11-أبريل-2019

كان عبد المهدي أول من رفع حصة كردستان من الموازنة (فيسبوك)

في الأيام القليلة التي أعقبت تكليف رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بمنصبه في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أبدت أطراف سياسية مخاوف من حصول الأحزاب الكردية على "مكاسب كبيرة" من "الصديق القديم"، مشيرة إلى قرارات اتخذها خلال توليه مناصب مهمة في حكومات سابقة، في القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل، كانت لصالح إقليم كردستان.

كان عبد المهدي أول من رفع نسبة إقليم كردستان من الموازنة العامة إلى 17% خلال حكومة إياد علاوي الأولى بعد الاحتلال، وأول من منحه حق تصدير النفط دون العودة لبغداد

من أبرز تلك القرارات، تحديد عبد المهدي حصة الإقليم في الموازنة المالية الاتحادية بنسبة 17% منها، عندما كان وزيرًا للمالية في حكومة إياد علاوي الأولى (2004-2005)، رغم أن نسبته المعتمدة لدى الأمم المتحدة منذ العام 1991 ولغاية العام 2003 كانت 12.3%، لتتحول النسبة الجديدة إلى "عرف" أصرت عليه الأحزاب الكردية ولاتزال.

اقرأ/ي أيضًا: من سيكون رئيس كردستان القادم.. وكيف سينتخب؟

بعد عدة سنوات، منح عبد المهدي عند توليه وزارة النفط في حكومة حيدر العبادي السابقة، حكومة كردستان حق التصرف بالنفط وتصديره "دون الرجوع لبغداد"، قبل أن يستقيل من منصبه في آذار/مارس 2016.

اليوم، وبعد عدة قرارات وخطوات اتخذها عادل عبد المهدي، كرئيس للحكومة الاتحادية، بشأن الاقليم ومنافذه ونفطه ورواتب موظفيه وقواته العسكرية، عادت تلك المخاوف إلى الواجهة من جديد، ومعها حديث عن "التفريط" بمصالح العراق الوطنية، وإمكانية التسبب بـ"إندلاع حرب مستقبلية في كركوك".

"تعطيل لموانئ البصرة وإنعاش لمنافذ كردستان"

في 21 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، قرر مجلس الوزراء في جلسة اعتيادية برئاسة عبد المهدي، توحيد التعرفة الجمركية في كافة المنافذ الحدودية بما فيها إقليم كردستان، رافعا بذلك نقاط جمركية بين محافظات الإقليم (أربيل، السليمانية، دهوك) وبقية المحافظات العراقية، لاستيفاء رسوم على السلع المارة منها، لمساواة التعرفة بين المنافذ الشمالية، التي كانت أقل، وبين المنافذ الوسطى والجنوبية.

المسؤولون الكرد في حكومة إقليم كردستان، رحبوا بالقرار، وأكدوا أنه "يحفظ وحدة العراق"، دون أن يطبقوه حتى الآن، حيث لا تزال التعرفة الكمركية أدنى في منافذ الإقليم، منها في منافذ الوسط والجنوب التي التزمت بقرار الحكومة، الأمر الذي دفع التُجار الى تفضيل المنافذ الشمالية وهجر موانئ البصرة، حسب عمال فيها، أكدوا، خلال الشهر الجاري، توقف أعمالهم، مُطالبين إما بتوحيد التعرفة، أو إعادة النقاط الجمركية التي رفعها القرار.

وأكد النائب عن محافظة البصرة فالح الخزعلي في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، تأثر موانئ المحافظة بسبب "عدم وجود سيطرة كاملة" على منافذ إقليم كردستان، "التي تملك أيضا 5 منافذ غير أصولية وعشرات المعابر غير النظامية مع دول الجوار، تتسبب، إضافة إلى "هدر عشرات المليارات يوميًا بالحاق الضرر بالمنتج المحلي نتيجة دخول محاصيل زراعية ممنوعة من الاستيراد، عبرها"، داعيا عبد المهدي إلى "تحمل مسؤولياته تجاه ذلك".

تواجه حكومة عبد المهدي اتهامات بغبن محافظات الوسط والجنوب وخاصة البصرة مقابل منح حقوق مالية وامتيازات للكرد، وكانت تلك الاتهامات من بين دوافع الدعوة إلى إقليم البصرة

وعاد الخزعلي في 28 شباط/فبراير الماضي، ليتهم الحكومة الاتحادية بـ "السعي إلى تحويل الحركة التجارية إلى الشمال وإلى ميناء العقبة الاردني على حساب البصرة وأهلها". في إشارة أيضًا إلى الاتفاقيات الأخيرة بين بغداد وعمان.

