07-أغسطس-2022
احتجاجات الصدريين في المنطقة الخضراء

باتت مواقف الصدر أكثر وضوحًا (Getty)

بعد أكثر من اسبوعين على موجة التصعيد الاحتجاجي الصدري، وبعد أن لوح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بمطالب "ثورية" لناحية شكل وطبيعة النظام السياسي الحالي مع بداية دعوته إلى اقتحام المنطقة الخضراء، باتت اليوم مطالب الصدر أكثر وضوحًا وتحديدًا، لكنها تصطدم بمعرقلات قد تدفع الصدر إلى أن يلجأ إلى العصيان المدني.

تواجه مطالب الصدر التي توصف بالانقلابية عقبات كثيرة تتعلق بعوامل داخلية وخارجية

وأعلن مقتدى الصدر في كلمة مسجلة له عن رغبته بحل البرلمان الحالي وإعلان انتخابات مبكرة هي الثانية في العراق خلال أقل من عامين، أعقبها الصدر بتغريدة له، بعد حضور مجلس عزاء في بيت المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، كرر فيها مطالبه السالفة، وأكد قبول قوى سياسية وبعض "علماء الحوزة" وشرائح من المجتمع بمقترح إعادة الانتخابات.

وتباينت مواقف الطيف السياسي إزاء دعوة الصدر، فعلى المستوى الشيعي، جاءت أولى المواقف من قوى الإطار التنسيقي بإعلان الموافقة على دعوة الصدر لإجراء الانتخابات المبكرة في العراق بشرط أن تسبق بـ"العمل على احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها".

 

أما زعيم تحالف دولة القانون فأعلن هو الآخر موافقته المشروطة بـ"ما يعزز الوحدة الوطنية ويمنع تكرار ما حدث في الانتخابات السابقة التي شهدت عملات تلاعب غير مسبوق"، على حد تعبيره.

وعلى صعيد الفضاء السياسي السني، فقد بادر رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي بتأييده لدعوة الصدر "للشروع مجددًا بالمسيرة الديمقراطية وتحت سقف الدستور"، كما أكد من جهته، رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر دعمه للصدر بإجراء الانتخابات المبكرة "وفق معايير جديدة وماكنة وقوانين عادلة تسمح بمنافسة حقيقية".

بينما جاءت المواقف مترددة من القوى السياسية الكردية ممثلة بالحزبين الرئيسين "الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني"، حيث أبدى "البارتي" مخاوفه من أن تكون الدعوة إلى الانتخابات المبكرة في الظروف الراهنة "ضربًا من المستحيل" بحسب عضو الحزب مهدي عبد الكريم.

فيما يرى النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني غازي كاكائي، أن مسألة إجراء الانتخابات "عملية صعبة تتطلب الكثير من النقاشات والاستعدادات بين جميع الشركاء".

الانتخابات المبكرة.. عقبات في الطريق

حتى مع تراجع الصدر عن سقف مطالبه التي وصفت من قبل قوى سياسية بالمطالب "الانقلابية" أو "الثورية"، إلا أن مطالبه الحالية المتمثلة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة تواجه عقبات كثيرة تتعلق بتعقيدات المشهد السياسي من جهة وتنافر القوى المهيمنة فيه، وعقد قانونية لم يطرح إلى الآن كيفية تجاوزها من دون خرق الآليات الدستورية المتعارف عليها من جهة أخرى، بحسب مراقبين للشأن العام.

ما زالت الحركة الاحتجاجية للصدر محصورة بجمهوره، بينما يواجه مطلب الانتخابات المبكرة في العراق عقبات دستورية

الباحث السياسي ساطع عمار يؤشر نوعين من المطبات التي تواجه مطالب الصدر المرفوعة: "إن الحديث عن مطالب الصدر يبقى رهين الظروف الموضوعية لها، فهو يتحدث عن مطالب غير قابلة للتحقق وفق آليات الدستور وكذلك في ظل حكومة تصريف الأعمال القائمة ، فنحن أمام انسداد سياسي موضوعي لحركته، وهذا يختلف بطبيعة الحال عن ظروف تشرين التي كانت قائمة في ظل حكومة أصيلة وآليات دستورية أكثر وضوحا من الآن".

