20-يونيو-2019

توسيع صلاحيات رجال الدين في المحكمة هو جزء من تطييف الدولة والسيطرة عليها من قبل الأحزاب الإسلامية (تويتر)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

بالتزامن مع التصعيد الإعلامي والسياسي بشأن ملفات مصيرية مثل تقاسم المناصب الحكومية الذي بات في مراحله الأخيرة، بالإضافة إلى ملف إستكمال الكابينة الحكومية، يجري التحضير لتمرير مشروع قانون المحكمة الاتحادية، والذي يصفه مراقبون بأنه تكريس واضح للمحاصصة داخل منظومة القضاء ومحاولة لسن قانون على "مقاس الكتل السياسية"، وبحسب مسودة القانون المقترحة فإن التعديلات تشمل اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية من قبل مجلس النواب، ومنح الفقهاء في المحكمة مساحة تأثير أكبر بعد أن كان رأيهم للـ"أستئناس"، بالإضافة إلى مضاعفة عدد أعضاء المحكمة بشكل غير مسبوق، فضلًا عن تحديد عمر التقاعد للقضاة.

يجري التحضير لتمرير مشروع قانون المحكمة الاتحادية، والذي شملت التعديلات فيه اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية من قبل مجلس النواب، ومنح الفقهاء في المحكمة مساحة تأثير أكبر بعد أن كان رأيهم للـ"أستئناس" فقط

وتتولى المحكمة الاتحادية بحسب الدستور الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، بالإضافة إلى الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، بالإضافة إلى الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الأقاليم أو المحافظات، بينما يكون الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون، والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب، فضلًا عن مهام أخرى.

توسيع نفوذ على الطريقة الإيرانية 

وفقًا للدستور فأن حكم المحكمة بخصوص قوانين السلطة القضائية ملزم للسلطات كافة، ولا يجوز مخالفته بأي شكل من الأشكال، حيث خول الدستور مجلس النواب بالتصويت على عناوين قضائية مثل رئيس محكمة التمييز الاتحادية، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، ورئيس الادعاء العام لا أكثر، لكن مراقبين يعدّون محاولة تمرير قانون المحكمة الاتحادية بصيغته المطروحة أنه "توسيع السيطرة" من خلال حصر التصويت على أعضاء المحكمة بمجلس النواب، بالإضافة إلى فرض وجود رجال الدين من الوقفين السني والشيعي ومساواتهم مع القضاة في المحكمة الاتحادية العليا.

اقرأ/ي أيضًا: ما هو تأثير "التسويات السياسية" على القضاء؟

في السياق قال مصدر رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته، إن "الحراك الجاري في البرلمان بشأن مشروع قانون المحكمة الاتحادية يتم بدعم من رئيس المجلس محمد الحلبوسي وحليفه الستراتيجي النائب محمد الكربولي، والذي يستهدف بالدرجة الاولى إزاحة جيل الصقور من القضاة، من خلال تحديد عمر التقاعد، وتمكين بعض القضاة من تربطهم به حزمة تفاهمات"، مبينًا أن "الجهة الأخرى المستفيدة هي القوى الإسلامية والتي يتيح لها القانون بصيغته المطروحة فرض هيمنتها على القرار القضائي ومنحها مناصب حسّاسة"، مشيرًا إلى أنه "سيتم تعيين رجال الدين في القضاء بـ"التحاصص" بين الأحزاب الدينية مستقبلًا". 

أضاف المصدر في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "مشروع القانون هو استنساخ للتجربة الإيرانية في السيطرة على المؤسسة القضائية، حيث يشرف مجلس خبراء القيادة على عملية عزل مرشد الجمهورية الإسلامية في حالة تقصيره وعجزه عن أداء مهام منصبه التي يحدّدها القانون، مبينًا أن "هذا المجلس يهدف إلى الرقابة على قرارات المرشد وعمله وتعيينه في حالة الوفاة أو الاستقالة للمرشد السابق، ويتم انتخاب مجلس الخبراء من قبل الشعب وتتولّى جهة تسمى هيئة "شورى الحراسة"، أمر الإشراف على العملية الانتخابية"، لافتًا إلى أن "شورى الحراسة  تتكوّن من 12 شخصًا يتم تعين 6 منهم وهم رجال دين من قبل الولي الفقيه نفسه والـ 6 الآخرين رجال قانون يتم تعينهم من قبل رئيس السلطة القضائية، والطريف أن رئيس السلطة القضائية نفسه يتم تعينه من قبل الولي الفقيه حسب الدستور الإيراني، وهنا يتبيّن كيف تتم السيطرة على القضاء في عملية تدوير واضحة".

