01-أبريل-2020

زادت أزمة فيروس "كورونا" من عزلة النازحين ومعاناتهم (Getty)

فقد النازحون الذين فرّوا من قبضة تنظيم "داعش" أو أولئك الذين حالفهم الحظ لتجنب نيران معارك التحرير، فقدوا الأمل في المستقبل، حيث تقف قصتهم شاهدًا على حقيقة هزيمة التنظيم المتطرف، إلا أن السلام والازدهار ما يزال بعيد المنال في المناطق المحررة.

فقد الآلاف من النازحين الأمل بالعودة إلى منازلهم على الرغم من مرور فترات طويلة جديدة على تحرير مدنهم

يشعر جاسم وزوجته أم عبدالله بالسرور لهزيمة "داعش" في بلدتهما "القائم" غربي الأنبار أقصى غربي البلاد حيث الحدود مع سوريا، لكنهما لم يتمكنا من العودة إلى منزلهما على الرغم من مرور أكثر من عامين على تحريرها.

يعيش الزوجان مع أبنائهما الثلاثة في مقطورة في مخيمٍ للنازحين في عامرية الفلوجة، إلى الغرب من العاصمة بغداد، بعيدًا عن بلدتهما بمئات الكيلومترات، فيما تعتمد الأسرة على المساعدات بشكل كلّي.

اقرأ/ي أيضًا: موجة "نزوح" جديدة بعد الاحتجاجات.. صحفيون وناشطون يهربون إلى إقليم كردستان

بدأت رحلة هذه العائلة قبل ثلاث سنوات، إذ يقول جاسم البالغ من العمر 40 عامًا، "إثر القصف والتفجيرات التي طالت بلدتنا القائم اضطررنا للهرب إلى بغداد في أيلول/سبتمبر 2015. هربت من المدينة مع عائلتي ووالدتي المسنّة وأخي الأكبر وزوجته وابنتيه".

ولكنهم لم يتمكنوا من البقاء في بغداد لأسباب من بينها صعوبة الحصول على فرصة عمل، فشدوا الرحال من جديد، إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان هذه المرة، وهناك تمكن محمد من إيجاد عمل ولكن أجره لم يكن كافيًا لتغطية نفقات العائلة.

منذ أواخر عام 2017، تعيش العائلة في مخيم عامرية الفلوجة، حيث يمتد بحرٌ من الخيام والكرفانات في مساحةٍ مقفرة لا تجد فيها إلا الرمال وأشعة الشمس الحارقة.

"مدينة الرعب"

تعاني العائلة من فقرٍ مدقع، لكن الأمور ليست أفضل حالاً في بلدتهما القائم والتي أمست كأنها "مدينة للرعب" كما يقول جاسم، مضيفًا "نحن نعيش الآن هنا، في هذه الصحراء، دون أي بصيص من الأمل في أن ننتقل إلى مكانٍ جيدٍ للعيش".

الزوجة، أم عبد الله، لديها شعور اليأس ذاته حول وضع الأسرة، وتقول، "اتصلتُ بأفرادٍ من عائلتي من أجل ترتيبات العودة لكنهم قالوا إن الوضع بائس هناك. يقولون إن أغنياء باتوا اليوم فقراء".

وتضيف، "الموظفون فقط يتمكون من تدبر أمورهم، أما الآخرون فيعيشون على ما يتصدق به عليهم المحسنون".

لم تعد الأسرة تفكر بالعودة ومثلها المئات من العوائل النازحة، كما تؤكد سعاد، وهي سيدة تجاوزت الـ 70 من عمرها، لها 4 أبناء معاقين، وقد دمر منزلها بقصف جوي في القائم.

تقول سعاد، "أعيش مع أبنائي في جحيم، أحاول رعايتهم منذ أن توفي زوجي عام 2004 نتيجة فشل كلوي، بعد أيام فقط من الغزو الأمريكي حيث حدث نقصٌ كبير في الخدمات الطبية".

يحلم ابنها البكر حسين، ذو الـ 25 عامًا بالحصول على كرسي كهربائي متحرك ليتنقل بسهولة داخل المخيم.

تشعر سعاد كغيرها من المهجَّرين بأنها منهكة من قدرها وغاضبة من المعاناة التي تعيشها مع أسرتها يومًا بعد يوم، تقول بحسرة "ليس لدينا أي شيء. أنا امرأة مسنَّة ومريضة. أنا التي أطعمهم وأحممهم. ما من أحدٍ يقدم لي المساعدة ولا أدري كم من الوقت سيتعيّن علينا البقاء في هذا المخيم في هذه الصحراء. أنا متعبة دائمًا وأحيانًا أشعر بأنني سأنفجر من الغضب".

أزمات نفسية..

يقول محمد صالح، وهو طبيب نفسي يعمل في مخيم عامرية الفلوجة، إن الكثير من النازحين يأتون وهم يعانون أساسًا من مشاكل نفسية وجسدية، ويشير إلى أن الأطفال وصغار السنّ هم الفئات الأكثر تأثّرًا في مواجهة مثل هذه الظروف التي تركت فيهم آثارًا سيئة، حيث يعاني الكثيرون منهم من صعوباتٍ في التعلم وصعوبات في الكلام واضطرابات عصبية وعدوانية بسبب الرعب الذي عايشوه.

كما يشير، إلى أن العديد من النازحين يعانون أيضًا من اضطرابات النوم ومن القلق بغضّ النظر عن عمرهم.

