30-نوفمبر-2020

المعارضون في العراق يفتقرون للآليات في الصراع مع السلطة (فيسبوك)

إن الاعتراف بالصراع كصيغة شرعية لسير المجتمع نحو التكامل يفتح إمكانات التنوع والتعددية والاعتراف بالآخر. لكن هذه الإمكانات توقفها "ضرورة" العادات، التي تسهم السلطة في ديمومتها، لتغدو هوية راسخة لا ترى الآخر إلّا من خلال السياجات التي تحرس هذه الهوية. فيغدو الصراع خارج إجماع السلطة، وهذا ما لا ترتضيه، ذلك أن الاعتراف بالصراع يعني الاعتراف بالتنوع والتغيير، ويعني أيضًا تعدد مراكز القرار، وهذا آخر ما تفكّر به السلطة. من هنا تنظر السلطة السياسية في مشرقنا العربي إلى الصراع كمعركة تهدد وجودها، فالحكم المركزي الاستبدادي هو الحل! في وضعنا العراقي حينما تسمع كلمة "صراع" فسينصرف ذهنك إلى معارك السلطويين من أجل الحكم، بمعنى أن قاموسنا السياسي والاجتماعي يفرغ الكلمة عن مضمونها العميق ذو الأبعاد المتعددة.

لا يمكنك أن تدخل في حلبة الصراع ما لم تمتلك أدوات الصراع، ومن ضمنها العمل المؤسساتي

 يقول لويس كوسر، نقلًا عن كتاب"النظرية الاجتماعية" (إيان كريب): "من خلال الصراع يطلق النسق شحنات التوتر الكامنة فيه ويُدخل سلسلة من التعديلات في آليات عمله. بمعنى أنها وظيفة تكاملية لإنجاز المسيرة". والواضح من كلام كوسر، أن دينامية الصراع هي دينامية إبداعية تخترق الكثير من الضروريات وتستبدلها بإمكانيات جديدة، فالتوتر الحاصل هو محض تركيب بين الشيء وضده (إن شئنا استخدام مفاهيم الديالكتيك)، بمعنى أنه ليس تنافرًا سلبيًا يؤدي إلى تفتيت المجتمع بقدر ما يؤدي إلى إطلاق الإمكانيات. لكن هذه الإمكانيات تستبدلها السلطة بالضروريات، فيكون الصراع بين الإمكان والضرورة؛ فالأول يسعى حثيثًا لإيجاد معنى، في حين يسعى الثاني لإيقاف عجلة الحياة بحجة الحفاظ على النظام العام.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة السياسي العراقي في إدارة الدولة

من لم يفهم الصراع فهو فاقد للحس التاريخي تمامًا، ولا يقيم وزنًا لسير التحولات التاريخية. لذلك لا يمكن لصراع أن يثمر وهو فاقد الوعي التاريخي، إذ سيتحول إلى صراع قبلي طائفي في أحسن أحواله، وسيخلو من أي حس إبداعي بالتأكيد. لذلك (وكررناها عشرات المرات)، لا يمكنك أن تدخل في حلبة الصراع ما لم تمتلك أدوات الصراع، ومن ضمنها العمل المؤسساتي. فالسلطة ستكسب الصراع، وسيتحول كل حراك جماهيري جسرًا نحو السلطة، وسيتسلق الكثير من الأشخاص نحو المناصب باسم الحراك وباسم الصراع! بمعنى، أضحى العمل الاحتجاجي تمرينًا للمتسلقين.

لكي تظهر وظيفة جديدة، بحسب أنتوني غدنز، لا بد من الإشارة إلى الفاعلين والأفعال. فلا يمكن تفسير الشيء اعتمادًا على وظيفته. فلنوظف عبارة غدنز بهذه الصيغة: لا تكفي وظيفتك الاحتجاجية لتفسير الحدث، وإنما لا بد من أن تكون فاعلًا حقيقيًا، وأن يكون فعلك الاجتماعي والسياسي منصبًا بهذا الاتجاه. فمن الضرورة بمكان التوسع في فهم طبيعة الصراع لكي لا نتشبّه بالسلطة من حيث لا نشعر، ذلك أن السلطة، كما قلنا، لا تعترف بالصراع، بينما الفئات المعارضة تغرق في الصراع لكنّها لا تجد الخطاب السياسي المناسب. ولكي نوضح باختصار نظرية الإجماع ونظرية الصراع، سننقل نقاط المقارنة التي وضعها إيان كريب في كتابه السالف الذكر، وهي كالتالي:

نظرية الصراع

  • المصالح هي العناصر الأساسية للحياة الاجتماعية.
  • تقتضي الحياة الاجتماعية استعمال الترهيب والترغيب.
  • الحياة الاجتماعية منقسمة بالضرورة.
  • تخلق الحياة الاجتماعية التعارض والحرمان والعداء.
  • تخلق الحياة الاجتماعية صراعًا بنيويًا.
  • تفضي الحياة الاجتماعية إلى خلق مصالح فئوية.
  • التمايز الاجتماعي يعني تمايزًا في القوة.
  • الأنساق الاجتماعية غير مكتملة وتعتورها التناقضات.
  • تنحو الأنساق الاجتماعية إلى التغيّر.

نظرية الإجماع

  • المعايير والقيم هي العناصر الأساسية للحياة الاجتماعية.
  • تقتضي الحياة الاجتماعية الالتزام.
  • المجتمعات متماسكة بالضرورة.
  • تعتمد الحياة الاجتماعية على التضامن.
  • تقوم الحياة الاجتماعية على التعامل بالمثل والتعاون.
  • الإجماع هو أساس الحياة الاجتماعية.
  • يعترف المجتمع بالسلطة الشرعية.
  • الأنساق الاجتماعية أنساق متكاملة.
  • تنحو الأنساق الاجتماعية إلى الثبات.

 بالاعتماد على المقارنة أعلاه, لا أظن الطبيعة الصراعية في العراق تنحو هذا المنحى، ليس لأن المعارضين للسلطة لا يؤمنون بالتغيير، ولكنّهم يفتقرون للآليات، وهناك البعض من الفئات الاجتماعية منهمكة في تطوير الأهواء العنيفة تاركة تطوير آليات الصراع الحقيقية، فبخلافها ترتفع قيمة الاستنزاف إلى درجات غير معقولة، والنتيجة فقدان التكيف (كما ذكرت في المقالة السابقة)، ذلك أن الفئات الاجتماعية الأقل تكيفًا لبيئة اجتماعية ما يتم احتواؤها عبر تمرّد اقتصادي أو عسكري بواسطة مجتمع أفضل منه تكيفًا. هل سنتكيف مع وضعنا السياسي البائس، أم نبقى في صراع هامشي، ونستبسل في الدفاع عن وجهات نظرنا المتسرعة، ونتجاهل العمل المؤسساتي، أم نفقد القدرة على التكيف؟

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جدلية الفكر والواقع

ثقافة العشيرة: المشكلة هي الحل!