بدورها، أقرت الهيأة العامة للجمارك، في بيان أصدرته في 7 نيسان/أبريل الجاري، بحصول "انكماش" في مؤانى البصرة عقب قرار توحيد التعرفة الجمركية، وفيما أشارت إلى أن الحركة "فيها طبيعية حاليًا"، أكدت أنها تتابع مع جهات حكومية أخرى لـ"مراقبة تنفيذ القرار من قبل منافذ إقليم كردستان".

ونتيجة لتفشي الفساد البطالة والفقر والأمراض السرطانية وانعدام الخدمات في جنوب العراق، وخاصة البصرة، يسود شعور بين المواطنين هناك بالتهميش، مع ما تقدمه محافظاتهم من موارد تشكل أكثر من 90% من قيمة الموازنة المالية الاتحادية، ما دفع إلى مطالبة كثيرين من أهالي البصرة بتحويل محافظتهم إلى إقليم، بعد أن "عجزت" بغداد عن تحسين ظروفهم المعيشية والخدمية، دون خطوات حقيقية حتى الآن على الرغم من التظاهرات والاحتجاجات المستمرة، وفق مواطنين.

إصرار البصريين، دفع مجلس المحافظة إلى التصويت، يوم الإثنين الأول من نيسان/ أبريل الجاري، لصالح تحويل المحافظة إلى إقليم، وشكّل لجنة لمتابعة الأمر، قبل أن يحذر زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر من أن ذلك "يسهل احتلالها من قبل الطامعين من الداخل والخارج، وسيمعن مسؤولوها في السرقة والفساد والظلم".

"زيادة غير مبررة في الرواتب وشكوك حول مصيرها"

ثاني قرارات حكومة عادل عبد المهدي بشأن كردستان، تمثلت بزيادة رواتب الموظفين هناك بمقدار 50% عما كان معتمدًا في الحكومة السابقة، التي أرسلت بحسب رئيسها حيدر العبادي، لُجنة "مهنية وحيادية" الى الإقليم وتوصلت بعد حصولها على معلومات من الموظفين، الى "مستوى مناسب من الرواتب"، اعتمدته بغداد في صرفها لهم العام الماضي.

 

أبدى العبادي في مقابلة متلفزة أجريت معه في 23 آذار/مارس الماضي، استغرابه من هذه الزيادة التي بلغت "ترليون و600 مليار دينار"، دون زيادة حكومة كردستان لإيرادات النفط التي يجب أن تسلمها بالمقابل إلى بغداد، متسائلا عن مصير هذه الأموال والجهات التي ستصل اليها، ملمحًا، على ما يبدو، إلى اتهامات كانت قد وجهت إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، من قبل نواب كُرد، وخاصة اعضاء حركة التغيير، بـ"سرقة وارادت الإقليم من تصدير النفط"، مؤكدين أنها "لو وزعت بشكل عادل لأخذ جميع موظفيه رواتبهم، ولما مرت بهم أزمة اقتصادية".

كشف رئيس الحكومة السابقة حيدر العبادي على منح حكومة عبد المهدي زيادة بمقدار 50% على المبالغ التي خصصتها حكومته كرواتب للموظفين الكرد

وفقًا لموازنة العام الجاري التي صوت عليها البرلمان في 23 كانون الثاني/يناير الماضي، توجب على بغداد إعادة صرف حصة إقليم كردستان التي لم يحصل عليها في موازنة عام 2018، وكانت تقدر بين 12.7 و17%، ودفع رواتب جميع موظفيه بما فيهم قوات البيشمركة، فيما أكد النائب عن حركة "الجيل الجديد" الكردية سركوت شمس الدين، أن "الحكومة الاتحادية ستدفع هذه الرواتب سواء قام الإقليم بتصدير 250 ألف برميل يوميًا عبر شركة سومو أو لم يقم بذلك".

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: استفتاء كردستان العراق.. تداعياته ومستقبل الأزمة

النائب عن كتلة الحكمة النيابية علي البديري، أكد عقب يوم واحد من تمرير البرلمان للموازنة، أن "الاقليم حصل على أكثر من حقوقه مقابل غبن لمحافظات الوسط والجنوب الذين كُتب عليهم أن يكونوا دائما هم المضحين بأموالهم وثرواتهم وأرواحهم، ليعتاش البقية على خيراتهم دون إنصاف أو عدالة"، مبينا أن "حصة كردستان بعد الإضافات التي وضعت ضمن الموازنة سواء بدفع رواتب الموظفين او تخصيصات البيشمركة بلغت أكثر من 20%".

