11-أبريل-2020

رفعت الجادرجي (فيسبوك)

غادر عالمنا يوم أمس 11 نيسان/أبريل المعماري العراقي والكاتب والتشكيلي رفعت الجادرجي الذي يلقب بــ (فيلسوف العمارة)، عن عمر ناهز الـ 94 عامًا، مساء الجمعة في لندن، وبذلك يخسر العراق والعالم العربي أهم رموز العمارة في العصر الحديث.

توفي المعماري العراقي رفعت الجادرجي عن عمر يناهز الـ94 عامًا في لندن

 ونعى رئيس جمهورية العراق برهم صالح في تغريدة كتبها على موقعه الشخصي في "تويتر" جاء فيها: "بوفاة رفعت الجادرجي، يفقد فن العمارة في العراق والعالم رئته الحديثة التي تنفست حداثة وجمالًا، لقد مارس الجادرجي العمارة بوصفها وظيفة إنسانية وجمالية، ووهبها كل حياته، عاملًا ومنظّرًا تاركًا الكثير لإرث هذه البلاد، علمًا ومباني، لروحه الرحمة ولأسرته ومحبيه الصبر". 

اقرأ/ي أيضًا: الجسد والعمارة.. سجن الأنثى واستلاب الحرية

وولد (رفعت كامل الجادرجي) في العاصمة العراقية بغداد عام 1926م، ووالده كامل الجادرجي السياسي والوزير المعروف أبان الحكم الملكي في العراق، وهو أيضًا يعد من مؤسسي الحزب الوطني الديمقراطي عام 1946م.

وعلى الرغم من كونه ابن عائلة عرفت بتاريخها السياسي العريق إلا أّنه وجد طريقه في العمارة والتشكيل، رافضًا الانتماء الى حزب والده، حيث يقول الجادرجي "إذا دخلت أي حزب سياسي فهذا يعني أنَّ التزم بمبادئ الحزب والمؤسسة، وأنا أريد أنَّ أكون حرًا دئمًا، فأنا لا التزم لا في العقيدة، ولا في الدين، ولا في شيء آخر، أنا حر".

 وعن النظام الديمقراطي يقول الجارجي "أنا أؤيد الديمقراطية في أي مكان، كما أنني أؤيد التطور نحو الديمقراطية، مهما كان هذا التطور مشوه أو مرتبك، أو عنيف، مستدركًا "لكن المهم في النتيجة هو أنَّ نصل إلى الديمقراطية مثلما حصل في أوروبا. والديمقراطية ليست انتخابات كما يتصور الناس، وأنما هي انتقالة الفرد، من الرعية، إلى المواطنة، أي من الخضوع للحاكم، إلى صاحب رأي ويسخر هذا الرأي في تنظيم حياته اليومية".  

تزوج رفعت الجادرجي من الكاتبة بلقيس شرارة، وهي من مواليد مدينة النجف عام 1933، والحاصلة على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد عام 1956. ونتيجةً لرفضهما فكرة إنجاب الأطفال، فإنهما لم يرزقا بأي طفل لاعتقادهما؛ "أنَّ الكرة الارضية لم تعد تتحمل الكثير من البشر"، فبنُيت علاقتهما على أساس الشراكة واحترام حرية واستقلالية الفرد، كما يقول الجادرجي. 

ترك الجادرجي العراق في التسعينيات، حيث عاش فترة في لبنان، لكنه استقر المطاف به في العاصمة البريطانية لندن، والتي وافاه الأجل فيها، غريبًا عن وطنه.

السجن المؤبد

في عام 1978 أصدرت محكمة الثورة الحكم بالسجن المؤبد مدى الحياة لرفعت الجادرجي مع مصادرة جميع أمواله، وكان السبب وراء سجنه هو سعدون شاكر، وزير الداخلية في عهد الرئيس صدام حسين، لكنه أفرج عنه في عام 1980، بحسب ما جاء في كتاب حياة بين ظلمتين، والذي تناول سيرة الجادرجي، بقلم بلقيس شرارة والذي صدر عام 2008 عن دار الساقي.

جوائز وتصاميم

حصل الجادرجي على جائزة آغا خان للعمارة في عام 1986.، وهي جائزة انشأها آغا خان الرابع في عام 1977 في مدينة جنيف بسويسرا، وهي تهدف إلى تحديد ومكافأة المفاهيم المعمارية التي تلبي احتياجات وتطلعات المجتمعات في مجالات التصميم المعاصر والإسكان الاجتماعي، بالإضافة إلى جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الفنون لعام 2008، وفي عام 2015 حصل على جائزة تميّز للإنجاز المعماري مدى الحياة من جامعة كوفنتري البريطانية Coventry University.

وصمم الجادرجي مجموعة تصاميم ستبقى راسخة في ذاكرة العراقيين ومعبرة عن عاطفتهم ووجدانهم وهويتهم، منها، القاعدة التي علق عليها الفنان جواد سليم نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد.

