07-أكتوبر-2020

من المسيرات التي استذكرت مرور عام على احتجاجات تشرين (Getty)

قبل الاحتجاجات التي خرجت في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2019، لم يكن الحديث عن ظاهرة "السلاح المنفلت" على سبيل المثال، حاضرًا في الأروقة السياسية والشعبية، كما لم تكن هناك مطالب كثيرة يتمّ التعامل معها بشكل جدي سواء في مجلس النواب أو مجلس الوزراء، لكن "انتفاضة تشرين" فتحت ـ وفقًا لمراقبين ـ مساحة جديدة داخل النظام السياسي أصبح للناس صوتًا فيها. 

يعتقد نشطاء أن واحدة من الدوافع التي أنتجت انتفاضة تشرين هي المحسوبية والمحاصصة في توزيع الوظائف

وبعد مرور عام على اندلاع الانتفاضة، تطرح أسئلة في الأوساط الشعبية عن جدوى استمرارها وما الذي حققته وما هي أسباب الإصرار، مع سقوط أكثر من 20 ألف بين قتيل وجريح، خصوصًا وأن قوى "اللادولة" على حد تعبير رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، لا زالت موجودة، مع استمرار استهداف النشطاء والمتظاهرين في المحافظات العراقية. 

دوافع الاحتجاج

يعتقد الناشط يوسف الخفاجي أن ما جرى هو "مصير حتمي"، مبينًا أن "مشاهدة الاقتتال ومظاهر العنف الوحشية طيلة 17 عامًا، ووصولًا للقمع المفرط لمتظاهري انتفاضة تشرين حتمًا له انعكاسات سلبية على الذات الإنسانية العراقية، مما يجعلها شبه الداخلة في المعادلة وأنه مصير حتمي لمستقبلها"، ويقول الخفاجي لـ"ألترا عراق"، إن "المشاركة في انتفاضة تشرين ليس تفويضًا بالنسبة للشباب، بمعنى لا توجد مساحة كافية للتفكير؛ فالكم الهائل من الأكاذيب والوعود السياسية الساذجة لم يعد لها متسع من التقدير أو الصبر والتصبير من قبل المواطن أو الفرد العراقي، موضحًا "لا يمكن الحديث عن انتفاضة تشرين والمشاركة فيها دون الالتفات للعامل النفسي المتأزم للمواطن يومًا بعد آخر". 

اقرأ/ي أيضًا: العراق في المؤشر العربي: تأييد ساحق للاحتجاجات.. ورفض قاطع لـ"إسرائيل"

وحول الدوافع الرئيسية التي انتجت انتفاضة تشرين، أضاف الخفاجي "لقد قتلنا ببطء مشهد العائلة الجاهلة وهي تتربع على مناصب ضخمة في المؤسسات الحكومية، وصاحب الشهادة العليا يطالب بالتعيين أسوة بالآخرين! أي أسوة بالجاهل أو غير المتعلم، فهل يوجد أكثر من ذلك سخرية للقدر؟ وكيف لا يشارك في انتفاضة تشرين وهو يقتل كل يوم بهذه المشاهد؟". 

كما يعتقد الخفاجي أن "هناك قناعة جديدة ومنطقية تطفو على السطح، وترفع منسوب العبث السياسي لو صح التعبير عن الحالة السياسية، فماذا يعني أن (السياسة) في عام ٢٠٢٠ تقتل الشعوب وتصادر مستقبلهم إلى المجهول؟! إنها لا تعني غير أنها لم تكن حالة سياسية في الأصل، وعبّر المحتجون عن ذلك بشعار (الشعب يريد إسقاط النظام) لإيمانهم أنه هدّام ولن ينتج عنه غير مزيد من الإسراف البشري والاقتصادي".

