يمر العراق في منعطف سياسي خطر، إذ نشاهد ارتفاع وتيرة التصعيد والعنف بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، والتي أسفرت عن هزيمة المحور السياسي ـ المسلّح المرتبط بالجارة الشرقية إيران، وهذا التصعيد والعنف هو نتاج حتمي لعدم وجود انتخابات بالمعايير الديمقراطية، لكن الانتخابات شهدت بالوقت نفسه، فوز "الكتلة الصدرية" بأكثر المقاعد، حيث وصل إجمالي عدد المقاعد للتيار الصدري 73 مقعدًا، بالإضافة إلى وجود بعض المستقلين الذين من المرجح أن يساهموا بصعود عدد مقاعد "الكتلة الصدرية" إلى 80 مقعدًا، وهو بذلك يكون أكبر رقم وصل له التيار الصدري في الانتخابات.. وطوال فترة ما قبل الانتخابات، كانت الدعاية المرددة هو تصريح زعيم التيار الصدري من أن مرشحه لرئاسة الوزراء "صدري قح"، بالمقابل؛ هذا الأمر يرعب جانب ما يسمى بـ"محور المقاومة"، وهنا يطرح السؤال: هل سيستمر التيار الصدري بتبني مفهوم الصدري القح أم أن رئيس الوزراء سيكون توافقيًا مثل حكومة عبد المهدي، أم أن الأمر يخضع لمناورات سياسية معينة؟
لن يستفيد التيار الصدري بشكل كبير من رافعات السلطة في حال وضع "الصدري القح" بل أن الجمهور سوف يبقى منحصرًا على جمهوره
في بداية الأمر وحتى نجيب على السؤال المطروح أعلاه، علينا أن نراقب مسيرة التيار الصدري في كل العملية الانتخابية من بعد 2003 ونشاهد كيف تعامل التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر مع الأحداث التي رافقت العملية السياسية، وبشكل سريع؛ في أول دورتين انتخابيتين شارك بهما التيار الصدري (2005.2010) دخل ضمن الائتلاف الوطني العراقي الذي يضم غالبية القوى الشيعية آنذاك، أما في انتخابات 2014 شهدت لأول مرة دخول التيار الصدري بشكل كتلة مستقلة عن القوى الشيعية، وكان اسمها "تيار الأحرار" وحصل وقتها على 34 مقعدًا نيابيًا، وبعد ذلك؛ شهد العراق تحالف غريب من نوعه، والذي حصل بين الحزب الشيوعي وحزب الاستقامة (التيار الصدري) وحزب التجمع الجمهوري العراقي وخمسة أحزاب أخرى، حيث أسّس هذا التحالف كلاً من رائد فهمي عن الحزب الشيوعي وحسن العاقولي عن حزب الاستقامة وسعد عاصم الجنابي عن حزب التجمع الجمهوري، وكان يهدف ظاهرًا إلى نشوء "كتلة تاريخية"، وهي إحدى تنظيرات بعض المثقفين والمفكرين الماركسيين ومن أبرزهم أنطونيو غرامشي، فيما شهد تحالف سائرون إقبالا واسعًا من الوسط الوطني المعارض حيث حصل على ما يقارب 54 مقعدًا نيابيًا، لكن سرعان ما تفكّك لتذهب بعدها جميع المقاعد النيابية للتيار الصدري.
اقرأ/ي أيضًا: نظرة على المتغيّرات الانتخابية.. وماذا بعد؟
ثمّ جاءت انتخابات 2021 المبكرة بعد انتفاضة تشرين وهي الحركة الاحتجاجية الأكبر في العراق. دخل التيار هذه المرّة بشكل منفرد كتيّار شيعي شعبوي يخاطب جمهوره بشكل خاص، لدرجة أعتقد معظم المهتمين أن التيّار يمشي نحو الانتحار السياسي وأنه لن يحصد أي مقاعد مؤثرة، لكن النتيجة كانت صادمة، حيث حصد التيّار قرابة 73 مقعدًا، وعليه صار الأقرب والأكثر حظًا في تطبيق شعاره "رئيس وزراء صدري قح"، لكن هنا يطرح السؤال: ما مدى الاستفادة التي سوف يحصل عليها التيار الصدري في حال أصبح رئيس الوزراء "صدري قح"؟ وما هو شكل "الصدري القح"؟ هل سيكون شخصية من المقاتلين الأوائل في جيش المهدي، وكل مؤهلاته أنه رفع سلاحه أمام الاحتلال الأمريكي؟ أم أنه شخصية مقبولة اجتماعيًا ودوليًا ولها ثقل سياسي ويتمّ تبنيه كـ"صدري قح"؟ في أي من الأمرين يعود بالفائدة أكثر؟
يمكننا الحصول على هذه الإجابة لو فرضنا ماذا يريد التيار الصدري على مدى الأربع سنوات القادمة ومن الانتخابات المقبلة، خصوصًا وهو يدرك تمامًا أن هذه المقاعد أعلى ذروة له انتخابيًا بعد أن شهد خسارة كبيرة في عدد الأصوات التي حصل عليها من انتخابات أيار/مايو 2018. لذلك سوف يطمح التيار الصدري إلى سقف مقاعد أعلى على الانتخابات القادمة، وربما لا يخفى أن مطلب "إلا 100" سوف يكون ضمن أولويات الكابينة الانتخابية الصدرية لانتخابات 2025، ووفقًا لهذه الفرضية؛ كيف سيستطيع التيّار الصدري الحصول على هذه المقاعد؟ هل باختيار "الصدري القح"، صاحب التاريخ الجهادي والعسكري أم "الصدري بالتبني" كما فصلنا أعلاه؟
وفقًا للمعطيات وأساس ما افترضنا عليه أن التيار الصدري في حال لو دفع بـ"صدري قح" (الاختيار الأول) لا أعتقد أن ذلك سوف يعطي للتيار ثقلًا إضافيًا، ولن يستفيد بشكل كبير من رافعات السلطة، بل أن الجمهور سوف يبقى منحصرًا على جمهوره، أما في الحالة الثانية وهي الأكثر فاعلية، سوف يذهب التيار بترشيح شخصية ذات قبول دولي، شخصية معروفة وكاريزمية، ويتمّ تبنيه كـ"صدري قح" وأن "الكتلة الصدرية" سوف تكون كتلته النيابية دون الاهتمام لباقي الكتل الشيعية، وهو يكسب بذلك أمر مهم جدًا وهو الاستثمار برافعات السلطة الذي فيما لو نجح على مستوى الملف الأمني فقط، سوف تتشكل في ذلك كتلتين؛ الأولى هي الكتلة الصدرية والثانية كتلة رئيس الوزراء وكلاهما صدري، عندها يصبح الحصول على المئة مقعد نيابي في الانتخابات القادمة معقول نسبيًا.
اقرأ/ي أيضًا:
طواحين دون كيشوت
خطوة إلى الأمام.. أو الخلف