لم تكن استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي المطلب الأول للمتظاهرين عند خروجهم مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث كان هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" هو السائد في بغداد وجميع المحافظات المتظاهرة، لكن ما إن سقطت أول قطرة دم في ساحات الاحتجاج بالتزامن مع تمسك الأحزاب السياسية ببقاء عبد المهدي على رأس السلطة التنفيذية، تحول رئيس الوزراء إلى "أيقونة سلبية" يستهدفها المتظاهرون بهتافاتهم ومطالبهم، كما أن الاستقالة صارت الثمن الأول لدماء المئات الذين سقطوا في التظاهرات.
حين سقطت أول قطرة دم من متظاهر عراقي صار عبد المهدي هو المستهدف الأول في ساحات الاحتجاج في الوقت الذي اعتبر الكثير من المحتجين أن استقالته ثمن للدماء
التوقيت الذي اختاره عبد المهدي لإعلان استقالته، رآه بعض المراقبين غير موفق على الإطلاق، حيث تزامن مع ثلاثة أحداث مهمة، الأول بعد يوم عصيب مر على محافظتي ذي قار والنجف سقط فيه عشرات الشهداء ومئات الجرحى، والثاني قبل مبارة العراق بعدة ساعات، الأمر الذي ضيّع صدى الخبر في ساحات الاحتجاج بسبب اهتمام المعتصمين بالمباراة واحتفالهم بالفوز، أما السبب الثالث فقد جاء بعد خطبة لمرجعية النجف، اعتبرها عبد المهدي دافعًا لتقديم استقالته تنفيذًا لتوجيهاتها.
اقرأ/ي أيضًا: عبدالمهدي يسقط في البرلمان بـ "صمت".. ورصاص "مرقد الحكيم" يشعل النجف!
ردود فعل الشارع العراقي وساحات الاعتصام وتحليلاتها تضاربت بعد إعلان الاستقالة، ففي ساحة التحرير انطلقت الألعاب النارية وارتفع صوت الأغاني الوطنية وأبلغ المعتصمون بعضهم بخبر الاستقالة، فيما تداول نشطاء في الساحة آليات الاستقالة "المريبة" وجديتها، وهل يمكن اعتبارها امتثالًا جديًا لمطالب المتظاهرين أم لا؟
معتصم في ساحة التحرير رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال إن "خطوة الاستقالة ساذجة، وتوضح أن الأحزاب السياسية لجأت إلى الخطة (ب) بعد يأسها من فاعلية القمع بفض الاعتصامات"، لافتًا إلى أن "أغلب المعتصمين في الساحة مدركين جيدًا لضعف شخصية عادل عبد المهدي وعدم مقدرته على اتخاذ قرار منفرد دون انتظار الأوامر من الأحزاب التي أوصلته إلى رئاسة الوزراء".
وتابع لـ"ألترا عراق"، أن "مظاهر الاحتفال التي عمّت ساحة التحرير يجب أن لا تفرح بها الطبقة السياسية كثيرًا، فالجميع مدرك أن الاستقالة جزء بسيط جدًا من مطالب المتظاهرين والتي زادت شدّة التمسّك بها بعد أعمال القمع في جسر الأحرار وذي قار والنجف".
المحلّل السياسي هشام الهاشمي، أبدى رأيه في الاستقالة، قائلًا "لا أظن أنه سيحدث فراغ دستوري، لأن من صلاحية رئيس الجمهورية أن يقوم خلال أسبوعين باختيار من يقوم مقام عادل عبد المهدي في الحكومة الجديدة، ويبدأ مشوار التصويت على حكومة جديدة. إذا فشل البرلمان لمرتين في الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، يمكن لرئيس الجمهورية أن يحل البرلمان ويدعو إلى انتخابات مبكرة"، وأضاف أن "هذه الإجراءات الدستورية واضحة في حال استقالة رئيس الحكومة أو إقالته".
طارق حرب: الاسم البديل عن عبد المهدي يتم تكليفه من رئيس الجمهورية خلال 15 يومًا من موعد الترشيح، ولديه مدة 30 يومًا لتقديم أسماء كابينته الوزارية إلى مجلس النواب لمنحها الثقة
يجهل الكثير من المواطنين التعقيدات الدستورية المتعلقة بالأحداث المشابهة لاستقالة الحكومة، الأمر الذي اعتبره أحد نشطاء ساحة الحبوبي في ذي قار، الوتر الذي تلعب عليه الطبقة السياسية لكسب الوقت والتخطيط للاستمرار بالسلطة، حيث بيّن لـ"ألترا عراق"، أن "الناصرية لم تفرح بخبر الاستقالة، ولم تُعر له أية أهمية، فقد كان أهلها مفجوعين بذويهم الذين سقطوا برصاص السلطة قبل وأثناء وبعد إعلان عبد المهدي تقديم استقالته إلى مجلس النواب، لذلك فإن تلك الاستقالة أدنى من الحد الأدنى لمطالب أبناء المحافظة"، مضيفًا أنه "بالرغم من جهل الكثير من أبناء الشعب بالسياقات الدستورية المعقدة، لكنهم يفهمون شيئًا واحدًا وهو أن تلك السلطة قمعية، وجميع شخوصها من المرفوضين، وهذا الأمر غير قابل للتفاوض من قبل المتظاهرين".
