تكفي جولة واحدة في الموصل لاكتشاف حجم التقصير في ملف الإعمار والخدمات، ففي الوقت الذي دأب أبناء المدينة على إعمار منازلهم وإعادة مصالحهم إلى الحياة، لا تزال المشاريع الكبرى والبنى التحتية الأساسية مدمرة، ومنها الجسور التي تكاد تعطل الحياة في المدينة كشرايين مقطعة.
تضم الموصل نحو 60 جسرًا ومجسرًا تعرضت للدمار على يد تنظيم "داعش" وطيران التحالف الدولي
تضم الموصل (405 كم شمال بغداد)، وحدها نحو 60 جسرًا ومجسرًا تعرضت لدمار كامل أو جزئي جراء الحرب التي خاضتها القوات المسلحة لطرد تنظيم "داعش" الذي حرص على تدمير كل ما يكمن تدميره ليترك المدينة ركامًا. أما الجسور الرئيسية فهي خمسة تعلو نهر دجلة الذي يشق المدينة إلى جانبين: العتيقة، الحرية، الثالث، الرابع، والخامس.
اقرأ/ي أيضًا: "صراع طائفي" على إرث الأموات في الموصل.. كلٌ يدعي وصلًا بـ "بنات الحسن"!
فضلًا عن تلك الجسور ترتفع جسور أخرى على نهر الخوصر الذي يخترق الجانب الأيسر قادمًا من نهر دجلة، إضافة إلى جسور ومجسرات أخرى في المناطق ذات الكثافة السكانية. وتناوب تنظيم "داعش" وطيران التحالف الدولي على تدمير الجسور، بهدف منع تقدم القوات العسكرية وهروب المواطنين، أو منع وصول الإمدادات للتنظيم المتطرف من قبل الطرف الثاني.
بعد التحرير، الذي مرت ذكرى عامه الثاني في تموز/يوليو الجاري، تم إعادة إعمار بعض المجسرات، لكنها ما لبثت أن سقطت مجددًا، مثل مجسر السويس الذي تم ترميمه مرتين خلال عام واحد لكنه سقط للمرة الثالثة، وهو نفس المصير الذي تعرض له مجسر المثنى الذي تم تهيئته كطريق بديل وسقط مرتين جراء الأمطار والسيول.
يقول المهندس إبراهيم ياسين مدير طرق والجسور في محافظة نينوى، إن "جسرين فقط على نهر دجلة تم إعادة إعمارهما من قبل وزارة البلديات الاتحادية، هما جسر العتيقة، والجسر الرابع، إضافة إلى طريق واحد لمجسر حي السكر، فيما تم وضع طرق فرعية بالتعاون مع البلدية في محاولة لإعادة الروح إلى المدينة وفك عزلة المناطق".
تضم الموصل نحو 90 حيًا في جانبيها يسكنها قرابة مليوني شخص يرتبط أغلبهم بدوام رسمي أو أعمال ومصالح تجارية والتزامات أخرى، في وقت تتسبب فيه الجسور المدمرة والطرقات المتهالكة بزخم مرور خانق يتجدد يوميًا ويعيق حركة الموظفين والطلبة وأصحاب الأعمال.
تنفذ السلطات مشاريع إعمار "فاشلة" للجسور تكلف مبالغ طائلة لكنها تنتهي بسقوطها مجددًا وسط غياب مشاريع الإعمار الكبرى "المرتبطة" بالدعم الدولي
يقول المهندس ياسين لـ "ألترا عراق"، إن "المشكلة الحقيقية تكمن في أن غالبية مشاريع إعمار الجسور تقع ضمن عرض التمويل الألماني والدعم الدولي، وتلك المنظمات والجهات الدولية تأخذ سياقًا طويلًا لتنفيذ المشاريع، ما يعطل عجلة إعمار الجسور".