محكمة نحو الدولة الإسلامية!

تتعدّد نقاط الاعتراض على مشروع قانون المحكمة الاتحادية، لكن ما يثير الغرابة هو توسيع صلاحيات رجال الدين في المحكمة، ليمنحهم مكانة توازي القضاة وحق الاعتراض، فيما يشير الدستور بشكل واضح وصريح إلى أن المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية، وبحسب قانونيين، فهذا يعني أنها يحب أن تُشكّل من قضاة، فيما يكون دور الخبراء في المحكمة مقتصرًا على إبداء الرأي، وسط تخوّف وقلق من الأقليات.  

من جانبه، قال الباحث علي طاهر الحمود إن "قانون المحكمة الاتحادية هو الحد الفاصل بين الدولة المدنية التي تحترم الدولة الدينية، والأخيرة التي ربما تحترم العلمانية أو المدنية، فهو يرسم ملامح الدولة بشكل واضح في أحد الاتجاهين، مستدركًا "لكن ليس من هم القوى السياسية إقرار هذا القانون".

بيّن الطاهر في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "نص الدستور يحدد أن يكون هناك فقهاء في المحكمة الاتحادية والقصد هنا فقهاء الديانة الإسلامية، من الصعب للغالية تفسير ذلك على أنه يتضمن وجود ديانات أخرى، والفكرة هي للحفاظ على هوية البلد الإسلامية".

ما يثير الغرابة في قانون المحكمة الاتحادية هو توسيع صلاحيات رجال الدين في المحكمة، ليمنحهم مكانة توازي القضاة وحق الاعتراض، فيما يقول مراقبون إن ذلك يخل بمدنية الدولة

أضاف الحمود، "أنا لست معارضًا لإضافة الفقهاء، لكني ضد مساواتهم في الصلاحايات مع القضاة لأن ذلك يخل بمدنية الدولة، مشيرًا إلى أن "منحهم الحق في القرار بشأن قضايا قانونية قد يكون مصيريًا بعضها يجعلنا ننحدر نحو دولة إسلامية، فالحفاظ على الثقافة شيء وتحويل قوانين البلد إلى إسلامية شيء آخر"، داعيًا "القوى المدنية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات التهيؤ لرفع دعاوى على القانون المزمع تشريعه أمام المحكمة الاتحادية الحالية، فهي فرصة العراق الوحيدة والأخيرة لعدم الانزلاق نحو دولة دينية".

اقرأ/ي أيضًا: سوق "المحاصصة الأمريكية" في بلادنا

إزاء ذلك قال القاضي زهير كاظم عبود إن "أعضاء مجلس النواب والمختصين في الشأن الدستوري والقضائي، يدركون أهمية أن تكون للعراقيين مرجعية قضائية محايدة، وأن يتم استكمال القناعة بدور قضائي حرص المشرّع على أن يكون مستقلًا بكل معنى الكلمة، وهذه الاستقلالية من دعائم مبدأ فصل السلطات التي أخذ بها الدستور العراقي، حيث نصت المادة الأولى من المشروع بأن المحكمة الاتحادية العليا هي الهيئة القضائية العليا في العراق، وهذه المحكمة وفقًا للمادة ( 89 ) من الدستور هي من أهم مكونات السلطة القضائية، وهذه المكانة وهذا الاختصاص يجعل من هذه المحكمة هيئة قضائية عليا تتفرد بالاختصاصات المنصوص عليها دستوريًا، وباعتبار قراراتها باتة وملزمة، وتفصل في نقاط وقضايا مهمة وحساسة بالإضافة إلى تفسيرها لنصوص الدستور".

أضاف عبود في مقال له تابعه "ألترا عراق"، أن "تكوين المحكمة واختصاصها يحتم أن تتشكل من القضاة فأن أمر اختيار أعضاء احتياط غير متفرغين لها ينبغي أن يكون أيضًا من بين القضاة، حيث أن هناك قضاة متميزين ومتمكنين من بين القضاة المستمرين بالخدمة أو ممن أكملوا الخدمة أو تفرغوا لأعمال أخرى يمكن أن يتم اختيارهم كأعضاء في هذه المحكمة أو كأعضاء احتياط".

