09-أبريل-2019

تتمسك طهران بالعراق كآخر خطوط الصد بوجه العقوبات والقطيعة

في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ توليه منصب رئيس الوزراء بالعراق في نهاية شهر تشرين الأوّل/أكتوبر من العام الماضي، زار عادل عبد المهدي العاصمة الإيرانية طهران تلبية لدعوة وجهها له الرئيس الإيراني حسن روحاني، أثناء زيارته بغداد خلال الشهر الماضي، والتي كانت الأولى له أيضًا منذ توليه الرئاسة في إيران عام 2013.

جاءت زيارة عبد المهدي إلى إيران محطة أولى ضمن جولة إقليمية تتضمن زيارات إلى السعودية وتركيا ودول أخرى، وبالتزامن مع تضييق واشنطن الخناق على طهران   

الزيارة بحسب مراقبين انطوت على رسائل وملفات عديدة مختلفة، فضلًا عن استكمال الاتفاقيات التي تم إبرامها خلال زيارة روحاني الى بغداد، حيث جاءت كمحطة أولى ضمن جولة عبد المهدي الإقليمية، يعتزم بعدها زيارة السعودية وتركيا ودولًا أخرى، عملًا بمقتضى استراتيجية الموازنة في العلاقات الخارجية التي تتبناها الحكومة العراقية الجديدة.

لقاء عبد المهدي وروحاني في طهران

وساطة إقليمية.. أم "انبطاح"؟

وربما تأتي الخطوة تلبية لدعوة رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إذ طلب خلال لقاءه مع رئيس الوزراء، الأسبوع الماضي في بغداد، بأنْ تلعب الحكومة العراقية دورًا في الوساطة بين السعودية وإيران حيث قال  إنّ "العراق يستطيع أنْ يلعب دورًا أكبر وأفعل على الصعيد الاقليمي، والمطلوب أنْ يعزّز سياسة الانفتاح التي ينتهجها، وهو يستطيع أن يلعب دوراً اكبر في المصالحة حتى بينالمملكة العربية السعوديةوالجمهورية الاسلامية في إيران، وبهذه السياسة يستطيع العراق أنْ يقوّي جبهته الداخلية ودوره الخارجي ويصبح مرجعًا لا مراجعًا".

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي أخفاه مكتب عبد المهدي وكشفه موقع خامنئي؟

ومما يبين ملامح هذه الخطوة أكثر تصريح روحاني اللافت في هذا الاتجاه خلال زيارته للعراق في مؤتمره الصحافي مع نظيره العراقي، برهم صالح، عندما قال إن "العراق يمكن أنْ يكون له دور مهم في التقارب بين دول المنطقة".

من جانبه أكد عبد المهدي من إيران: "حرص العراق على توسيع علاقاته مع محيطه العربي والإقليمي، وانتهاج سياسة تركز على المشتركات الكثيرة وفرص التعاون الواسعة في جميع المجالات وتطلّعه إلى تحقيقها". 

وفي هذا الصدد يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ميسان سعدون الساعدي في حديثه لـ "الترا عراق"، أن "زيارة عبد المهدي جاءت للبحث عن فرص تعاون جديدة في المجالات الاقتصادية، وبذات الوقت تأكيد للاتفاقيات السابقة، ولعب دور الوساطة فيما يخص العلاقات السعودية العراقية وإقناع طهران بهذه العلاقة لكون العراق يرتبط بعمق عربي مع السعودية التي هي جزء من المنطقة وبالتالي من حقه أنْ يقيم العلاقات مع الدول التي يربطه بها عمق عربي أو عمق إقليمي مثل إيران، وبالتالي يذهب العراق نحو إيجاد علاقة متوازنة ولعب العراق دور الوسيط بين إيران والسعودية وتسوية الخلافات بينهم مستقبلاً"

أما أسعد كاظم، أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة الكوفة، فيؤكد لـ "الترا عراق"، إنّ "إيران تضغط من خلال العراق لغرض تقليل مخاطر العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب إدراك إيران بتعقيدات علاقتها مع الأطراف الإقليمية، وقد تكون زيارة مسؤولين سعوديين إلى العراق والمواقف الودية المتبادلة من قبل العراق، تشير أما إلى صراع الطرفان من خلال الساحة العراقية، أو أنّ العراق بدأ باستعادة دوره الإقليمي".

لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، أياد العنبر يرى خلاف ذلك في حديثه لـ "الترا عراق"، اذ قال: "لا اعتقد أنّ الزيارة ستناقش ملفات تتعلق بإمكانية لعب العراق دور الوسيط بين السعودية وإيران. لا بل لن تتطرق إلى ما يمكن أنْ تتعرض إليه المصالح العراقية في ضوء استمرار الضغط الأمريكي على العراق بشأن تحديد موقفه من العقوبات الأمريكية على إيران"

وأكد العنبر، أن زيارة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لن تخرج عن استكمال الاتفاقات التي تم عقدها خلال زيارة الرئيس روحاني إلى بغداد في الشهر الماضي، حيث "لا يمكن التعويل كثيرًا على هذه الزيارة في حسم الكثير من الملفات التي تتعلق بالمرحلة القادمة، التي تتطلب التوازن ما بين الانفتاح الاقتصادي السعودي على العراق والاستفادة منه في ترتيب علاقات اقتصادية مع إيران وفق الواقع الجديد، بالإضافة إلى عدم مناقشة مشكلة الضغوط الأمريكية على العراق لتحديد موقفه من العقوبات تجاه إيران".

