11-ديسمبر-2019

لم تختلف طرق قمع السلطات للمحتجين عن طرق نظام صدام حسين (Getty)

سلط تقرير أمريكي نشرته مجلة "وول ستريت جورنال"، الضوء على أعمال الاختطاف التي تطال المتظاهرين في ساحة التحرير بقلب العاصمة بغداد، واستعرضت شهادات ذويهم وإفادات المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

إن انتشار المجاميع المسلحة بجانب وجود قوات الأمن العراقية تجعل من الصعب تحديد من يقود حملات الاعتقالات، وأي فرع من أجهزة الأمن وراء الاختفاء

قال التقرير، إن "البعض يتذكر عهد صدام حسين عندما تم قمع المعارضة بلا رحمة"، في إشارة إلى أن السلطات استخدمت نفس الأسلوب في مواجهة الاحتجاجات، كما أشار إلى أن السلطات العراقية تحاول "قمع" التظاهرات على طريقة النظام الإيراني لكنها لا تمتلك "الأدوات اللازمة". "الترا عراق" ترجم التقرير الذي نشرته المجلة الأمريكية وينقله فيما يلي دون تصرف:


في بغداد على الجدران وأعمدة الإنارة في قلب العاصمة العراقية، عُلقت لافتات تدعو إلى سقوط الحكومة وعلى جانبها صور للمفقودين. لافتات تحمل معلومات حول الشباب الذين اختفوا خلال شهرين من التظاهرات المناهضة للحكومة وقمع السلطات الأمنية الذي صدم العديد من العراقيين الذين عانوا من سنوات الحرب والعنف.

لقد أسفرت الحملة الأمنية ضد المتظاهرين السلميين عن مقتل ما يقرب من 400 شخص، والعديد منهم على أيدي عدد من الفصائل المسلحة. يتذكر البعض عهد صدام حسين، عندما تم قمع المعارضة بلا رحمة. لكن في ظل القيادة العراقية المقسمة اليوم، أدى استخدام القوة إلى زيادة غضب الشارع العراقي.

قالت أم حسنين التي اختفى ابنها البالغ من العمر 16 عامًا منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر، عندما غادر منزله متوجهًا إلى ساحة التحرير: "أحمل الحكومة المسؤولية ليس فقط عن مصير ابني ولكن عن مصير جميع الشباب". تضيف: "على الرغم من ضياع ابني وكسر قلبي فأنا فخورة. سوف يسجل ولدي مع بقية الشباب في التاريخ كمحارب".

وقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي استسلم للغضب الشعبي، مؤخرًا، إنه سيستقيل بعد أن قال علي السيستاني، كبير رجال الدين في البلاد إن الوقت قد حان لحكومة جديدة. وقبل ذلك بيوم قُتل عشرات الأشخاص عندما أطلقت قوات الأمن العراقية الذخيرة الحية وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في مدينة الناصرية جنوب العراق. عبد المهدي، قبل استقالته قال إنه تم إطلاق سراح 2500 شخص احتُجزوا خلال المظاهرات.

 في سياق متصل صرحت المندوب الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين  بلاسخارت، لمجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء 3 كانون الأول/ديسمبر، بأن الاعتقالات والاحتجازات غير القانونية مستمرة.

إن انتشار المجاميع المسلحة بجانب وجود قوات الأمن العراقية تجعل من الصعب تحديد من يقود حملات الاعتقالات، وأي فرع من أجهزة الأمن وراء الاختفاء. بعض الرجال المفقودين الذين أفرج عنهم قالوا إنهم احتُجزوا في قاعدة عسكرية في بغداد بعد اختطافهم من الشارع.

هناك أيضًا مجموعة من الميليشيات التي تمارس الحكومة عليها سيطرة محدودة رغم أنها جزء رسمي من قوات الأمن، بعضها يرتبط بعلاقات وثيقة مع إيران. وقال عبد المهدي، الذي لا يزال في منصبه كرئيس وزراء مؤقت وقائد عام، إن قوات الأمن قد أمرت بعدم إطلاق النار.

بعد عمليات القتل التي أدت إلى استقالته تم إصدار أمر اعتقال بحق قائد عسكري، رغم أن وزارة الدفاع العراقية قالت يوم الأربعاء إنه أيضًا أصدر أوامر بعدم فتح النار على المتظاهرين.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "التناقض بين تصريحات الحكومة وما تفعله قوات الأمن على الأرض يوحي بأن القائد الأعلى للعراق ليس مسؤولًا عن قواته".

اقرأ/ي أيضًا: قيادة الحشد الشعبي "تغرق" بدماء ضحايا السنك.. هل اعترف "الطرف الثالث"؟

يبين مسؤولون عسكريون عراقيون أن قوات الأمن التي أمضت سنوات في قتال تنظيم داعش والجماعات المسلحة الأخرى لم يتم تدريبها على التعامل مع المتظاهرين وعدد قليل منهم مسلحون بقنابل المولوتوف.

المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد  خالد مهنا قال إن قوات الأمن واجهت استفزازات من بعض المتظاهرين الذين اضطروا للرد عليها بالقوة. وأضاف مهنا أن عبوات الغاز المسيل للدموع لم تكن موجهة مباشرة إلى المتظاهرين.

ورفض أي مقارنة مع زمن صدام، مشيرًا إلى أن معظم المتظاهرين  كانوا أصغر من أن يتذكروا كيف كان الحال في زمن صدام، وقال "سابقًا كان النظام السابق يقطع لسان كل من يخالفه".

الهدف من عمليات الاعتقال اليوم، كما تقول العوائل هو من أجل تخويف المتظاهرين. ومن بين المفقودين أحمد إسماعيل، البالغ من العمر 27 عامًا والذي اختفى من ساحة التحرير في 28 تشرين الأول/أكتوبر.