في المقابل، أعرب نوابٌ ومسوؤلون كرد عن رضاهم على حصة الإقليم من موازنة 2019، فيما أكدوا سعيهم لـ "استحصال كامل حقوق كردستان".

إسقاط دعاوى ضد تصدير كردستان للنفط

الحكومة السابقة، وضمن الإجراءات التي ردت بها على استفتاء الإقليم للانفصال عن العراق، رفعت دعوتين قضائيتين، الأولى إلى المحكمة الدولية ضد تركيا لشرائها النفط من كردستان، والثانية إلى المحكمة الاتحادية العليا العراقية لتأكيد عدم دستورية تصدير أربيل للنفط. لكن عبد المهدي أوقف الأولى وفق مصادر سياسية، ولم يقدم لائحته بخصوص الثانية فتم تأجيلها إلى آيار/مايو المقبل.

ونقلت وسائل إعلام أجنبية عن مصادر عراقية مُطلعة قولها، في 2 نيسان الجاري، إن "عبد المهدي أوقف الدعوى ضد تركيا، بوساطة من زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، بعد أن وصلت الى مراحل متقدمة خلال العاميين الماضيين"، مبينة أن "بغداد كان من المتوقع أن تحصل نتيجة الدعوى على تعويض قيمته 26 مليار دولار".

لكن رئيس الوزراء نفى ذلك، خلال مؤتمر الصحافي في 2 نيسان/أبريل، مؤكدًا أن الدعوة لازالت قائمة وهناك جلسة استماع في يوم 26 من الشهر الجاري، لكنه لم يستبعد التوصل إلى تسوية بشأنها، مشيرًا إلى أن "هذه القضايا تأخذ سياقها وقد تأتي محاولات التسوية مع الوقت، أو نمضي إلى قرار الحكم".

كشف مصادر عن إسقاط حكومة عبد المهدي دعوى ضد تركيا بشأن تصدير نفط كردستان كانت قد تجلب تعويضات بقيمة 26 مليار دولار، لكن عبد المهدي نفى ذلك

من جهته، أعلن المتحدث باسم المحكمة الاتحادية إياس الساموك، في 4 نيسان/أبريل الجاري، تأجيل دعوى طعن الحكومة الاتحادية السابقة بعدم دستورية استخراج اقليم كردستان للنفط وتصديره مباشرة، الى  7 آيار/ مايو المقبل، لعدم تقديم وكيلي رئيس مجلس الوزراء الاتحادي عادل عبد المهدي، ورئيس مجلس الوزراء في الاقليم نيجرفان بارزاني لائحتيهما بشأن الدعوى.

وأشار الساموك الى تقديم وكيل وزير المالية الكردي فؤاد حسين لائحة بتوقيع الأخير طلب فيها "استئخار الدعوى لحين تشريع قانون النفط والغاز".

ألمح حيدر العبادي، خلال تلك المقابلة المتلفزة، الى أن الجدوى الوحيدة من قرارات عبد المهدي هي خدمة الأحزاب الكردية فقط، مشددًا على أن "هذا الأمر فيه تنازل عن مصالح وطنية، وظلم للمواطنين الذين يجب أن نكون منصفين معهم، سواء كانوا من الكرد أو بقية المكونات".

قرارات قد تؤدي إلى حرب!

وبعد عودة رئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني إلى أربيل، من زيارة أجراها، إلى بغداد في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، التقى خلالها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، كشف عن توصل الطرفين إلى أن "حل مشكلة المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل يجب أن يكون من خلال الدستور والمادة 140 منه المتعلقة بهذه المناطق"، مشددًا على "هوية كركوك الكردستانية".

كما نقلت وسائل إعلام عربية، عمن وصفته بـ "مسؤول قريب من مكتب عبد المهدي" قوله، إن "بارزاني ركز في اللقاء على موضوع عودة البيشمركة إلى كركوك، وأكد أنّ عودة البشمركة بنسبة معينة ستقلل من حدة الخلاف وتسهل من حل الأزمات العالقة بين بغداد وأربيل"، لافتًا إلى أن "الطرفين متقاربين في وجهتي نظريهما تجاه حل هذه الأزمات، وأنّ الاجتماع كان متميزًا، بما يؤشر إلى صفحة جديدة من العلاقات المشتركة".