تشابه الأدوار في السلطة

تتفق الأكاديمة هناء جبار مع الخفاجي فيما يخص انعدام جدوى الخوف بمقابل غياب الإنجاز الحكومي على مستوى الأمن والاقتصاد، قائلة إن "انتفاضة تشرين ساهمت  بشكل كبير بإزاحة حاجز الخوف والتردد لأن الجيل التشريني لم يعش ظروف النظام السابق وهيمنته ونظامه السلطوي الفردي المرعب آنذاك، مشيرة إلى أنه "جيل لا يعرف شيئًا اسمه خوف ممن يسلب الحقوق ويتجاوز عليهم، وينظرون إلى السلطة مجرد أشخاص يمتلكون المال والسلاح  وبغيرها هم بلا قيمة، فلهذا أن الشباب لا يحترم من في السلطة".

وتتحدث جبار عن الدور الحكومي في النظام السياسي من حيث عدم الاختلاف في إدارة البلد لحكومة مصطفى الكاظمي عن أسلافه؛ مبينة لـ"ألترا عراق"، أنه "لا يختلف عمن سبقه وأنه مكبل بقيود وإرادات الأحزاب والكتل، ولا يملك الجرأة والشجاعة لفتح ملفات الفساد بشكل جدي، والقبض على كبار الفاسدين والقتلة، معتقدة أن "حكومة الكاظمي فقدت مقبوليتها، وهناك من كان يتصور أنه  سيكون المنقذ وبوابة للحل، مستدركة "لكن يبدو أنه يساهم في تعقيد المشهد أكثر".

من الاحتجاج إلى السلطة

ويرى الأكاديمي أياد العنبر، أن هناك منظومة سياسية تتغذى بوجودها على هذا النظام، والذي أشار في حديثه لـ"ألترا عراق"، إلى ضرورة أن "تنتقل حالة المعارضة إلى المشاركة بالسلطة من خلال تشكيلات منظمة لتكون شريكةً في القرار ورسم الخطوط العامة للدولة، لافتًا إلى "أهمية أن يتحول التحشيد من الاحتجاج إلى التثقيف للمشاركة بالانتخابات بدلًا من استمرار التشكي وحالة الشعور بالاستلاب". 

ويشكّك العنبر بـ"قدرة حكومة الكاظمي على تصفير المشاكل التي تواجهه على المستوى السياسي والأمني وحتى الاقتصادي، معتبرًا أن "الكاظمي عاجزًا أمام الكتل السياسية، وعليه أن ينشغل بملف الانتخابات المبكرة بدلًا من تشتيت الجهد بلا نتيجة، لافتًا إلى أن "الكاظمي يعتبر جزءًا من هذه المنظومة السياسية ولولا اتفاقها كقوى حزبية تمتلك القرار لم يكن اليوم على رأس السلطة وما يقال على أنه خيار الساحات ليس صحيحًا". 

وعن حصر السلاح بيد الدولة وتحييد دور الجماعات المسلحة، يرى العنبر أن "الحديث عن المواجهة التي يروج لها في الإعلام غير ناضجة لأن الكاظمي لا يملك ترف الخيار بين المواجهة من عدمها، وهذه النقطة تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لا تتعلق فقط بما هو موجود في الداخل، بل على المستوى الخارجي المتمثل بوجه الصراع الأمريكي الإيراني، وبذلك ستبقى مطالب الكشف عن قتلة المتظاهرين حبيسة الاتفاق والتفاهم على كبش الفداء وحسب". 

منافسة بانتظار النتيجة

ومنذ اندلاع الاحتجاجات في العراق، قتل العديد من النشطاء والمتظاهرين والصحفيين، وهو ما أدى إلى أن يرفع مطلب الكشف عن القتلة في ساحات التظاهر، وعلى ضوء ذلك تقول الناشطة شهد حكيم، إن "الدوافع التي جعلتنا نشارك في تشرين الماضي هي ذاتها التي تدفعنا اليوم للاستمرار لأن شيئًا ملموس لم يتحقق بعد، خصوصًا مطلب الكشف عن قتلة المتظاهرين، مضيفة أننا "ننتظر دورًا حازمًا من حكومة الكاظمي لمنحه ثقتنا، والفرصة مؤاتية لتوظيفها بشكلها الصحيح وتقويض جماعات السلاح ، فيما لفتت إلى أن "خلايا الصواريخ والكاتم تخوض منافسة ميدانها دماء المتظاهرين، ونحن ننتظر النتيجة قبل فوات الأوان وبعدها ستنفد أوراق الكاظمي ويغدو كأسلافه ليواجه مصير عبد المهدي". 