أشار عبود إلى أنه "كان حريًا بأن يترك أمر الاختيار من بين القضاة العاملين أو المتقاعدين للحلول محل قضاة المحكمة كاحتياط في حال وجود ضرورة لذلك"، لافتًا إلى أن "مسألة ترشيحات رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية مسألة ينبغي أن تكون متطابقة مع الدستور، فلا وجود لهيمنة أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية على اختيار قضاة المحكمة الاتحادية، فالسلطة القضائية مستقلة، وهذه الاستقلالية في القرار القضائي وفي شؤون القضاء والعدالة، والقضاة أكثر دراية بمؤهلات القضاة وقدراتهم ونزاهتهم وعلميتهم".

أعتبر عبود أن إضافة خبراء الفقه الإسلامي إلى المحكمة، مخالفة للنص الدستوري (الفقرة ثانيًا من المادة 92 من الدستور) والتي تنص على أن تكوين المحكمة الاتحادية من عدد من القضاة، ومن خبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون، والخبير غير العضو، والخبير يقدم خبرته إلى المحكمة في أمور تدخل ضمن اختصاصه، إلا أن رأيه لا يلزم المحكمة ولا يقيّدها في كل الأحوال، وبإمكان المحكمة أن تتخذ من تقريره سببًا للحكم، وجعل عدد من الفقهاء في الشريعة أو الفقه أعضاء في المحكمة الاتحادية العليا أمر يخالف الدستور، والفقهاء غير القضاة، بمعنى غير متخصصين في مجال العمل القضائي والقانوني، ويمكن اعتبار تخصصهم في مجالي الفقه الإسلامي والشريعة استشاريًا للمحكمة، باعتبارهم خبراء في مجال اختصاصهم".

إضافة خبراء الفقه الإسلامي إلى المحكمة، مخالفة للنص الدستوري "الفقرة ثانيًا من المادة 92 من الدستور" والتي تنص على أن تكوين المحكمة الاتحادية من عدد من القضاة

فيما كشف عضو اللجنة القانونية حسين العقابي عن "اتفاق كبير لدى القوى السياسية بشأن مسألة الفقهاء"، مشيرًا إلى أنها "سوف تمرر لأنها خاضعة لنص دستوري واضح وصريح لا يمكن الالتفاف عليه".

أضاف العقابي في حديث لـ"ألترا عراق"، "نحن لسنا دولة علمانية والشريعة الإسلامية جزء من الدستور والمنظومة القانونية لذلك نحتاج وجود فقهاء في الشريعة داخل المحكمة يستطيعون أن يميزوا أحكام الإسلام من غيره"، لافتًا إلى أن "وجود الفقهاء لا يهدّد الأقليات في العراق، فالإسلام يحكم  منذ 1400 سنة وهم يعيشون بعز وكرامة".

أشار العقابي إلى أن "تحديد سن التقاعد للقضاة محل اختلاف، وسيتم الوصول إلى صيغة توافقية، حيث يحدّد مشروع القانون الخدمة في المحكمة الاتحادية 12 سنة، فيما يدعو البعض إلى بقاءها دون تحديد، ووجود تجارب في دول أخرى لا يعني استنساخ التجربة"، مشيرًا إلى "وجود إمكانية كبيرة لتمرير القانون بحسب الجو العام".

من جهته أعتبر الباحث الإيزيدي خلدون النيساني "مشروع قانون المحكمة الاتحادية ليس في محله، وهو يبعث رسالة عدم اطمئنان للأقليات الدينية في العراق ويشعرها بالقلق، من تدخل رجال الدين من الوقفين السني والشيعي في عمل المحكمة العليا وعدم استقلاليتها مستقبلًا".

نائب عن حزب الفضيلة: نحن لسنا دولة علمانية والشريعة الإسلامية جزء من الدستور ونحتاج وجود فقهاء في الشريعة داخل المحكمة يستطيعون أن يميزوا أحكام الإسلام من غيره

أضاف النيساني في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "المحكمة الاتحادية العليا هي أعلى جهة قضائية في العراق ويجب أن تكون محايدة ومستقلة لأنها تمثل جميع مكوّنات العراق، في الوقت ذاته فيها قضاة أكفاء، وإذا دخلت المحاصصة في عمل المحكمة العليا وإدخال رجال دين في عمل المحكمة  اعتقد أن هذا خطأ كبير قد يؤثر في عملها وينقل رسائل إلى المؤسسات الدولية بعدم حيادية هذه المحكمة مما يؤثر على عملها".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

شرط الدولة المفقود عراقيًا

الدولة "المفتعلة".. سيرك إقطاع العراق السياسي