اقرأ/ي أيضًا: الاعتصام وسط الدخّان.. كيف اشتد "عوده الطري" في مواجهة السلطة؟
مواقع التواصل الاجتماعي كانت لها حصة كبيرة من التفاعل الذي جرى حول نبأ الاستقالة، ولم يختلف التعاطي مع الخبر كثيرًا عن تعاطي ساحات الاعتصام معه، لكن أغلب المنشورات على تلك المواقع تمحورت حول أن "الاستقالة ما هي إلّا خطوة أولى في الطريق الصحيح، وإنها غير مرضية إن اكتفت السلطة بها دون تنفيذ بقية مطالب المعتصمين".
الخبير القانوني، طارق حرب بيّن في تصريحات صحفية تابعها "ألترا عراق"، أن "استقالة عادل عبد المهدي لا تحتاج إلى موافقة مجلس النواب أو التصويت عليها وهي سارية المفعول من تاريخ إعلانها"، مبينًا أن "الحكومة الحالية ستكون حكومة تصريف أعمال وتعمل على تسيير أمور الدولة العراقية".
لفت حرب إلى أن "الخطوة المقبلة هي ترشيح الكتلة الأكبر برلمانيًا للشخصية التي ستشغل منصب رئيس مجلس الوزراء المقبل وهي حاليًا بحسب الانتخابات كتلة سائرون، إلا بحال ظهرت كتلة أكبر من تحالفات رسمية مقدمة إلى رئاسة البرلمان لتكون الكتلة الأكبر"، موضحًا أن "الاسم المرشح يتم تكليفه من رئيس الجمهورية خلال 15 يومًا من موعد الترشيح، ولديه مدة 30 يومًا لتقديم أسماء كابينته الوزارية إلى مجلس النواب لمنحها الثقة".
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتبر أن استقالة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي من منصبه لا تعني نهاية الفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل الدولة العراقية، مقترحًا إجراء استفتاء عام لاختيار بديل عبد المهدي، فيما تساءل زعيم المنبر الوطني إياد علاوي عن موعد محاكمة "القتلة والمجرمين" وموعد القصاص لدماء الأبرياء التي تسيل في الناصرية والنجف وغيرها من المدن، فيما لم تبدِ زعامات سياسية أخرى موقفها من الاستقالة.
على مستوى الكتل السياسية، دعا تحالف سائرون رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لعقد جلسة طارئة للتصويت على استقالة عبد المهدي، مؤكدًا أنه سبق وأن طالب بإجراء انتخابات مبكرة تلبية لمطالب المحتجين، أما بقية الكتل والتحالفات السياسية فلم تحدد موقفها بعد.
ساحات الاعتصام وبعد الاستقالة حافظت على ما هي عليه قبل الاستقالة معلنةً الاستمرار بالاعتصام والتظاهر لحين تحقيق المطالب جميعها دون استثناء
وبالحديث عن البدلاء المحتملين لمنصب رئاسة الوزراء خلفًا لعبد المهدي، فقد نقلت وسائل إعلام عن مصادر سياسية خمسة أسماء مرشحة للمنصب وهم كل من: رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، والنائب عن ائتلاف دولة القانون محمد شياع السوداني، ووزير الشباب السابق المرشح عن تيّار الحكمة عبد الحسين عبطان، والنائب عن تحالف النصر عدنان الزرفي، والسياسي المستقل عزت الشابندر، لكن مراقبين يرون أن الأسماء البديلة التي تطرح في العراق دائمًا تكون غير حقيقية ويخرج اسم غير متوقع، كما حدث مع حيدر العبادي.
اقرأ/ي أيضًا: العسكر بمواجهة السلمية.. هل ولّى زمن الانقلابات؟!
وبحسب تلك المصادر فقد أُرسلت تلك القائمة، مساء الجمعة الماضي، إلى رئيس الجمهورية برهم صالح، ليكلّف أحدها بتشكيل الحكومة الجديدة خلال 15 يومًا من تاريخ قبول استقالة عبد المهدي وحكومته في البرلمان، بعد مباحثات سريعة أجراها زعماء تحالف الفتح.
الصورة الضبابية تسيطر على المشهد السياسي بعد الاستقالة، ويتوقع مراقبون أن وتيرة التخبط ستزداد في الأيام القادمة، أما ساحات الاعتصام فقد حافظت على ما هي عليه قبل الاستقالة معلنةً الاستمرار بالاعتصام والتظاهر لحين تحقيق المطالب جميعها دون استثناء، ومنها تغيير قانون الانتخابات وقانون المفوضية وقانون الأحزاب.
اقرأ/ي أيضًا:
الاحتجاجات تطيح بـ"الصديق القديم".. ما هو موقف الأحزاب الكردية بعد عبد المهدي؟