قام أخوه الأكبر محمد بالبحث عنه في المدينة والمستشفيات قبل وضع صوره في جميع أنحاء ساحة التحرير يُطالب فيها أي شخص لديه معلومات بالاتصال. توجد على كل صورة بالأبيض والأسود رقم هاتف أحمد ومحمد. وقال محام عينه إسماعيل للتحقيق: "يبدو أن أحمد محتجز في قاعدة عسكرية لكن إسماعيل لا يستطيع أن يكون متأكدًا من الذي اعتقل شقيقه". مضيفًا: "كان هناك صدام واحد الآن يوجد الآلاف".

يواجه القادة السياسيون العراقيون الآن التحدي المتمثل في تشكيل حكومة جديدة يمكنها الاستجابة للضغوط العامة دون التخلي عن الامتيازات التي اكتسبوها منذ عام 2003.

وقال علي البياتي، رئيس لجنة حقوق الإنسان في العراق، الذي تلقى تهديدات بسبب الإبلاغ عن التقديرات عن أعداد الضحايا والمعتقلين: "إذا تم إنهاء التظاهرات وعادت الحكومة بقوة، لسوء الحظ هناك علامات تدل على أنها ستتحول إلى حكومة مستبدة". أدى استخدام القوة إلى تشديد مطالب المتظاهرين والتي ركزت في البداية على الوظائف والخدمات ووضع حد للفساد والتدخل الايراني في الحكومة.

في وسط  ساحة  التحرير، أقام المتظاهرون حبل المشنقة الرمزي تحت شعار "محكمة الشعب". الصور الموجودة  تدين الزعماء السياسيين كمجرمين وعملاء لإيران، تتخللها صور للمتظاهرين الشباب الذين فُقدوا. وإذا كانت حملات القمع للمتظاهرين مفاجئة لعدد من العراقيين فهي مألوفة للغاية للأقلية السنية في البلاد، والتي شكلت حتى الآن التهديد الرئيسي للنظام السياسي الذي يهيمن عليه الشيعة والذي بدأ بعد عام 2003.

لسنوات اشتكى السنة من الاعتقالات التعسفية من قبل قوات الأمن والآن فإن الأغلبية الشيعية هي التي تقود التظاهرات، التي تجري في بغداد والمحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية. الصراع الأساسي اليوم ليس هو الهوية الطائفية لكن الفجوة بين الذين استفادوا من النظام السياسي وأولئك الذين لم يستفيدوا منه.

اتخذت الحكومة والجماعات المسلحة التي تعمل تحت غطاء الدولة إجراءات تتجاوز الاعتقالات في محاولة واضحة لإنهاء التظاهرات. وقام رجال مسلحون بتحطيم مكاتب العديد من المحطات التلفزيونية التي غطت المظاهرات وتم حظر الوصول إلى الإنترنت بشكل متكرر من قبل الحكومة، وفي الأسبوع الماضي علقت لجنة الاتصالات والإعلام تراخيص تشغيل تسع قنوات تلفزيونية اتهمتها بالتحريض على العنف.

الولايات المتحدة، التي تولت ديمقراطية العراق بعد سقوط صدام أدانت الإيقاف. وقالت سفارة الولايات المتحدة في بغداد إن "حرية التعبير هي  حجر الزاوية في مجتمع ديمقراطي". وهددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على المسؤولين العراقيين الذين تثبت مسؤوليتهم عن العنف ضد المتظاهرين.

ومما يضاعف التحدي الذي يواجه السياسيين الذين يبحثون عن خليفة لعبد المهدي، المنافسة على النفوذ في البلاد. تدخلت إيران لدعم حكومة عبد المهدي الشهر الماضي، ويمارس المسؤولون الإيرانيون نفوذًا على بعض السياسيين العراقيين وأجزاء من الأجهزة الأمنية، بما في ذلك الميليشيات.

تقول الولايات المتحدة إن زعيم الجناح الخارجي لحرس الثورة الإسلامية قاسم سليماني، كان في بغداد يتدخل في السياسة العراقية. وتقول إيران إن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا متحمستين للتظاهرات. 

واجهت الحكومة الإيرانية اندلاع التظاهرات في الآونة الأخيرة، والتي تعاملت معها بإغلاق الإنترنت وقتل أكثر من 200 شخص وفقًا لمنظمة العفو الدولية.

قال رمزي مارديني، زميل معهد الولايات المتحدة للسلام، "إن القيادة العراقية المنقسمة غير قادرة على الرد وأن أسلوب إيران يتطلب عملًا موحدًا تكون فيه القوة سريعة وموجهة". وتابع القول: "العراق ببساطة لا يملك البنية أو المخابرات الرصينة على المستوى المحلي لتكرار النهج الإيراني".

في بغداد على الجدران وأعمدة الإنارة في قلب العاصمة العراقية، عُلقت لافتات تدعو إلى سقوط الحكومة وعلى جانبها صور للمفقودين

يوم الجمعة، أطلق مسلحون مجهولون النار على المتظاهرين في منطقة قريبة من ساحة التحرير في بغداد، مما أسفر عن مقتل 13 شخصًا على الأقل، من بينهم شرطيان، وإصابة أكثر من 55 آخرين.

لم يعلن أحد مسؤوليته عن الهجوم بعد وقال متحدث باسم رئيس الوزراء العراقي إن المتظاهرين أطلقوا النار على بعضهم البعض بعد نزاع، وقال إن المنطقة تخضع لسيطرة المتظاهرين لكن قوات الأمن تراقب الوضع.