05-سبتمبر-2020

مصطفى الكاظمي والرئيس الفرنسي ماكرون (Getty)

تتفاقم التحديات تباعًا في نظام المحاصصة الطائفية لتُضفي المزيد من التعقيدات على طريق كل حكومة جديدة تُشكل في العراق، بغض النظر عن نواياها الحقيقية.. ذلك لناحية التفكير المنطقي في حل المشكلات التي تكبر ولا تصغر، اقتصاديًا، وسياسيًا، وأمنيًا، ولو بأشكال مختلفة.

المُلاحَظ في الشأن الخارجي هذه الدورة شبه غياب الكويت عن صدارة الزيارات بعد أن كانت المحطة التي يلجأ لها الرؤساء الجدد في السلطتين التنفيذية والتشريعية

مع المشكلات الخارجية ـ التي هي داخلية في تأثيرها المُباشر ـ تبرز جملة من العثرات بينها سياسية كالقوانين التي بحاجة إلى تشريع وتسودها الخلافات؛ قانون الانتخابات، قانون المحكمة الاتحادية، إضافةً للتظاهرات والاعتصامات المستمرة المُطالِبة بالتعيينات.

اقرأ/ي أيضًا: سفن إيران ورياح القوات الأمريكية: معادلة مهددة

في خضم هذا وغيره يخوض رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي تحركات سريعة تُعطي انطباعات إيجابية لكنها دون نتائج على الأرض حتى الآن ـ وربما مبررة لدواعي الوقت - ، من زيارة الولايات المتحدة ثم القمة الثلاثية مع الملك الأردني والرئيس المصري، واستقبال مسؤول سعودي وأخيرًا زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى بغداد.

جدول الأعمال المزدحم يشوش بالتأكيد على أي مراقب في قراءة المشهد بشكل عامٍ فضلًا عن البحث في الجزئيات كل على حدة. لكن المُلاحَظ في الشأن الخارجي هذه الدورة شبه غياب الكويت عن صدارة الزيارات بعد أن كانت المحطة التي يلجأ لها الرؤساء الجدد في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذكرنا سابقًا أن للكويت دورٌ غير مرئي ربما كبوابة خلفية للعلاقات الأمريكية الإيرانية في العراق إضافةً إلى مركزيتها كبوابة لإعادة الإعمار. ومع وجود الكاظمي ـ المُرحب به من واشنطن ـ لا تبدو الأخيرة بحاجة إلى مراكز أخرى موازية غير بغداد ذاتها للتفاهم على السياسات العامة في المنطقة ومستقبل قواتها في العراق.

بدءًا من الحدث الأخير، زيارة ماكرون، يُمكن استشراف أدوار أخرى غير ما يُساق عن الصفقات الاقتصادية (والغير هنا للاستثناء لا النفي) عن الدور الغربي في منطقة الشرق الأوسط خاصةً مع ضغط إيران وحلفائها على الولايات المتحدة لإخراج قواتها من العراق، ورغبة ترامب نفسه بإنهاء هذا الصداع بالذات وهو مقبل على انتخابات رئاسية وقد تلقي أحداث الشرق الأوسط بظلالها على مساره الانتخابي.

لعبت أوروبا وتلعب دورًا هامًا في العلاقات بين واشنطن وطهران، إذ كانت ولا زالت المتنفس الذي لا يعكس (أي لا يُغير بوصلة) توجهات أمريكا في ضغطها الاقتصادي والسياسي والعسكري إلا أنه يخفف من حدة التداعيات لدرجةٍ هي طفيفة بالشكل العام لكنها تُبقي إيران محاصرة داخل الحلبة كي لا تخرج عن قواعد اللعبة.

قد يكون دور فرنسا مشابهًا في العراق لناحية الاستراتيجية العامة، فما يتحدث عنه سياسيون من انفتاح دول العالم على العراق والسعي للاستثمار لا يحمل جديدًا وليس بتلك الأهمية، إذ ليست هي المرة الأولى التي تظهر "بوادر انفتاح" عبر تدفق المسؤولين الأجانب والعرب على العراق؛ لكنها سرعان ما تبدو كفقاعة، تختفي بمرور الأيام ولا تترك خلفها سوى أوراقًا موقعة وبروتوكولات تعاون وأحاديث وتصريحات عن استثمارات وغيرها.

نقصد بالاستراتيجية المشابهة ابتعادٌ ظاهريٌ لأمريكا عن الصراع في العراق وفسح المجال لدول أخرى كفرنسا للقيام بالدور المطلوب: تنشيط الاقتصاد العراقي المتداعي بفعل انهيار أسعار النفط العالمي وتفشي جائحة كورونا، والاستمرار بالضغط على إيران وتقليل نفوذها في العراق بالتدريج وبضربات غير قاصمة ومؤثرة معًا، من دون الدخول في مواجهة مباشرة قد تقلب الطاولة على الجميع في منطقة مضطربة. ولا يأتي ذكر فرنسا فقط لكون رئيسها زار بغداد مؤخرًا، بل للدور الذي تحاول تمثيله في المنطقة خاصةً بعد انفجار بيروت، وكأنه إعادة نفوذ سالف، مع قفزات في الخطوات إلى المشرق لناحية الخليج العربي، والأخذ بعين الاعتبار الاحتكاكات الحاصلة في شرق المتوسط مع تركيا، جارة العراق الشمالية. ومع هذه التفسيرات، ومن العلاقة الثلاثية أيضًا ـ بغداد ، باريس ، بيروت ـ يُمكن أن تتضح الاستراتيجية لوجود تشابه بين النظامين اللبناني والعراقي، إضافة إلى أحزاب وفصائل مسلحة فاعلة حليفة لإيران في كلا البلدين.

هذه الحكومة عليها تذكّر الدعم الكبير الذي تلقاه حيدر العبادي والحفاوة البالغة التي حظي بها من الغرب ومجلس التعاون والذي أزاحه العامل الداخلي خارج المعادلة

عودٌ على بدء، يُمكن لحكومة الكاظمي تحقيق بعض المكتسبات العينية من خلال الربط الكهربائي مثلًا في مشروع "الشام الجديد" الذي لا ملامح حقيقة له حتى الآن، كما يُمكن الاستفادة من الاندفاع الغربي سواءً الأمريكي المباشر أو الفرنسي، أو بواسطة دول الخليج، إلا أن هذه الحكومة عليها تذكّر الدعم الكبير الذي تلقاه حيدر العبادي والحفاوة البالغة التي حظي بها من الغرب ومجلس التعاون، ووعود الاستثمار من دول أوروبية ومؤتمر الكويت للمانحين الذين عرّجنا عليه، ثم أزاحه العامل الداخلي خارج المعادلة ومعه كل الاتفاقيات والمسوّدات والزيارات.. والتصفيقات!

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رسائل الكاظمي وجماعات السلاح.. هل تنتصر الدولة؟

مركبة الحكومة والأحزاب وطريق حسان دياب