24-فبراير-2019

وزير الخارجية الإيراني مع العشائر العراقية بعد زيارة ترامب (فيسبوك)

تعكف بعض القوى السياسية على تشريع قانون لإخراج القوات الأجنبية من العراق، ويعبّر ظاهر هذه القوانين عن مفهوم وطني وحس عالٍ لدى هذه القوى بمصير هذا البلد يكون محط اهتمام وترحيب حسب النوايا، لكن من حقنا كمتابعين أن نسأل عن طبيعة هذا الحراك ومدياته السياسية المثيرة للجدل.

هل ستتفق كل القوى على شمولية إخراج "القوات الأجنبية" من العراق بما فيها القوات التي تعتبر صديقة أو لها علاقاتها الخاصّة مع القوى السياسية

على رأس هذه القوى التي تعمل على تشريع هذا القانون، هو تحالف الفتح، الجناح السياسي للحشد الشعبي، وباقي الكتل المنضوية معه، بمقابل ذلك تحالف سائرون بشقه الصدري الذي عبّر عن رأيه بهذا القانون وحسمه بشمول الجميع بما في ذلك القوات التركية والنفوذ الإيراني. لكن هل سيتفق الطرفان على شمولية الأخير، أم سنواجه منعطفًا آخر يبرر للدوافع الأساسية التي دفعتهم للشروع بالعمل على هذا القانون؟.

اقرأ/ي أيضًا: الأمريكان والحشد وسائرون.. هل يتواجهون؟

بعد الغزو الأمريكي كانت هناك جدلية ثابتة ساهمت بتدمير العراق وزادته خرابًا، وهي هل القوات الأمريكية محتلة أم أنها قوات صديقة؟ وفي الواقع أن القوى السياسية الحالية التي تبنت هذا المشروع بزعمائها كانت قد عملت جنبًا إلى جنب مع الاحتلال الأمريكي، وهي من وضعت حجر الأساس للنظام العراقي "المحاصصاتي" الحالي من دستوره إلى مؤسساته، إذًا، ما الذي تغيّر اليوم حتى أضحت قوات احتلال غير مرحب بوجودها؟! هناك أسئلة كثيرة ينبغي الإجابة عنها، ومنها الاتفاقية الأمنية سيئة الصيت الموقعة بين الجانبين "العراقي – الأمريكي"، التي تمت بموافقة زعماء القوى السياسية التي تنادي اليوم بإخراجها، باستثناء كتلة الأحرار التي يتزعمها مقتدى الصدر حيث أبدت رفضها القاطع آنذاك.

من يستطيع حسم الموقف الوطني المجرد بمثل هذه القضايا الكبرى مع التنافس الإيراني الأمريكي داخل العراق، خاصة أن الأمر بات واضحًا ولا يتعلق إطلاقًا بمصير هذا البلد، لأسباب، من أهمها الضغط الإيراني عبر ممثليه داخل البرلمان العراقي، وتحويل الأمر إلى ورقة ابتزاز ومساومة بيد إيران لرفعها بوجه أمريكا بمعنى استثناء العراق من العقوبات الأمريكية على إيران، أو تقديم مشروع القانون للبرلمان، خصوصًا وأن العراق يملك تبادلًا تجاريًا مع إيران يبلغ 12 مليار دولار سنويًا بحسب الأرقام الرسمية المعلنة، فضلًا عن النشاط المالي المتبادل الذي يبلغ 20‎%‎ من العملة الصعبة التي تباع بالمزاد العام للبنك المركزي العراقي للشركات والبنوك التي تتسرب إلى إيران عبر التهريب أو تحت غطاء التبادل التجاري والحوالات المالية.

المضحك وما يثير الريبة فعلًا، أن الرغبة بتشريع هذا القانون لم تنطلق إلا بعد زيارة ترامب المفاجئة لقاعدة عين الأسد العراقية والرد عليها من قبل وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" لمحافظات عراقية ولقاءه مع شيوخ عشائر معربًا عن عزمه طرد أمريكا من العراق من خلال تصريحه "سترحلون ونبقى".

لا يوجد عراقي يرغب برؤية قوات أجنبية دخيلة في بلده، لكن الموضوع سياسي وخارجي، وليس وطنيًا كما تحاول هذه القوى تصويره، وما يشكل خطرًا في الموضوع هو إدخال الملف الأمني في الصراع بين طهران وواشنطن وهو ما يعني، أن الطرفين سيستخدمان أوراقهما على الأرض وبالمحصلة دماء العراقيين ستكون حاضرة وتستخدم بالنيابة.

اللغة الهوجاء واللامنطقية التي لا تحتكم لأسس عقلية تشخص مصلحة العراق أولًا، ستأتي بنتائج عكسية لا تختلف من حيث الدمار الذي واجهناه إبان الفترات السابقة، نحن لا نملك دماءً رخيصة إلى هذا الحد لتكون رصيدًا لأمراء الحرب والطوائف، كما يعبر أحدهم بهذه اللغة وعن استعداده لإسالة الدم متى ما رغب مزاجه وتوفرت الإرادة الحزبية التي يتحدث باسمها لإخراج الأمريكان.

إن الخطاب الأرعن لا يمثل المصلحة العليا التي تحتاج إلى دبلوماسية ذكية تنأى بالعراق ومواطنيه عن الصراعات الإقليمية المتناحرة، ولا يمكن أن نكون وقودًا لحروب غيرنا.

لم تنطلق الرغبة بتشريع قانون لإخراج القوات الأمريكية إلا بعد زيارة ترامب لقاعدة عين الأسد والرد عليها من قبل وزير الخارجية الإيراني بلقاء شيوخ العشائر!

كان ينبغي أن يكون المشروع لتأسيس قانون وطني بامتياز وليس سياسيًا يمثل إرادة إيران من خلال نفوذها الذي يتحكم بمصير البلد، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة أن يخضع الأمر لفحص ميداني شامل من قادة الجيش، ومن هم مختصون بذلك لاطلاع الحكومة التي بدورها تقرر مدى الحاجة من عدمها وفقًا لحساب القدرات العسكرية على الأرض وحساسية الملف الأمني مع بدائل سريعة تجنبًا لحدوث فراغ أمني قد يؤدي بالنتيجة لملئه من دول أخرى كإيران أو تركيا أو أمريكا بطريقة أسوأ مما حصل سابقًا، فيما يبقى السؤال الأهم قائمًا: هل القانون يشمل الجميع بما في ذلك إيران؟ الإجابة عليه من قبل القوى السياسية هي من ستبيّن الدوافع الحقيقية للعمل على إقراره!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ترامب "يفتح النار" على قواته في العراق مجددًا

كيف استفادت إيران "حصريًا" من زيارة ترامب السرية إلى العراق؟