ويشير ساطع عمار في حديثه لـ"ألترا عراق" إلى أن "المطالب التي ينادي بها الصدر غير متماهية مع الواقع الفعلي لحركية الاحتجاج، فما زالت الحركة الاحتجاجية محصورة بجمهوره أولًا، وثانيًا أن الصدر لم يُقدِم على حركة تصعيدية أكثر كثافةً من إيقاف عمل مجلس النواب إلى حد هذه اللحظة".

ووفقًا للمادة 64 من الدستور العراقي الدائم فأن مجلس النواب يُحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث عدد النواب، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.

وتذكر الفقرة ثانيًا من المادة 64 أن رئيس الجمهورية يدعو، بعد حل مجلس النواب، إلى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يومًا من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلًا، وهي حالة لا تنطبق على الظرف السياسي الراهن، حيث لم تحدد المواد الدستورية آلية معينة لإجراء الانتخابات المبكرة في ظل حكومة تصريف أعمال ورئيس جمهورية بلا صلاحيات كاملة.

وعن السيناريو المفترض الذي من الممكن أن يتبعه الصدر لتجاوز العقبات التي تواجه حراكه نحو الانتخابات المبكرة التي دعا لها مؤخرًا، فيتلخص بـ"زيادة التماهي بينه وبين الحركة المدنية الاحتجاجية عبر خطوتين مفترضتين من الصدر"، بحسب الباحث السياسي ساطع عمار.

التصعيد الصدري.. هل سنشهد عصيانًا مدنيًا؟

في حديثه لـ"ألترا عراق" يوضح ساطع عمار هاتين الخطوتين: "الأداة التصعيدية الأهم في هذه الفترة لزيادة التماهي بين حد المطالب وحد الاحتجاج ـ لأننا نتحدث هنا عن مطالب ثورية تفترض على الأقل تعطيل العمل بالدستور ـ هو العصيان المدني"، مبررًا ذلك بأن "جمهور التيار الصدري فيه نسبة كبيرة من الموظفين وما يساعد في ذلك هو التحالف بين الصدر ورأس الهرم الإداري في الدولة المتمثل بمجلس الوزراء".

قد يلجأ الصدر إلى العصيان المدني في حال أصر الإطار التنسيقي على عدم الاستجابة لمطالبه

والباحث أن الخطوة المفترضة الثانية مرهونة بـ"بتقديم مقتدى الصدر أنموذجًا عمليًا لعدالة انتقالية مع الحركة المدنية الاحتجاجية، فمن دون هذه الخطوات سنكون أمام تناقض واضح في سلوك وخطاب الحركة الصدرية والتي قد تصنع نقصًا بالثقة في ديمومتها".

وفي ظل تباين مواقف القوى السياسية إزاء دعوة الصدر للانتخابات المبكرة، وبين اشتراطات تبدو لكثيرين محاولةً لتفريغ دعوة الصدر من محتواها كخطوة لإعادة هيكلة المنظومة الانتخابية التي أدت إلى ما بات يعرف بـ"الانسداد السياسي"، يتساءل مراقبون حول المديات التي من الممكن أن يتخذها المسار التصعيدي الصدري.

المحلل السياسي باسل حسين يرى أن "المسار التصعيدي للصدر آخذ بالتراجع، لكن مما لا شك فيه أن عدم استجابة أطراف الإطار التنسيقي ربما ستجبر الصدر على المضي إلى الأمام بما يفسح المجال للتوقعات بمسار تصعيدي أكبر".

أما عن تكهنات بعض المراقبين حول إمكانية أن يلجأ الصدر إلى العصيان المدني كخطوة تصعيدية في سياق ضغوطاته على القوى السياسية، يقول باسل حسين في حديثه لـ"ألترا عراق" إن "فكرة العصيان المدني أخذت بالتداول في مفردات الصدريين مؤخرًا، لكن هذا الخيار مقترن بمدى استجابة الإطار التنسيقي لمبادرة الصدر ولا شك أنه سيكون أحد خيارات الصدر ولتياره مستقبلًا".

