على خلفية الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في بغداد ومحافظات وسطى وجنوبية مطلع تشرين الأول/اكتوبر، وبعد الموجة الثانية التي عادت في الخامس والعشرين من ذات الشهر، بدأت القوى السياسية تُناقش جديًا إقرار قانون انتخابات جديد يتناسب وطموح المحتجين في عملية انتخابية عادلة تضمن صعود المستقلين.
يُجمع العديد من المختصين على أن القوانين الخاصة بحساب الأصوات، والتي جرى اعتمادها في الانتخابات السابقة، تُحافظ على هيمنة الكتل والأحزاب الكبيرة
يُجمِع العديد من القانونيين والمتخصصين والناشطين فضلًا عن سياسيين مشتركين في نظام ما بعد 2003، على أن القوانين الخاصة بحساب الأصوات، والتي جرى اعتمادها في الانتخابات السابقة، تُحافظ على هيمنة الكتل والأحزاب الكبيرة وسيطرتها على مجلس النواب، وتمنع وصول الكتل الصغيرة والأحزاب الناشئة، وجرى انتقاد طريقة احتساب الأصوات وفق قانون (سانت ليغو) لعدة سنوات دون إصغاء من الطبقة الحاكمة، بل شرعت في دورتها الحالية ـ قبل اندلاع الاحتجاجات ـ إلى اعتماد طريقة احتساب الأصوات وفق (سانت ليغو) بتقسيمة 1.9 في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، تلك التقسيمة التي تُقلل من فرص صعود كتل صغيرة، وتُعطي الفرصة للكتل الكبيرة في السيطرة على الحكومات المحلية المقبلة.
اقرأ/ي أيضًا: استقالة عبد المهدي.. خطوة أولى نحو الإصلاح أم خطة بديلة للكتل السياسية؟
أجبر المنتفضون الطبقة السياسية على تغيير القانون، وأعدّ رئيس الجمهورية برهم صالح مشروع قانون انتخابات جديد، بهدف "مشاركة الناخبين في اختيار ممثليهم في مجلس النواب، والمساواة في المشاركة الانتخابية، وضمان حقوق الناخب والمرشح في المشاركة الانتخابية وضمان عدالة الانتخابات وحريتها ونزاهتها، وتوفير الحماية القانونية لمراحل وإجراءات العملية الانتخابية"، بحسب ما جاء في المادة 2 من القانون. كما أعدّت رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون للانتخابات هي الأخرى، وأرسلته إلى مجلس النواب.
حدّد مجلس النواب موعدًا لجلسة يُصوّت فيها على قانون الانتخابات الجديد، وسط اعتراض من كتلة سائرون على بعض الصيغ، أهمها طريقة توزيع المقاعد. إذ اقترح القانون المطروح في مجلس النواب أن يتم شطر المقاعد إلى نصفين، نصف للقوائم الفردية والنصف الآخر للقوائم الانتخابية.
فيما اقترحت صفحة (صالح محمد العراقي) المقربة من زعيم التيار الصدري، في العاشر من كانون الأول/ديسمبر قبل يوم واحد من جلسة البرلمان، قانون انتخابات وفق "دوائر متعددة بترشيح فردي بنسبة 100% لكل محافظة مع الأخذ بنظر الاعتبار عدد النفوس". لكن مجلس النواب فشل في اليوم التالي، 11 كانون الأول/ديسمبر، بعقد جلسة للتصويت على مشروع قانون للانتخابات النيابية بسبب الخلافات ذاتها، لتؤجل الجلسة إلى موعد غير مُحدد، توقع النواب أن يكون في اليوم التالي.
وجاءت المادة 15 من قانون الانتخابات المقترح لتكون "جوهر الخلاف"، وهي المتعلقة بالدوائر سواء أكانت متعددة أو واحدة في كل محافظة.
مصدر لـ"ألترا عراق": النقاط الخلافية حول قانون الانتخابات تتنوع بين الدائرة الانتخابية المتعددة أو الواحدة، والعد والفرز اليدوي أو الإلكتروني، وكذلك قضية القائمة الفردية أو الانتخابية
ودعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، اللجنة القانونية إلى "مواصلة مناقشة المشروع للتوصل إلى توافق بشأن المواد الخلافية عشية فشل المجلس بعقد جلسته".
اقرأ/ي أيضًا: رغم تهديد الصدر.. خلافات الكتل السياسية "تؤجل" التصويت على قانون الانتخابات
في الأثناء، كشف مصدر نيابي عن الجبهات والتكتلات المختلفة حول قانون الانتخابات داخل المجلس. وقال المصدر في حديث لـ "ألترا عراق" إن "الكتل تقاطعت فيما بينها رغم التوافق على العديد من البنود".
وأشار المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بكتلته، إلى أن "سائرون والحكمة والنصر كانوا في جبهة، بمقابل تحالفي الفتح والقوى والكتل الكردستانية"، موضحًا أن "الكتل الكردستانية تريد أن تكون المحافظة دائرة انتخابية واحدة".
يؤكد المصدر أن "النقاط الخلافية تتنوع بين الدائرة الانتخابية المتعددة أو الواحدة، والعد والفرز اليدوي أو الإلكتروني، وكذلك قضية القائمة الفردية أو الانتخابية".
من جانبه، يقول النائب عن تيار الحكمة حسن خلاطي إن تياره مع التصويت الفردي بنسبة 100%، ويؤكد أن "80% من الكتل اتفقت على القوائم الفردية والدوائر المتعددة في الانتخابات".
في السياق، طالب صالح محمد العراقي على لسان الصدر نواب البرلمان بعد فشل الجلسة بأن تكون علنية، بالقول: "أيها النواب، إذا كنتم مع الشعب، فنريد جلسة علنية، كي لا تكون صفقات معادية للشعب".
لكن الجلسة التي طالب الصدر أن تكون علنية، في الثاني عشر من ذات الشهر، لم تُعقد، بسبب استمرار الخلافات حول المادة 15 من القانون. ويوضح النائب حسن فدعم أن "الإشكالات التي حدثت بين الكتل كانت بسبب الأقضية التي توجد في المحافظات المختلف عليها".
لم يُبدِ المتظاهرون ردة فعل واضحة تجاه التطورات الحاصلة فيما يخص قانون الانتخابات، أو رأي في القانون الذي يرتضوه
في المقابل، لم يُبدِ المتظاهرون ردة فعل واضحة تجاه التطورات الحاصلة فيما يخص قانون الانتخابات، أو رأيًا في القانون الذي يرتضونه، ربما لما له من تعقيدات تحتاج إلى ثقافة قانونية عالية، في الوقت الذي تخلو الساحة فيه لوجهات نظر الأحزاب المنظمة، وبعض الناشطين الذي لا يطرحون جديدًا فيما يخص شكل القانون وطريقة احتساب الأصوات وغيرها من النقاط الخلافية.
اقرأ/ي أيضًا: وزير الصدر يضع البرلمان على "المحك".. ويقترح شكل قانون الانتخابات
من جانبه، يرى باسم خشان، وهو مرجّح أن يكون عضوًا في مجلس النواب على خلفية دعوى قضائية أقامها بخصوص الانتخابات، أن النظام المطروح في مجلس النواب والمتمثل بتقسيمة 50% للقوائم "لا يخدم المتظاهرين، وسيُمكّن الأحزاب المنظّمة من السيطرة على مجلس النواب، وهو مفيد للأحزاب الإقطاعية التي تمتلك الأموال وباستطاعتها أن تشتري الأفراد"، ويشير إلى أن "الدوائر المتعددة تفيد المؤسسات الخدمية كالمحافظة، حيث لكل مقعد دائرة، في حين بإمكان الأحزاب أن تُقسّم نفسها لكل دائرة فيما بينها بالنسبة لانتخابات مجلس النواب".
يقول خشان في حديث لـ "ألترا عراق" إن الأحزاب في حال تمرير هذا القانون بصيغته الحالية، "لن تحتاج إلى ترشيح 20 شخصًا، بل تكتفي بـ 5 أو 6 مرشحين ويتم التركيز عليهم كمرشحين خاصين بالأحزاب".
في سياق هذا الطرح، يرى الخبير القانوني طارق حرب في منشور له على صفحته في "فيسبوك"، أن "تأثير الأحزاب في الدائرة الصغيرة يكون كبيرًا، في حين يكون تأثير الأحزاب في الدائرة الواحدة قليلًا"، مؤكدًا أن "المال يؤثر كثيرًا في الدائرة الصغيرة، ولكن يكون تأثيره قليلًا في دائرة المحافظة لأنها واسعة".
يقترح خشان "انبثاق مشروع وطني يكون عبر تشكيل تجمع للوطنيين لكي يكونوا نواةً لإدارة الدولة بالمستقبل، وليس الآن بالضرورة"، مبينًا أن "قانون سانت ليغو بتقسيمة عادلة يعطي المساحة لصعود الأحزاب الجديدة؛ لكن صعود أفراد مستقلين غير مضمون في النظام المطروح في مجلس النواب".
يرى باسم خشان أن النظام المطروح في مجلس النواب والمتمثل بتقسيمة 50% للقوائم لا يخدم المتظاهرين، وسيُمكّن الأحزاب المنظّمة من السيطرة على مجلس النواب
ورغم الجدل حول الشخصية المرشحة لتولي رئاسة الحكومة خلفًا للمستقيل عادل عبد المهدي، تُرجح مصادر نيابية التصويت على قانون انتخابات مجلس النواب يوم الإثنين، 16 كانون الأول/ديسمبر، فيما يرى مراقبون أن تركيز الكتل السياسية منصبٌ الآن على اختيار رئيس الحكومة الجديدة.
اقرأ/ي أيضًا:
قبل "الكارثة".. ما هي خيارات سلطة الخضراء؟
اختيار رئيس الوزراء.. هل تخضع الأحزاب الكردية لإرادة ساحات الاحتجاج؟