09-ديسمبر-2019

تهدد القوى الفاعلة بالعراق في السيناريو السوري رغم أن البلاد لا يختلف وضعها كثيرًا عن سوريا (Getty)

بعد مرور أكثر من شهرين على ثورة تشرين، التي أعلنها الشعب ضد سلطة الفساد؛ ما تزال الجماعات والكتل الحاكمة في العراق، متمسكة في مواقفها دون إبداء أية تنازلات تُرضي طموحات الشعب الثائر، وكل ما يقدمونه مجرد حلولٍ ترقيعيةٍ، لا غاية من ورائها؛ إلا كسب الوقت، والتعويل على ملل المتظاهرين.

المتظاهرون،حتى إن عادوا إلى بيوتهم وأعمالهم لكن مسألة خروجهم مرة أخرى وبصورة أكثر قوةً وتنظيمًا لا تعدو كونها مسألة وقت

نعم، ربما يرجع المتظاهرون إلى بيوتهم وأعمالهم، ولكن ستظل القضية التي خرجوا من أجلها عالقة في الأذهان، كما ولن ينسوا أصدقاءهم الذين سقطوا ضحايا نتيجةً للعنف الذي لجأت إليه السلطات ضد من تظاهر. بالتالي فإن مسألة خروجهم مرة أخرى، وربما بصورة أكثر قوةً وتنظيمًا، لا تعدو كونها مسألة وقت لا أكثر؛ إذ ستظل جذوة الاحتجاج مشتعلةً في نفوس الناس، لا سيما الشباب منهم.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة الخضراء: تصفية حساب مع العراقيين

وأمام تعقد المشهد العراقي، يبدو أن السلطات أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السلم أو العنف، إما أن تُجنب البلاد شر الفوضى، أو أن تؤدي به إلى الهاوية. والأمثلة كثيرة أمامنا من الدول التي استطاعت تجاوز المحن بفضل حنكة القائمين على أمرها. يُقابلها تجارب لدول أخرى لم تستطع تجاوز ما مرت به من خطوب، وأزمات.

وهنا من وجهة نظري، وكحل مفترض للواقع العراقي؛ يبرز أمامنا الخيار التونسي السلمي، ففي سنة 2013، ومع تزايد مساحة الرفض للإخوان المسلمين في العالم العربي، وبعد فقدانهم للحكم في مصر، بعد انقلاب الجيش المصري سنة 2013 على الرئيس السابق محمد مرسي. أمام ذلك، ارتأت حركة النهضة الإخوانية التونسية، وبعد تزايد الضغوط عليها من الجمهور التونسي، والتي كانت في وقتها تُمسك برئاسة الوزراء في تونس بعد فوزها في الانتخابات التي أعقبت انتهاء حقبة الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، تنازلت عن رئاستها للوزارة،  لتجنب نفسها من المساءلة، وتُجنب البلاد خطر الفوضى، وبالفعل هذا ما حدث.

وبذلك أيضًا تجنبت تونس الخيار المصري عبر تدخل الجيش، وأيضًا ابتعدت عن الخيار السوري الدموي، وكذلك ضمنت النهضة تواجدها في الساحة السياسية مستقبلًا، دون المساس بمكتسباتها الجماهيرية، ومن ثم كسبت ثقة الشارع التونسي، بالتالي استمر الخيار الديمقراطي كوسيلة للانتقال السلمي للسلطة في تونس، يقابله درء خطر الفتنة، والفوضى. وربما تتحجج السلطات العراقية بالخيار السوري، والذي ربما تتخذه في سياق الخلاص خيارها الأنجع، وأي خيار؟ إنه الذهاب بالبلاد والشعب نحو الهاوية، التي هو فيها فعليًا!

 وهم يوهمون أنفسهم بأن بشار الأسد استطاع الحفاظ على الدولة، حقيقةً لا أعلم أيةُ دولةً تلك التي يتحدثون عنها؟ التي لا تستطيع منع تدخل أية دولة ترغب بولوج البيئة السورية؟ ومن ثم كم من الدماء سالت؟ وكم من الناس شُردت في شتى الأصقاع؟ إذ صار السوريون مضرب الأمثال بالهجرة والمعاناة. ومن ثم فإن سوريا اليوم، مقسمة بين قوى دوليةً وإقليميةً عدة "الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا الاتحادية، تركيا، إيران" وهلم جرا، عدا الفواعل من دون الدول، تتصارع فيما بينها على هذه الغنيمة. بالتالي أمام من يتولى زمام أمرنا في العراق هذين الخيارين، إما السلم، أو العنف. وبكل تأكيد الخيار التونسي هو الأسلم لنا، فبلادنا ليست بحاجة إلى المزيد من الفوضى والاحتراب والاقتتال، والتي أخذت منها مأخذًا طيلة عقود مضت. وهنا يمكن لساستنا أن يُسجلوا ولو حسنة بسيطة في صفحات تاريخهم المليء بالفساد والسرقات والخراب والتبعية للخارج، والمتمثلة برحيلهم جميعًا، تاركين الشعب يقرّر مصيره بيده، فهل هم على قدر هذه المسؤولية؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

التغيير بين الحلم والواقع

التنظيم السياسي.. وقاية من الدكتاتورية المضادة