في اللحظات السياسية الحرجة التي يعقبها جدل شديد التوتر حول توزيع المغانم، يبدي القائمون على الأمر حرصًا ملحوظًا على مصالح الشيعة. مرّة على شكل نصائح دينية مفبركة تأمر الناس بانتخاب القائمة الفلانية وبخلافها سيؤثم الممتنعون، وأخرى على شكل تهديد وجودي مبالغ فيه يطال الشيعة ما لم يتضامنوا. وهذا الأخير يعني أن تلتف الجماهير الشيعية حول ممثليهم الحاليين الذين لم يتغيروا منذ تسعة عشر عامًا. وإن صادفت الأحداث أن ينتفض الشيعة ويتظاهروا في الساحات العامة بحثًا عن الكرامة البشرية، ستأتي الهجمات الإعلامية المُنَظَمَة سريعة وخاطفة من أن المنتفضين مأجورون من سفارات الدول الكبرى.
كلما خسر أحدهم نفوذه السياسي صرخ متظلمًا على مصالح الشيعة
ولقد تم البطش والتنكيل بعموم المتظاهرين الشيعة في محافظات الجنوب، الناصرية وميسان، لأنّهم خرجوا على مسلّمات السلطة الحالية. ما هي هذه المسلمات؟ السرقات، والفساد، والمتاجرة باسم المذهب، وتبذير الثروات الوطنية، وتحويل الدولة إلى بيوتات مذهبية وعرقية، يتقاسمون النفوذ فيما بينهم، ويبددون ثروة البلد بالشكل الذي يعجبهم. ومن ثم يحلو لبعض الفاسدين أن يتكلموا باسم المذهب ومصلحة المذهب ونحو ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: ديمقراطية السقيفة
ما هي مصلحة المذهب؟ ألّا يعارض السلطة مهما كانت درجات الغبن والخداع! حتى لو أن عائدات النفط التي تدفقت بعد سقوط الدكتاتور لم تتدفق في العراق خلال مائة عام من عمر الدولة العراقية، لكن مع ذلك لا ينبغي لعموم الشيعة أن يتظاهروا حول هذا الفساد ويتساءلوا: إذا كانت محافظة البصرة التي تمول العراق بالنسبة الكبرى من الثروة النفطية هذا حالها، فكيف بباقي المحافظات ذات الأغلبية الشيعية؟ هذه الأسئلة مسكوت عنها وربما تعرّض حياة أحدنا للخطر الوشيك.
حتى هذه اللحظة معظم السياسيين تحولوا إلى أثرياء كبار، بينما يكابد شيعة الجنوب، والوسط، وقاطع الرصافة معاناة كبيرة. ولا ندري كم نحتاج إلى أموال أكثر من الأموال التي تدفقت على العراق في السنين الماضية لكي "نحفظ مصالح الشيعة"! فنحن نسمع أن مقدار الأموال التي دخلت الخزينة العراقية منذ تسعة عشر عامًا كان بإمكانها بناء الشرق الأوسط كله. ورغم المبالغة بالتقدير إلّا أنها تقترب من الصحة نظرًا للكميات الهائلة من العائدات التي دخلت الخزينة ثم خرجت في طريقها إلى رحلة طويلة من الفساد الإداري والمالي.
وفي هذه الفترة بقيت مدينة الصدر والمدن المشابهة لها على ما هي عليه، بل ازداد حجم لمعاناة فيها لأضعاف مضاعفة. أكثر من ذلك، لقد ازدادت "مدن الحواسم المقدسة" إلى أربعة ألاف حي سكني، وبالطبع سيكون حصة الشيعة من هذه الأحياء الخربة نسبة كبيرة للغاية نظرًا لتفوقهم العددي. وفي المقابل يحتاج البلد إلى ستة ألاف وحدة سكنية، لكي يشعر العراقيون بكرامتهم البشرية. لكن كل هذا لم يحدث رغم الحرص الشديد الذي يبديه السياسيون حول مصالح الشيعة في ذروة النزاعات السياسية.
لذلك كلما خسر أحدهم نفوذه السياسي صرخ متظلماً على مصالح الشيعة. كما لو أن ازدهار الشيعة وسعادتهم متوقف على هذه الزمرة المتواجدة في العملية السياسية. والحق أنه ما من مصيبة حلت على هذا المكون مثل المصيبة التي يتجرعها من قبل ممثليه. فهم كانوا السبب الرئيسي في معاناة الناس وفقدانهم لأي أمل في التغيير أو سيتغير حالهم نحو الأفضل في يوم ما. واتضح للقاصي والداني أن هؤلاء المتواجدين في العملية السياسية لا يسمعون أي صوت سوى أصواتهم. حتى المرجعية لم يعد لها تأثير عليهم، ولو كررت النصائح والتحذيرات عشرات المرات لن يصغوا لكل هذه التحذيرات، أللهم إلّا بعض المهرجانات الإعلامية التي يستثمرونها بشكل جيّد لإبداء حرصهم المفتعل على كلام المرجعية ومكانتها الرمزية والروحية بين صفوف الشيعة. على أي حال، علّمتنا تجارب الحياة أن من لا يعتبر من عواقب أفعاله فسترتد عليه لاحقًا. وكالعادة سيصادق جميع السياسيين على هذه الحقيقة دون أن يرمش لهم جفن.
اقرأ/ي أيضًا: