لا تغيير كبيرًا حدث في بُنية المجلس التشريعي الجامع للقوى العراقية والذي تنطلق منه الرئاسات والوزارات والمناصب المهمة في قيادة الدولة، ويخطأ من يعتقد ذلك. إن "الزلزال" الذي تحدث عنه مسؤول عراقي (يُمكن التنبؤ بمنصبه) لوكالة عالمية لم يكن زلزالًا إلا لناحية الانحدار الكبير لتحالف الفتح الذي خسر مقاعد بما يقرب من 300 بالمئة عمّا حصده في انتخابات العام السابق، وفي درجة أقل: صعود قوى جديدة متمثلة بالمستقلين (بالفعل) والبرلمانيين القادمين من ساحات الاحتجاج.
تكرار سيناريو "الجميع في الحكومة دون تبينها" ممكن وقابل للحدوث وهو مطلب حتى الخاسرين وهدف تحركاتهم المختلفة التصعيدية منها والسياسية
يُمكن الجزم، بأن التغيير في لغة الأرقام الموضوعة على الحروف اقتصر على القوى الشيعية ومرة أخرى ليس في بُنيتها بل بخارطة التوزيع، وذلك دون السُنية والكردية التي حافظت على تسلسلاتها في الميزان المُعتاد، فوجود الحزب الديمقراطي ثم الاتحاد الوطني الكردستانيين على رأس القائمة يليهما الجيل الجديد والأحزاب الأخرى لا يحمل تغييرًا ولو طفيفًا. كما أن حلول محمد الحلبوسي بقائمته "تقدم" في صدارة القوى السُنية لا يحمل أية مفاجئة.
اقرأ/ي أيضًا: انتخابات تشرين.. سيناريوهات مبدئية لنتائج أولية
إذن، فأن التغيير شمل خارطة القوى الشيعية نسبيًا، وخسارة بعض الشخصيات المعروفة بأسمائها وببذخها الدعائي، ونحن لسنا في صدد مناقشة الأسباب قبل صدور القوائم النهائية بالأرقام والتوزيع من قبل مفوضية الانتخابات، بل في مناقشة أولية مختصرة حول حراك ما بعد النتائج.
إن تكرار سيناريو "الجميع في الحكومة دون تبينها" ممكن وقابل للحدوث، وهو مطلب حتى الخاسرين وهدف تحركاتهم المختلفة التصعيدية منها والسياسية، وأساس الخطاب الإعلامي للكثير من الكتل الفائزة والخاسرة ولذات الأسباب، وهو سيناريو ممل لا يمكن أن يكون إلا انتكاسة وتعثّر آخر في النظام العراقي الذي تنازع ديمقراطيته الحياة.
ليست جديدة أسباب اللجوء إلى التوافق من جديد. لا وجود لحزب يرفض الانفراد في السلطة خصوصًا إن كان الفائز في الانتخابات. وعليه، فأسباب اللجوء إلى التوافق في تشكيل الحكومة ستكون مماثلة لسابقاتها، وتُختصر بـ"الخوف". الخوف من اندلاع نزاعات غير المُسيطر عليها، الخوف من التسقيط المحتمل لاحقًا، الخوف من زعزعة ميزان القوى الخارجية،.. إلخ.
حجة التهديدات والضغوط لم تكن مقنعة للكثيرين في الانتخابات السابقة ونظنها أكثر ضعفًا في 2021. نذكّر هنا بتصريح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تعقيبًا على تحالفه في 2018 حين قال "هددوني بحرق العراق"، لنسأل السؤال التالي: إذا كان الصدريون قد حصلوا على 54 مقعدًا في الانتخابات، ثم 73 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، فماذا يتأملون من المرحلة المقبلة لتجاوز إخفاقات الحكومات التوافقية المكررة التي لا أبَ لها؟ والسؤال الآخر الذي ينبغي تكراره: هل ستبقى الانتخابات العراقية حربًا على وشك أن تبدأ؟
إن الطريق الأوضح نحو فرز النظام على أمل إعادة ترتيبه من وجهة نظرنا هو تشكيل حكومة واضحة يقودها الطرف الفائز (الصدريون الآن) بأسماء واضحة وليذهب الآخرون إلى المعارضة، أو العكس: بتشكيل جماعات الإطار التنسيقي الحكومة وتبنيها. فاستنساخ حكومة توافقية بالمعطيات الموجودة يعني أن 100 مقعد في الدورة القادمة لحزب واحد لا تؤهله لتشكيل الحكومة. وتعني أن الانتخابات ستبقى لعبة رقمية لاختيار النسب التي تُقسم على أساسها الحصص بين الأحزاب بلا ديناميكية منتجة لإيجابيات الديمقراطية.
في الحالة الأولى، سيكون نجاح الصدريين نجاحًا للبلاد ولهم، ونموذجًا لوضع عجلة الانتخابات على السكة الصحيحة. وسيكون فشلهم زعزعةً للحائط الأصلب في النظام ومفتاحًا (ممكنًا) بفرض إعادة النظر بالنظام كاملًا من قبل كل أطرافه بالإجبار لا بالاختيار.
وفي الحالة الثانية، إذا فشل الصدريون في تشكيل الحكومة سواء تحت الضغوط أو بخوف الكتل السُنية والكردية من التهديدات، سيصل المجتمع السياسي والنظام والدول المؤثرة ومنها الغربية إلى قناعة تامة بألّا حديث عن انتخابات وإصلاح وتغيير بوجود سلاح يفرض على الآخرين معادلة سياسية، وبالتالي فلا داعي لجولات الحوارات والتسويات، وقد تحصد بلاسخارت مقدمًا على بعض مما زرعت.
نتحدث هنا عن رؤية ممزوجة برغبة لفك الاختناق والشلل الذي يصيب أداء الحكومة في كل مرة؛ لكن الواقع سيفرض نفسه في النهاية سواء بالسيناريوهين أعلاه أو بالتوافق على "دوبلير مزدوج" هذه المرة.
استنساخ حكومة توافقية بالمعطيات الموجودة يعني أن 100 مقعد في الدورة القادمة لحزب واحد لا تؤهله لتشكيل الحكومة
وبالعودة إلى النقطة التي ميزنا من خلالها بين تغيير البُنية السياسية وبين تغيير الخارطة الحزبية، نقول إن من المهم جدًا عدم رفع سقف التوقعات، وانتظار نتائج إيجابية استنادًا إلى هذا التغيير، خصوصًا وأن الدفع باتجاه الحكومة التوافقية لا أسهلَ منه ولا أكثر من أساليبه، وتوقعنا سلفًا اللجوء إلى التصعيد الشعبي والعسكري وقد حدث بالفعل، وللحديث عن شروط إنجاح التوافق بقية.
اقرأ/ي أيضًا: