أثارت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي وصل إلى العراق في 11 آذار/ مارس في زيارة استغرقت ثلاثة أيام ألتقى خلالها رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، والتي أعلن الطرفان فيها عن جملة من الاتفاقات الاقتصادية في مختلف المجالات، موجة كبيرة من ردود الأفعال التي تباينت بين الردود المتشائمة والمتفائلة. فيما رآها سياسيون أنها كانت في سياق الصراع الإيراني ـ الأمريكي، ومحاولة تحويل العراق إلى "رئة اقتصادية" تتنفس منها طهران في ظل عقوبات الولايات المتحدة عليها.
استلمت طهران الدفعة الأولى من ديونها قبل تجهيز العراق بالطاقة والبالغة نحو 200 مليون دولار، فيما ستقبل تأمينات المقاولين الإيرانيين بالدينار العراقي بدلًا من الدولار
في هذا السياق، كشف محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، والذي يرافق الوفد الرئاسي في الزيارة للعراق، بأن طهران استلمت الدفعة الأولى من ديونها قبل تجهيز العراق بالطاقة والبالغة نحو200 ميلون دولار. ويؤكد همتي بعد لقاءه مع نظيره العراقي بالوكالة علي العلاق على أنه بحث معه التوافقات التي كانت جرت بينهما الشهر الماضي ومنها ملف تسديد الديون، مشيرًا إلى أنهما تطرقا خلال اللقاء إلى قضايا مالية أخرى كتسهيل الشؤون المصرفية لمصدري السلع الإيرانية إلى العراق، فيما بحث أيضًا عمل فروع المصارف الإيرانية في العراق، إلى جانب ضرورة قبول التأمينات من المقاولين الإيرانيين العاملين في العراق بالدينار العراقي بدلًا من الدولار.
اقرأ/ي أيضًا: 3 أيام لروحاني في العراق مقابل ساعات ترامب السرية.. ولقاء مرتقب بالسيستاني
ورفض العراق دعوات إيران حول إلغاء سمات الدخول "فيزا" بين البلدين لكنه اقترح بعد استيفاء أجور التأشيرات وجعلها مجانية ابتداءً من نيسان/ أبريل المقبل. وحول هذا الموضوع يقول سعدون الساعدي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ميسان، في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الزيارة كانت معدة بطريقة مدروسة وتحمل عدة رسائل:
الأولى إلى الأمريكان ومفادها؛ موجودون نحن هنا في الإقليم ونحن جزءًا من هذه المنطقة ولدينا علاقات استراتيجية من خلال الاتفاقيات الاقتصادية فإيران تريد فتح صفحة جديدة مع العراق.
أما الثانية، فهي للرئيس دونالد ترامب، أننا قد أتينا من الباب في بغداد وأنتم أتيتم من الشباك فقد جرت في زيارة روحاني مراسم وبروتوكولات واضحة.
أما فيما يتعلق بالجانب الأمني، أوضح الساعدي، أن "زيارة روحاني وهذا التنقّل بين الكاظمية وجانب الرصافة وثم اللقاء مع مسؤولي الأحزاب والشخصيات العراقية ومراجع الدين يعطي انطباع بأن بغداد آمنة ومستقرّة، وأن هناك تفاهم إيراني يتعلق بالجانب الأمني".
الساعدي: يفترض من حكومة بغداد أن تكون استغلت ظروف زيارة روحاني من أجل التفاوض في ملف تهريب المخدرات وتغيير مسار الأنهار لكن الدبلوماسية العراقية ضعيفة
وحول عدم فتح ملفات مهمّة من قبل المسؤولين العراقيين مع الجانب الإيراني مثل ملف تهريب المخدرات وتغيير مسار الأنهار ورمي النفايات في شط العرب، أشار الساعدي إلى أن "هذه الجزئيات لا يحملها الجانب الإيراني بل الجانب العراقي على اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها، مبينًا "يفترض من حكومة بغداد أن تستغل هذه الظروف من أجل التفاوض، مستدركًا "ولكن ربما هناك مفاوضات فيها نوع من السرية".