تقول الناشطة شهد حكيم إن مطالب انتفاضة تشرين كانت خارطة طريق نحو إعادة هيكلة الدولة والشروع بخلق نموذج جديد بالرغم من المصدات والتسويف

وحول جدوى انتفاضة تشرين، قالت حكيم إن "كل التراكمات التي تكدست بسبب فشل النظام السياسي ساهمت بولادة تشرين لتكون صالة الترفيه النفسي للتعبير عن الغضب والامتعاض من الأداء الفاشل لمنظومة الأحزاب الحاكمة وكانت مطالبها خارطة طريق نحو إعادة هيكلة الدولة والشروع بخلق نموذج جديد بالرغم من المصدات والتسويف، إلا أن السلطة لا تملك ترف الخيار وليس أمامها سوى الإذعان والقبول بما تهتف به حناجر الشباب، مبينة "لسنا مبالغين ونعي حجم الخطر والتعقيد ولسنا حالمين كما يتنمر علينا البعض من جمهور السلطة ويطاردنا حتى بأحلامنا، ونعرف جيدًا أن الخارطة تحتاج لوقت ليس بالقصير لتكون منطقية وتأخذ حيزًا للشعور بالتغيير". 

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة تشرين: الموت من أجل الحياة

فيما يتفق المتظاهر علي منعم، مع حكيم، بقوله إن  صرخة تشرين كانت لإعادة هيكلة الدولة والمؤسسات من جديد"، مضيفًا لـ"ألترا عراق"، أن "الذي دفع الشباب للمشاركة هو الدافع الاقتصادي بالدرجة الأولى، كون غالبية المتظاهرين من حملة الشهادات، والبقية ما زالوا في مرحلة الدراسة، فكل هذه العوامل تشكل مرحلة للانقضاض على السلطة بكل مسمياتها، معتقدًا أن "الدافع الاقتصادي المحرك الاساسي للانتفاضة، خصوصًا وأن هناك 5 ملايين عاطل بين العراقيين، بالإضافة إلى عوامل ثانوية كالخدمات والمرافق الصحية، لافتًا إلى أن "الإحساس الأهم هو مسألة استعادة الهوية الوطنية التي باتت تفقد رونقها ورمزيتها بين الناس".

يقول منعم إن "السلطة السياسية منذ 2003، لم توفر أي سُبل الراحة للمواطن العراقي، كذلك فقدان الثقة الكاملة بكل بارقة أمل، تمسك بها الفرد العراقية، طيلة هذه السنين، مشيرًا إلى أن "التظاهر والضغط على الحكومة والسلطة السياسية برمتها، هي الورقة الوحيدة المتبقية، مبينًا أن "كل الحلول سقطت مع أول شهيد (محمد حبيب الساعدي)". وعن شعار "إسقاط النظام" نوه منعم إلى أن "مسألة إسقاط النظام بالوقت الحالي هي قضية شبه مستحيلة، لعوامل عديدة، يصعب شرحها الآن، وحاليًا ينبغي التركيز على مسألة الضغط المستمر والتشديد على المطالب الرئيسية لأنها ستكون ورقة ضغط كبيرة على السلطة الحاكمة وهي التي ستعزز من رضوخها لمطالب المحتجين".

وكان المحتجون في ساحات التظاهر، أحيوا مناسبة مرور عام على بدء تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر 2019  بمسيرات تستذكر ما حصل من خلال إيقاد الشموع ورفع صور الضحايا. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

استذكار للضحايا ووعود بالعودة.. ناشطون يحيون الذكرى السنوية لانتفاضة تشرين

مع حلول تشرين.. العراق على أبواب موجة من الاحتجاجات