من جانبه، يقول عبدالستار الحبو مدير بلدية الموصل السابق، إن "الجسور كانت مدمرة بالكامل بعد تحرير المدينة ما دفعنا إلى إنشاء طرق فرعية من بينها الجسور المؤقتة، تمهيدًا لإعادة الحياة إلى الموصل، ولكن الأمر لم يعد بالنفع الكثير"، مبينًا لـ "الترا عراق"، أن "أي موجة أمطار تطيح بتلك الجسور والطرق المؤقتة، لأنها مهيأة لفترة وقتية وليست لفترة زمنية طويلة، حيث تقع هذه المشروعات على عاتق مديرية طرق وجسور نينوى وليس البلدية".
كان الجيش قد أنشأ قبل عامين، اثنين من الجسور المؤقتة على نهر دجلة، لكنها لا تصمد خلال موسم الشتاء، حيث موجات الأمطار والسيول المستمرة، كما أنها لا تتحمل عبور الشاحنات التي تحتاج إلى جسور كونكريتية وليس جسور حديدية. في حين أن الجسرين الصالحين للمرور حاليًا هما العتيقة وهو جسر حديدي، والرابع الكونكريتي لكنه تعرض لدمار جزئي استدعى ترقيع مقترباته بأجزاء حديدية، بشكل مؤقت، كما يوضح خبير الطرق والجسور عيسى السبعاوي.
يقول السبعاوي لـ "ألترا عراق"، إن "ملف الجسور لا يؤثر فقط على حركة الناس وإنما يمثل هدرًا للأموال، حيث تسقط الجسور المؤقتة يوميًا وتحتاج إلى إدامة تكلف أموال طائلة دون فائدة تذكر"، مبينًا أن "مجسر السويس سقط مجددًا بعد إعماره للمرة الثانية، وهذا يدل أن الخلل يكمن في طريقة الإعمار بشكلها العام".
اقرأ/ي أيضًا: قصّة "الجنس" مقابل الغذاء.. شهادة حية من مخيمات النزوح في نينوى
بدورها تقول النائب عن محافظة نينوى لليال البياتي، إن "الاتكال على الجانب الدولي في ملف إعادة إعمار الجسور خطأ كبير، حيث يجب منح تلك المشاريع الحيوية للاستثمار من قبل جهات معروفة وتستطيع تقديم مزيد من الخدمات، وليس جهات استثمارية تحاول التلاعب بالأموال من خلال الحصول على تلك المشاريع"، محملة في حديث لـ "الترا عراق"، إدارة المحافظة وهيئة الاستثمار ومديرية الطرق والجسور المسؤولية عن الملف، كما أشارت إلى أن "الأمور لا تسير على طبيعتها بسبب الإجراءات الروتينية الحكومية وضعف الأداء في ملفات الإعمار بشكل عام.
وفي وقت يتبادل فيه المسؤولون الاتهامات بشأن المسؤولية عن ملف الطرق والملفات الأخرى التي تعطل الحياة في الموصل، يواجه الموظفون والطلبة أزمات يومية تكلفهم وقتًا طويلًا للوصول إلى وجهتهم. تقول موظفة البلدية منى أحمد إنها تسكن حي الأوربجية، في الجانب الشرقي حيث مقر عملها أيضًا، لكن الوصول إلى هناك يتطلب أكثر من ساعة يوميًا، نتيجة اكتظاظ الشوارع، وما يتطلبه عبور نهر الخوصر من وقت.
تؤدي الجسور المقطعة والطرق المتهالكة إلى أزمات يومية كبيرة في الموصل وتعطل الحياة والمصالح في مدينة يقطنها أكثر من مليوني شخص
أما الطالب الجامعي محمد ياسين فيقول، إن "جهود إعادة إعمار الطرق والجسور التي تقوم بها الحكومة المحلية ضعيفة، ولكن الأمر الأهم هو ما تعلن عنه وزارة البلديات ولم ينفذ حتى الآن، دون معرفة الأسباب، وهل تتعلق حقًا بالجهات الدولية الداعمة، أم بالفساد المستشري، وفي الحالتين فالمواطن هو أكبر الخاسرين".
اقرأ/ي أيضًا: