالمهارة والنجاح، وكان العراقيون قد بدأوا مشروعات الإعمار قبل أكثر من 70 عامًا، وقبل غيرهم، ولكن فواجعه السياسية أرجعته إلى الوراء عشرات السنين. وكان العالم سيتعلم من العراقيين قبل أن يتعلم من سنغافورة. قرأت ما كتبه ماط ميلر Matt Miller في الواشنطن بوست قبل عشر سنوات، أي في سنة 2012 مقالة مهمة بعنوان "ما الذي نتعلمه من سنغافورة؟" (What Singapore can teach us). فأنظر أين هي سنغافورة اليوم من العراق؟
- اليوم نحن نعيش عصر التحولات في جميع أنحاء العالم، في ظل هذه التحولات هل تغيرت مفاهيم وقيم المعارضة؟
هناك قيم تشريعية عمرها أكثر من 150 سنة أو 100 سنة، يلتزم بها السياسيون وكل الأحزاب في العالم، فلا يمكنها أن تتحول بسرعة لأن في كل بلد تمارس فيه الديمقراطية، هناك مبادئ أساسية لكل بلد قد تكون خمسة أو ستة أو سبعة (إلا العراق، فهو بلا مبادئ وطنية منذ أكثر من ستين سنة، إذ تشوهت بين القومية والإسلام) وهناك أعراف تتجدد مع الزمن، وهناك دساتير تتطور مضامينها، علمًا بأن بريطانيا مقتصرة على الأعراف الراسخة في الضمير السياسي، فهي بلا دستور، أما أن تتغير مفاهيم وقيم المعارضة، فالجواب: لا، ربما تلغى قوانين وتستحدث قوانين بناء على تحولات الأجيال، ولكن المبادئ والقيم والأعراف السياسية، فمن الصعب جدًا أن تتغير. هناك في بعض الدول العريقة "خطوط حمراء" حول هذه المسألة.. خذ مثلًا تركيا التي جرت فيها تحولات سياسية كبرى عبر مائة سنة، أي منذ 1923 وحتى اليوم، لكن لم تزل المبادئ الكمالية راسخة، ولم يزل أتاتورك نفسه رمزًا للبلاد، بالرغم من وجود حكومة ونظام إسلامي اليوم، لكن مبادئ أتاتورك الستة لم تزل كامنة منذ 100 سنة مضت بالضبط، وهي: الوطنية، والجمهورية، والدولتية، والعلمانية، والتغريبية، والتحديث. فلا تسمع لهؤلاء في العراق وهم يريدون الالتفاف بأية وسيلة من أجل الاستحواذ على السلطة!
- هل الواقع العراقي قادر أن يفرز معارضة تقوم بالمسائلة عن "خزينة الدولة والموارد والإنفاق الحكومي وعن الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة"؟
قادر في ظل نظام وقانون ومسائلة وقضاء نزيه وسلطة تشريعية محترمة وتحريم استخدام السلاح وتحريم منح أي ميليشيات أو جماعات سلطة أو عصابات تسمى اقتصادية، مع وجود متابعة حكومية، ومحو أي نفوذ لدولة عميقة في العراق، ومحو نفوذ أي سلطة خارجة عن القانون، ومنع أي تدخل لأية سفارات أجنبية.. أسألك بالله؛ هل يمكن تحقيق ذلك في ظل الوضع المهترئ القائم؟
- ذكرت في إحدى كتاباتك بأن النظام السياسي في العراق لا يتقبل أي معارضة، لا سرية ولا علنية ولا حتى بتظاهرات أو صحف أو رأي عام معارض. لكن الذي نشاهده هنالك الكثير من الفضائيات المعارضة لهذا النظام وكذلك حدثت الكثير من التظاهرات، والكثيرين من داخل العراق وخارجه يكتبون مقالات يعبرون من خلالها عن رأيهم المعارض. فلماذا إذًا توصف هذا النظام بأنه لا يتقبل المعارضة؟
الفرق كبير كما يظهر بيني وأنا لا أؤمن بهذا النظام السياسي وديمقراطيته المنحرفة ودستوره الكسيح، وما أنتجه من كوارث وبين آخرين يؤمنون به إيمانًا ساحرًا، وهم يصدقون ما يروّجه النظام عن نفسه. أسألك بالله: هل يتقبل النظام السياسي الحالي في العراق ما قلته عن مفهوم المعارضة وأسسها وعناصرها؟
أولًا: لا أريد أن تكون المعارضة سرية لأنها تختبئ في الأوكار الضالة ولا يعرفها الناس، وهي ليست معارضة، بل متوحشة وثائرة أو راديكالية عمياء، وهي تريد إحراق الأخضر واليابس، ولكن نريدها معارضة علنية وتعلن أهدافها وبرامجها علنًا أمام الناس.