كما أنه قام بتصميم نصب الجندي المجهول الأول في الستينيات من القرن العشرين في ساحة الفردوس، هو نصب تذكاري يرمز للجنود المجهولين الذي ذهبوا ضحية الحروب في العراق، لكنه حطم بأمر رئاسي، وهو الأمر الذي ترك حسرة وألمًا في قلب الجادرجي، ووضع في مكان النصب تمثالًا لصدام حسين الذي حطم هو الآخر بعد احتلال العراق عام 2003. يقول الجادرجي، إن "المجتمع العراقي لا يحافظ على تراثه، ولطالما يتغنى أبناء هذا المجتمع بالقول نحن أبناء الحضارة البابلية، نحن أصحاب الحضارة الآشورية، نحن أصحاب الحضارة الإسلامية.. أين هي؟! اندثرت، ونفس الأمر يجري مع العمارة الحديثة الجيدة".

نصب الجندي المجهول

كما قام الجادرجي بتصميم مبنى مجلس الوزراء، والبريد المركزي، والتأمين في الموصل.

مبنى مجلس الوزراء (1975)
مصرف الرافدين (1969)

تأثرت أعمال رفعت المعمارية بحركة الحداثة في العمارة، ولكنه حاول أيضًا أن يضيف إليها نكهة عراقية إسلامية، حيث أن معظم واجهات المباني التي صممها مغلفة بالطابوق الطيني العراقي وعليها أشكال تجريدية تشبه الشناشيل وغيرها من العناصر التقليدية، كما أن الجادرجي عمل محاضرًا في جامعتي هارفارد ولندن، كما شارك بتأسيس المكتب الاستشاري العراقي الذي رفد العمارة العراقية بمشاريع ومداخلات تصميمة لعقدين من الزمن.

مؤلفاته

وللجادرجي عدة مؤلفات معظمها يدور حول العمارة والتنظير المعماري، كما حاول النظر إلى التركيبة الاجتماعية العمرانية في العالم العربي، منها:

  • شارع طه وهامر سميث، 1985

وهو كتاب حاول فيه الجادرجي تحليل الظواهر المعمارية بموجب نظرية المادية الجدلية، حيث قال إن "المحتوى المعماري ما هو إلا الوظيفة المعمارية سواء الوظيفة النفعية بشتى فروعها أو الوظيفة العاطفية بما في ذلك النواحي الأستاتيكية والتعبدية والسياسية ، بل وحتى المزاج القومي والوطني والدور التاريخي الذي يمر به المجتمع".

  •  الأخيضر والقصر البلوري، 1991

وهو كتاب ألفه الجادرجي داخل السجن، حيث يفصح فيه "عن بنية عقلية جدلية تجعل من مجال العمارة مدخلًا لدراسة المجتمع وتركيبته الاجتماعية والنفسية، وكأنه جعل من السجن مكانًا لاستعادة وتجميع الذاكرة وانهاضًا لما هو يومي في عمله وتحويله إلى لغة حسية ثقافية فكانت الكتابة تحررًا للذاكرة وللجسد معًا". 

  • مقام الجلوس في بيت عارف آغا، 2001.

وهو دراسة تحليلية للعلاقة التي يمارسها الفرد الإنسان عند تحديد هويته وتركيبها، ومن خلال تعامله مع المُصنعات كالأثاث المنزلي والأبنية في معيشه اليومي. وتبحث الدراسة في مسألتين، أولهما: كيف يحدد المجتمع تراتيبية مقام هوية الفرد نسبة إلى المُصنعات التي يتعامل معها، وثانيهما: كيف يركب الفرد مقومات هويته عن طريق تعامله مع تلك المُصنعات.

في سببية وجدلية العمارة

 صدر هذا الكتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية، وهو مجموعة من المقالات التي كتبها الجادرجي بين العامي (1995 – 2006).

  • دور العمارة في حضارة الإنسان

وهو كتاب يخاطب الجادرجي فيه الإنسان العربي وكل متلقٍ آخر بصورة عامة ليفتح أمامه الآفاق أمام فهم عميق لأهمية الرسالة الثقافية والإنسانية التي تبثها العمارة. ولعل هذا الكتاب يتبوأ الطليعة بين الدراسات التي تناولتها العمارة فنًا ورسالة. 

  • حوار في بنيوية الفن والعمارة.
  • صورة أب، الحياة اليومية، في دار السياسي كامل الجادرجي. ‫
  • صفة الجمال في وعي الإنسان (سوسيولوجية الاستطيقية).
  • حياة بين ظلمتين (وهو الكتاب الذي يحكي قصته عندما كان في السجن)

الوصية

قال الجادرجي في لقاء متلفز أجري معه عام 2014 إن "وصيتي هو أنني أحرق وليس أدفن"، مصرًا على تنفيذ هذه الوصية؛ ومعللًا ذلك بأنه لا يؤمن بالدفن، ولا يريد أنَّ يدنس الأرض، استجابة للفلسفة التي يؤمن ويرى الحياة من خلالها.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

العمارة بوصفها استعمارًا

التاريخ الضائع للتسامح الثقافي