وفي حال مضي الصدر نحو خيارات تصعيدية من قبيل إعلان العصيان المدني، فلن تكون هي المرة الأولى التي يسلك فيها زعيم التيار الصدري هذا المسار، إذ سبق وأن دعا إلى ذلك تزامنًا مع اندلاع احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019.

ولكن قدرة مقتدى الصدر على مواصلة مساره التصعيدي هذا محددة بعدد من العوامل التي قد تقيد حركته نسبيًا، بحسب المحلل السياسي باسل حسين الذي يرى أن "امتناع القوى التشرينية عن الاستجابة لحراك الصدر أحد أهم تلك العوامل".

ويعلل حسين ذلك بـ"خشية القوى التشرينية من الدخول في صراع سلطوي لا ناقة لهم فيه ولا جمل من جهة، وبسبب التقاطعات التي حدثت بين القوى التشرينية وأنصار الصدر أثناء حراك تشرين والذي خلق نوع من  انعدام الثقة بينهما".

حراك الصدر.. ما دور أمريكا وإيران؟

محددات أخرى داخلية وخارجية، تقيّد حركة زعيم التيار الصدري بشكل أو بآخر، فحسب باسل حسين فأن "الداخلية هي التي تتعلق بالخشية من حدوث اقتتال شيعي شيعي، وأيضًا عدم الرغبة في دخول صراع نهايته غير محسومة، أما الخارجية فلا شك أن للتأثير الإيراني ودعمه لقوى الإطار التنسيقي أثر كبير على الرغم من انقسام السياسة الإيرانية بين فريقين أحدهما فريق الحرس الثوري، والآخر الإطلاعات"، علاوة على  أن "المجتمع الدولي لا يرغب في تحولات كبيرة في العراق ربما تقود إلى عدم استقراره لا سيما وأن الاهتمام الدولي منصب الآن على الحرب الروسية - الأوكرانية، وتصاعد حدة الصراع بين الصين والولايات المتحدة".

يرى مراقبون أن المعادلة الداخلية أصبحت أكثر تأثيرًا في العراق؛ فيما يعتقد آخرون أن المجتمع الدولي وإيران لا يريدان تحولات كبيرة في العراق

وعلى العكس من التحليلات المطروحة حول التأثير الكبير للمعادلة الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الحالة العراقية، يعتقد مدير مؤسسة "جالوب الدولية" في الشرق الأوسط منقذ داغر، أن المعادلة الداخلية هي المؤثر الأكبر على ما ستصير إليه الأزمة الحالية.

ويعتقد داغر أن "المعادلة الدولية والإقليمية فقدت أهميتها السابقة، فحلفاء إيران مشتتون، وهي الآن حائرة بين إصرار مقتدى الصدر وبين انقسامات الإطار التنسيقي، ولا أعتقد أن لها القدرة على السيطرة على الجماعات المرتبطة بها"، مضيفًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الولايات المتحدة الأمريكية لم يبقى لديها حلفاء أقوياء، قد تكون علاقتها جيدة مع السنة والكرد ولكن حتى هؤلاء لن تؤثر بهم".

وكانت الخارجية الإيرانية قد أعلنت مع بداية نشوب الأزمة السياسية الحالية وإعلان الصدر الاعتصام في مبنى البرلمان، عدم تدخلها في مجريات الأزمة، معتبرة أنها "شأن عراقي داخلي"، بينما قالت السفارة الأمريكية إنها "تراقب وتؤيد حق التظاهر السلمي وحل الخلافات تحت سقف الدستور".

أما عن قدرة المعادلة الداخلية العراقية على تفكيك الاشتباك الحاصل بين القوى السياسية وصولًا إلى حلول مفترضة، يقول منقذ داغر: "لا أعتقد أن في الأفق حل ممكن إلا إذا تم عزل جناح المالكي من قبل قوى الإطار، فهنا ممكن أن يكون هناك حل أو تهدئة للأوضاع، لكنها ستعود لتثور مرة أخرى بعد فترة إذا ما بقيت المعطيات الحالية".