ثانيًا: دع العالم يسمع ويشاهد آلاف الفضائيات ويقرأ آلاف المقالات ويلوك الشعارات.. كلها لا تنفع أمام نظام سياسي اعترف معظم قادته بفساده وشيطنته، ولا مبالاته حتى بالشتائم والفضائح. إن أغلب ما تجده في الإعلام الرائج هو مدفوع الثمن، وخصوصًا في الفضائيات العراقية وأغلبها دكاكين سمسرة، فلا يعّول عليها أبدًا.
ثالثًا: أنا باركت الثورة ضد النظام الحالي، وكنت أول من دعا إلى الثورة عليه لنسف فساده ونزقه، ومقالاتي موجودة ومنشورة مع تواريخها، وكنت مع المتظاهرين الأحرار الذين دفعوا حياتهم ودمهم ثمنًا غاليًا من أجل العراق، ولكن النظام كان أقوى منهم لأن ثمة وحوش تتحكم في العراق، وتقتل المئات من الشهداء وجرح الآلاف وأسكت الثورة بجبروته، بالرغم من أن شعلتها متوقدة وقائمة، ولكنها تحت الرماد. هذه هي المعارضة الحقيقية، ولكنها بالرغم من استلابها، فقد تركت لوحدها في مدينتين أو ثلاث ولم تلتحق بها بقية مدن العراق.
- اليوم وبعد الانتخابات المبكرة هنالك من يريد تشكيل (كتلة موحدة) تكون نواة حقيقية للمعارضة المستقبلية في العراق، ومنهم حركة امتداد والجيل الجديد وبعض المستقلين. هل سيكون النجاح حليف هذه الكتلة وهل ستكون بمستوى الطموح؟
كما قلت في أعلاه وسأعيد الفكرة التي أؤمن بها: أي معارضة مستقبلية لا يمكن أن تنجح إن لم تبدأ منذ اليوم، وشروطها تقديم برنامج سياسي قوي ومشروع وطني نزيه. أنا مؤمن إيمانًا قويًا بأن جيل العراق الجديد سيبدأ حياته السياسية بعد حفنة من السنين، وقد نشرت ذلك عدة مرات،وقلت إن العراق سيبدأ مستقبله منذ العام 2039 القادم.. وسيمر بتحولات تاريخية صعبة جدًا أن سلم من التفكك والتجزؤ لا سمح الله.. سواء هذه الكتلة الموحدة أم غيرها من الأحزاب والجماعات الجديدة إن كانت نزيهة ووطنية ومتمدنة، وبعيدة عن أرث الأنظمة السياسية العقيمة التي حكمت العراق، فسوف تنجح بحول الله، وسيبدأ العراق تاريخًا جديدًا.
- وصفت مقتدى الصدر بـ"أخطر رجل في العراق اليوم" ماذا تقصد بهذا الوصف؟
ببساطة، كل رجل تتبعه الملايين في بلاده، فهو أخطر رجل فيها شئنا أم أبينا.. سواء كان أتباعه أذكياء أم أغبياء! ليس لأن السيد مقتدى الصدر زعيم سياسي وطني يوازي غاندي في الهند أو يضاهي عبد الناصر في مصر ، أو يصل إلى مكانة ماو في الصين، أو لينين في الاتحاد السوفييتي سابقًا وغيرهم، فكلهم لحقت بهم الملايين، ولكن أنا أحكي عن العراق والعراقيين الذين أعجبوا أيضًا بالزعيم عبد الكريم قاسم بالملايين، ولكنه لم يخلق تنظيمًا سياسيًا له، كونه انتقل من الثكنة إلى متاهة السياسة وبقي ضابطًا، حتى آخر يوم في حياته، لكن السيد مقتدى خطيرًا كونه يتزعم تنظيمًا جماهيريًا واسعًا جدًا، ولكن من أبناء طيفه فقط.
- أخيرًا، ما أمنياتك للعراق والعراقيين؟
كنت ولم أزل أحلم بارتقاء العراق وانتقاله من الاستبداد والأحادية إلى الديمقراطية والشفافية من خلال طور انتقالي طويل الأمد يعالج نفسه من كل الجروح والقروح، ويحافظ على نفسه ووجوده وتوازنه ويستفيد من ثرواته في بناء نفسه بعد التخلص من ديونه.. ويبدأ مرحلة جديدة من خلال مشروع وطني واسع الأبعاد، وينطلق نحو المستقبل موحدًا متماسكًا متآخيًا منتجًا منسجمًا يتطلع إلى المستقبل، ومتخلصًا من كل آثام الماضي، وبدء تحولات نحو المستقبل من خلال برامج سياسية نظيفة ووطنية، بعيدة عن كل الأمراض الطائفية والعرقية والبدائية، وهذا ما أتوقعه لدى الجيل الجديد والأجيال العراقية القادمة.