تهدف إيران إلى تخفيف ضغط العقوبات والقطيعة الإقليمية التي تواجهها عبر العراق وفق مختصين، لكن آخرين يرون أن العراق غير قادر على لعب دور الوسيط الإقليمي أو الحفاظ على مصالحه حتى

يذكر أنّ الجانبين العراقي والإيراني، وقعا على أكثر من عشرين اتفاقية خلال زيارة روحاني لبغداد في 11 آذار/ مارس، وصفت بـ"الهامة" في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، في مقدمتها إحياء اتفاقية الجزائر لعام 1975 حول تقاسم شط العرب، والتي ألغاها النظام السابق من جانب واحد، وكذلك اتفاقية للتبادل التجاري، تهدف إلى رفع مستوى التجارة البينية من 12 مليار دولار إلى 20 مليار دولار سنويًا، وأيضا إلغاء رسوم التأشيرة بين البلدين، الذي دخل حيز التنفيذ مع بداية شهر نيسان/أبريل الجاري.

العراق.. حلبة رهان!

في ظل الضغوط الأمريكية التي يتعرض لها العراق للالتزام بالعقوبات المفروضة على إيران، يرى مهتمون بالشأن السياسي أنّ العراق لن يكون جزءًا من العقوبات الأمريكية على طهران وأنّ زيارة رئيس الوزراء تأكيد عملي على هذه الحقيقة، ودليل على "فشل الضغوط الأميركية على السلطات العراقية لتخفيض مستوى العلاقات مع إيران، أو قطعها".  

كان عبد المهدي قد أكد في المؤتمر الصحفي المشترك في طهران، أنّ "العراق سيبقى مع إيران في السراء والضراء" مشيرًا إلى أنّ "طهران دعمت بغداد في مواجهة الإرهاب مما ساعد في تحقيق العديد من النجاحات في شتى المجالات" .

كما تزامنت زيارة عبد المهدي لطهران مع تصنيف إدارة ترامب للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وهو ما يعد سابقة، فللمرة الأولى تصنف واشنطن رسميًا تشكيلات تابعة لجيش دولة أخرى على أنها جماعة إرهابية.  

بالمقابل فإن المرشد الإيراني علي خامنئي طلب من عبد المهدي "فعل شيء" لإخراج القوات الأمريكية من العراق سريعًا"، في محاولة للتمسك بآخر "خطوط الصد" بوجه واشنطن، كما هاجم النظام الحاكم في السعودية.

طلب خامنئي إخراج القوات الأمريكية من العراق بسرعة

 

يقول الباحث السياسي، فاهم سوادي في حديث لـ "الترا عراق"، إن "هذا الطلب يأتي ضمن الجهود السياسية التي تبذلها الحكومة الايرانية للحفاظ على تماسك آخر خطوط الصد في معركتها مع أمريكا بعد خسارتها في سوريا واليمن، فالصراع لم تعد خياراته مفتوحة على أكثر من جبهة كما كان عليه الحال قبل عدة سنوات، ولذلك فإنّ الإيرانيين ملزمين بالبحث عن أي حلول ممكنة لعرقلة التوغل الأمريكي في العراق، وحماية الجماعات السياسية والعسكرية المرتبطة بها والتي تواجه خطر التجريم والحظر الدولي"

يضيف سوادي، أنّ "انهيار آخر خطوط الصد يعني انتقال الفوضى إلى داخل إيران، وهذا ما تخشاه إيران وتراهن عليه أمريكا في الوقت الحاضر، ولذلك فهما يستبقان على العراق كفرسي رهان أيهما ينهي الجولة لصالحه".

تتسابق كل من واشنطن وطهران على العراق كفرس رهان حيث تراهن عليه الإدارة الأمريكية لإرغام النظام الإيراني ويستميت الأخير بالتمسك به كآخر خطوط الصد

وفي هذا السياق اعتبر السفير الإيراني لدى العراق ايرج مسجدي، في مقابلة مع "إيسنا"، زيارة عبد المهدي "في سياق رفض الحكومة العراقية المكرر للعقوبات الأميركية الأحادية على إيران، وتأكيدها على مواصلة شراء الكهرباء والغاز الإيراني"، قائلا إنّ "قيمة الصادرات الإيرانية خلال العام الماضي الذي بدأت فيه العقوبات، ارتفعت بنسبة 50 بالمئة في مجال السلع غير النفطية لتصل إلى 8.5 مليارات دولار".

يشار إلى أنّ الوفد الذي رافق عبد المهدي في زيارته لطهران ضم وزراء النفط والكهرباء والتجارة والموارد المائية والخارجية والمالية والتخطيط ومستشار الأمن الوطني. كما ضم عددًا من رجال الأعمال ونوابًا في البرلمان وشخصيات أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما هي أضرار زيارة روحاني على الاقتصاد العراقي؟