اقرأ/ي أيضًا: قانون إخراج القوات الأجنبية.. هل سيشمل "إيران"؟
أضاف الساعدي، أن "هناك دبلوماسية عراقية ضعيفة لأن وزير الخارجية ليس لديه قوّة التفاوض ولم يعطَ كامل الحرية في التصرّف على اعتبار أن الكابينة الوزارية لم تكتمل بعد".
وبخصوص إلغاء التأشيرة، لفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن "هذا القرار يصب في الصالح الإيراني أكثر مما يصب في صالح العراق على اعتبار أن الإيرانيين لديهم فقط مرقد الإمام الرضا وبعض المراقد في مشهد، بينما العراق فيه عتبات مقدسة كثيرة وبالتالي أعداد الإيرانيين تكون كبيرة جدًا للدخول إلى العراق وبالنتيجة فأن مسألة تأشيرات الدخول وفرض الرسوم على الإيرانيين تدر أموال على العراق أكثر مما تدر على إيران".
تحجيم دور "الميليشيات" في العراق!
الكاتب والباحث السياسي، غيث التميمي، يرى أن زيارة روحاني للعراق تقرأ في اتجاهين، الاتجاه الأول، أن "إيران وصلت إلى مرحلة متقدمة في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنها "بدأت تنفذ البنود غير المعلنة من اشتراطات ترامب والتي أهمها تقليص وتحجيم دور الميليشيات في العراق وتقليل وتخفيض هيمنة النظام الإيراني على القرار السيادي والأمني، مضيفًا أن "إيران نقلت ملف العراق من الحرس الثوري الإيراني إلى الخارجية الإيرانية بمعنى أن يكون جزءًا من سياسيات الحكومة الإيرانية وليس جزءًا من ملفات الحرس الثوري الإيراني".
أما الاتجاه الثاني، فيقول التميمي، إن "إيران بعد أن ضاقت بها السبل دوليًا وأصبحت منبوذة فهي تريد أن تقول أنا لا زال لدي أوراق صالحة للعب، موضحًا "وهي تريد أن تعوّض مشاكلها الاقتصادية بالاقتصاد العراقي، مشيرًا إلى أن "الحكومة العراقية مستعدة أن تحطم وتدمر اقتصاد العراق من أجل إنقاذ إيران من مآزقها".
نقلت إيران ملف العراق من الحرس الثوري إلى الخارجية الإيرانية وسيكون هذا الملف جزءًا من سياسات الحكومة
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أشار التميمي إلى أنه "لا يوجد لدى إيران ما تقدمه للاقتصاد العراقي والاتفاقيات التي وقعت سواء كان سكك الحديد أو غيرها، مبينًا "حتى إلغاء التأشيرة فهي تخدم إيران، حيث أن الزوار القادمين من إيران أكثر من الزوار الذاهبين نحو إيران من العراقيين"، مبينًا، أن "أكثر من ذلك إيران تقطع علينا المياه وتجفف أراضينا وبالمقابل تصدر لنا المواد الغذائية والمحصول الزراعي، إذ أن الاتفاقيات التي وقعت والتي ستوقع هي مضرة بالاقتصاد العراقي".
تصريحات "دينية" ومخالفة للأعراف الدبلوماسية!
الباحث السياسي علاء الجبوري يرى في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن روحاني عمل على لقاء المرجع السيستاني في النجف خلال هذه الزيارة، وما يعكسه اللقاء من أهمية لروحاني بهذه الفترة وجميعنا يعرف كيف يلعب الدعم الديني دورًا في بقاء الرؤساء أو تنحيتهم وقلّة فرصهم عندما يتخلّى عنهم رجال الدين، مبينًا أن "تصريحات روحاني امتزجت بالجانب الديني، قائلًا إن "علاقاتنا الدينية تمتد لمئات السنين"، ليحظى روحاني بالقبول والتأييد الشعبي خاصّة في ظل الأزمات الداخلية التي تعيشها إيران".