عقب ذلك، وفي 23 يناير/ كانون الثاني 2019، أعلن جهاز مكافحة الإرهاب صدور أوامر إليه بالانسحاب من كركوك، وتكليف لواء خاص بمهامه، التي بدأت منذ عمليات فرض القانون، في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وإجبار قوات البيشمركة على التراجع إلى الخط الأزرق، حدود الإقليم قبل 2003، كرد على إجراء الاستفتاء، وأدى الجهاز دورًا أساسيا فيها.

حذر العبادي من "حرب" في كركوك في حال "العودة إلى الوراء" بهذه القضايا وبشكل غير مدروس كما في السياسات السابقة، التي مكنت من امتداد رقعة كردستان

وبعد جدل ولغط أثارته هذه الخطوة ومعانيها، أصدر الاعلام الأمني بيانًا، أكد فيه "وجود خطط معدة من قبل قيادة العمليات المشتركة لإعادة الانتشار"، موضحا أن "جهاز مكافحة الإرهاب في كركوك تم استبداله باللواء 61 من الفرقة الخاصة".

وعندما سُئل حيدر العبادي، عن رأيه بتعامل حكومة عبد المهدي مع قضية كركوك وحكومة كردستان، قال: "لم يحصل الشيء الكثير حتى الآن"، محذرًا من "العودة الى الوراء بهذه القضايا وبشكل غير مدروس كما في السياسات السابقة، التي مكنت من امتداد رقعة الإقليم".

العبادي، الذي رآى مكتب بارزاني انه "يريد، بكلامه هذا، تخريب الأجواء الإيجابية التي سادت العلاقات بين الإقليم وبغداد بعد الانتخابات الأخيرة، خدمة لأغراض فردية خاصة به"، أشار في المقابلة الى أن "عدم الاهتمام والتركيز على المواضيع الاستراتيجية والتمسك بوحدة البلاد يساهم بتدمير العراق"، فيما حذر بالقول: "من يتوقع أن التساهل بهذه القضية يقوي البلاد فهو مخطئ وسيدمر البلاد، وسيؤدي إلى تنازع قومي بمحافظة كركوك وحرب قادمة في المستقبل".

كما استنكر أيضا، "خدمة الأحزاب السياسية عن طريق منح المحافظة الفلانية لهذا الحزب، والمحافظة الأخرى للحزب الثاني، من أجل الاستمرار في المنصب".

أدافع عن حقوق كردستان أكثر من الكرد أنفسهم!

نائب رئيس البرلمان بشير حداد، الذي رشحه الحزب الديمقراطي لهذا المنصب، نقل في ندوة عُقدت في 27 أبريل/ شباط الماضي، عن عبد المهدي قوله لقيادات كُردية لم يحددها، إنه "يدافع عن حقوق إقليم كردستان أكثر من الكرد أنفسهم".

يقول الخبير السياسي غسان عبد الرزاق عن تحركات عادل عبد المهدي، إن "الكتل التي دعمت عبد المهدي وأوصلته إلى رئاسة الحكومة، تنصلت عن دعمه، وتتصارع على تحقيق مكاسب سياسية، ما تسبب بإحراجه وعدم قدرته على إكمال تشكيلته الحكومية".

يعزو مختصون "انحياز" عبد المهدي إلى الكرد إلى تخلي الكتل السياسية التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة عن دعمه، والتصارع على تحقيق مكاسب سياسية

أوضح عبد الرزاق في تصريح صحافي سابق، أنّ "هذه الضغوط دفعت عبد المهدي للتوجه نحو الجانب الكردي بحثًا عن جهة تدعمه، وبالتأكيد فإنّ كل جهة سياسية تسعى لتحقيق مكاسب، الأمر الذي منح الكرد فرصة تمرير مطالبهم"، مؤكدا أن "هذه الأجواء السياسية ستنعكس سلبًا على كركوك، وأنّ إعادة سيطرة الكرد عليها أمر أصبح واردًا، إلّا في حال تحملت الكتل السياسية مسؤوليتها وأعادت دعمها لعبد المهدي".

ولم يتسنى لنا الحصول على تعليق أو رد من الحكومة على ما ورد في التقرير من اتهامات لها ولرئيسها، لعدم تعيين متحدث رسمي باسمها حتى الآن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا حصل مع جهاز مكافحة الإرهاب في كركوك؟.. إجابات من مصدر خاص

ما معنى إعادة نشر 1000 عنصر من البيشمركة في كركوك؟