يعيش الكثير من النازحين أزمات نفسية ومخاوف من المستقل دون أمل بإنفراجة قريبة لمأساتهم

في محافظة نينوى وإقليم كردستان شمال العراق يقطن حوالي 30 ألف  نازح في مخيمات مختلفة، ولا تختلف معاناتهم كثيرًا عن أقرانهم في وسط وجنوب البلاد.

يشرح الطبيب صالح، والذي خاض تجربة مع النازحين شمالًا حين عمل ضمن منظمة إنسانية معنية بالنازحين، قائلًا "يمكن أن يظهر الاكتئاب في بعض الأحيان بعد الحادثة، ويمكن أن يعاني الشخص في البداية من القلق والتوتر ومن ثم يصاب بالاكتئاب".

ويضيف، "في البدء يكون الأشخاص بحالة امتنان بعد النجاة بأنفسهم ولكن مع مرور الوقت ترتفع مستويات القلق. الصعوبات الاقتصادية والقلق الذي يساورهم حول المستقبل يمكن أن يؤديا معًا إلى إصابة الناس بالاكتئاب".

الخوف من الثأر

ولكن الكثيرين ممن ظنوا بأنهم سيستأنفون حياتهم ببساطة من حيث تركوها بعد أن استولت مجموعة مسلحة على المدينة انتهى بهم الأمر بالعودة مرةً أخرى إلى المخيم.

في الموصل، لم يكن هناك كهرباء، ولم يستطع العائدون الحصول على عمل ولم يكونوا يملكون المال لاستئجار منزل، بالنسبة للبعض منهم، كانت الحياة ببساطة أسهل في المخيمات، ولهذا اختاروا العودة، في حين هناك عائلات أخرى اختارت البقاء في المخيم بحثًا عن الأمان. كما يوضح لنا عثمان محمد، الطبيب النفسي الذي يعمل أيضًا ضمن منظمة إنسانية.

بعد سنواتٍ من العنف، لايزال انعدام الثقة متغلغلاً في العراق وهناك أشخاصٌ كقاسم مظفر يدفعون الثمن. يعيش قاسم مع زوجته وأبنائهما الأربعة في مخيم الخازر والذي يقع على الطريق الذي يربط بين الموصل وأربيل. يروي قاسم لـ"الترا عراق"، وقد التف أبناؤه الأربعة حوله، كيف أمضى ستة أشهر و13 يومًا في زنزانة داخل أحد سجون تنظيم "الدولة الإسلامية".

اقرأ/ي أيضًا: صراع نينوى ينذر بـ "كارثة".. لماذا يهرب الموصليون مجددًا؟

يقول، "تعرضتُ للتعذيب على يد الدولة عناصر التنظيم، استخدموا عدة أساليب في تعذيبي، بما فيها الكهرباء".

كان يحدثنا بذلك وأحد أطفاله يجلس في حجره بينما استلقت طفلته على الأرض وسلطت كل السمع هي الأخرى. يضيف قاسم، "قاموا بصعقي في الذراعين وأحد كتفيّ ما زال يؤلمني إلى الآن. تم اعتقالي لأنني كنت أعمل في الشرطة برتبة عريف، وطلبوا فديةً من عائلتي. كان علينا أن ندفع 20 ألف دولار تلاها ألفان آخران لتأمين إطلاق سراحي".

لكن العائلة لا تخطط للعودة إلى بلدتهم سنجار، البلدة الواقعة إلى الغرب من الموصل والتي أصبح اسمها مرتبطًا بالمذبحة التي نفذها أفراد من تنظيم الدولة بحق الإيزيديين.

يخشى قاسم من الثأر، "قد ينتقم الإيزيديون من العراق بعدما حدث بحقهم"، على حد تعبيره.

ومع الأزمات الشديدة التي تواجهها البلاد وعلى رأسها أزمة فيروس "كورونا" والعقبات الاقتصادية فضلاً عن ملف الصراع الأمريكي الإيراني الذي يدفع العراق ثمنه حتى الآن، تراجع ملف النازحين، الذين يصل عددهم إلى 1.8 مليون شخص، عن الواجهة، ولم تعد معاناتهم تطرق الأسماع إلا نادرًا.

وقال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية)، بيتر ماورير، خلال زيارة استغرقت أربعة أيام شملت الموصل وبغداد وأربيل، في شباط/فبراير 2019، إن "حجم الدمار في العراق لا يزال صادمًا لكن ما لا يبدو واضحًا للعيان بنفس القدر ما يخلفه من آثار اجتماعية بالغة تضرب بجذورها في أعماق العراق اليوم".

تراجع ملف النازحين عن الواجهة مع الأزمات الشديدة التي تواجهها البلاد وعلى رأسها أزمة فيروس "كورونا" والعقبات الاقتصادية فضلاً عن ملف الصراع الأمريكي الإيراني

وأضاف، "إذا كان للعراق أن يعود إلى النهوض على قدميه من جديد فمن الواجب على المجتمع أن يتحرك نحو المصالحة. ويلزم، في إطار تلك العملية، ضمان عمليات العودة الطوعية والآمنة دون تمييز لجميع النازحين العراقيين الذين تحدوهم آمال العودة إلى ديارهم."

وتفيد إحصائية وزارة الهجرة والمهجرين بوجود أكثر من 105 مخيمات للنازحين في العراق، بعد تهجير ملايين العراقيين من بيوتهم إثر الحرب والدمار الذي خلفته في مدن وقرى كاملة، وقد زاد مرض "كوفيد 19" من عزلة آلاف الأسر في تلك المخيمات.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"هيومان رايتس": تعذيب وانتهاكات لانتزاع اعترافات في سجون الموصل

تقرير دولي جديد يتهم بغداد بانتهاك قد يرقى إلى "جريمة حرب" يتعلق بنساء وأطفال