اقرأ/ي أيضًا: إيران تكشف عن خطة لتأهيل الكهرباء في العراق: ليس لهم خيار!
أضاف الجبوري أن "الاهتمام العراقي واضح لهذه الزيارة من خلال الاستقبال الرسمي لروحاني من قبل رئيسي السلطة التنفيذية برهم صالح وعبد المهدي بعدما تم استقباله من قبل سفير إيران في العراق والتي تعد مخالفة في العرف الدبلوماسي".
وقال روحاني، خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس العراقي برهم صالح، إننا "نشعر في العراق أنه وطننا الثاني والعلاقات بيننا دينية وتاريخية وإقليمية ولن نستغني عن هذه العلاقات ونريد تطويرها أكثر، مبينًا أن "هناك مجالات واسعة وشاسعة للتعاون المشترك، وهذه المجالات تجارية واستثمارية وإقامة مناطق حرة وأسواق مشتركة"، مضيفًا "كذلك التعاون في مجال السياحة، والنفط والغاز والبترول، والعمل المصرفي والخدمي والفني ومنها إنشاء الممرات المائية".
زيارة السيستاني وردود الأفعال
وصل روحاني إلى النجف بعد زيارته لبغداد وكربلاء حيث كان في استقباله المحافظ لؤي الياسري، ومجموعة من أعضاء مجلس المحافظة ثم ذهب إلى مرقد الإمام علي لأداء الزيارة، ليتوجه إلى منزل المرجع الأعلى، علي السيستاني.
لم تقتصر زيارة روحاني إلى السيستاني فقط، بل زار أيضًا بقية مراجع الدين في النجف، مثل بشير النجفي واسحاق الفياض وسعيد الحكيم، فهي لم تكن زيارة خاصة للحكومة المحلية في النجف وإنما اقتصرت على زيارة الأماكن المقدسة وبعض مراجع الدين، ليغادر العراق بعدها.
وأثارت زيارة روحاني لمرجعية السيستاني الكثير من ردود الأفعال، حيث بانت علامة الغرابة والاندهاش لدى العراقيين وربما الخيبة كما رآها متابعون، خصوصًا أن المشهور عن السيستاني أنه رافض لـ"لمشروع الإيراني في العراق".
أستاذ الفكر السياسي الإسلامي في جامعة الكوفة، أسعد كاظم، يرى في حديثه لـ"ألترا عراق" أن "الإعلام ينظر إلى مرجعية السيستاني على أنها فيما يتعلق بالملف الإيراني في العراق لها موقف رافض، أما الآن فلا أعلم إذا ما تغير موقف السيد السيستاني، مستدركًا "لكن الإيرانيين يريدون إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة الراعية للنظام السياسي العراقي الجديد أنها أي إيران لا تزال تحظى بمقبولية القوى المؤثرة في الشارع العراقي".
بعد زيارة روحاني إلى السيستاني.. الإيرانيون يريدون إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن إيران لا تزال تحظى بمقبولية القوى المؤثرة في الشارع العراقي
فيما أشار مراقبون ومحللون سياسيون إلى فقر المفاوض العراقي وطريقة نظره للمصلحة العراقية أمام المفاوض الإيراني، حيث تساءل الباحث فلاح المشعل، عن مدى جرأة المسؤولين في الحكومة العراقية في طرح ملفات تهم حياة ومصالح شعبهم، كملف تهريب المخدرات إلى داخل العراق وقطع وتغيير مسار الأنهار الحدودية، بالإضافة إلى رمي النفايات في شط العرب الذي له تأثير مباشر على أهالي البصرة والمناطق الجنوبية المحيطة الذي تشير التقارير البيئية إلى أن نسبة التلوث الذي تعتبر إيران مصدرها تسببت بموت البساتين والزراعة في مناطق أبي الخصيب والفاو والكثير من مناطق المحافظة.
اقرأ/ي أيضًا:
روحاني في بغداد.. رسائل الداخل والخارج
تصفية معلنة لحسابات طهران وواشنطن على مائدة العراق.. بومبيو "يتحرش" بالحشد