11-فبراير-2021

تتفق قوى السلاح في العراق على مصطلح هيبة الدولة (فيسبوك)

جرت العادة توظيف المقدس كسياق طارئ لحسم حالة الصراعات السياسية في حال استنفدت الوسائل الأخرى، كالتسقيط، والفضائح، وفتح ملفات فساد "خفيفة"، ومن ثمّ إدخال المقدس كعامل حاسم لإنهاء المشكلة، وإطفاء الحرائق المشتعلة. لم تعد هذه القصة صادمة ومثيرة بأحداثها، وباتت معروفة، لكن المدهش هو أن يبقى الجمهور حطبًا للحرائق. 

تتفق قوى السلاح في العراق على مصطلح هيبة الدولة، ولم يكن هناك ما هو أكثر ضمانًا لنفوذها غير هذا المصطلح للتلاعب به كعنوان براق لضرب المعارضين

يتبادل ساسة العراق الرسائل بمنظور مختلف عن المفهوم السياسي والدبلوماسي، ويتحول باللحظة من تصريح إلى استعراض مسلح، واستدعاء للماضي الأسود المقترن بعجلة "البطة"، مع موجة تبريرات جاهزة تشرعن الخطأ، ثمّ تضفي عليه القداسة لتطالبك بالامتنان لها على ما فعلت، لتجعلك بمواجهة الجمهور في حال لم تكن راضيًا، لتبدو أنك معترض على المقدس لا على الخطأ! رمزية الرعب والموت تحوّلت إلى دعاية سياسية لخوض الانتخابات، والأمر يرتبط بطبيعة مزاج جمهور السلطة، وتعطشه للإثارة واستفزاز ذاته المنحازة للفوضى، يحدث ذلك لغياب القصة التي ترسم بالعادة خطوط الكتل السياسية الانتخابية، وهذه المرة، لا تملك الكتل غير نبش الماضي بطريقة مثيرة لاستثارة جمهورها، مع تفعيل الصورة عبر خروق أمنية أو معلومات مزيفة تجد من يتلقفها بسهولة للاندماج معها ومن ثم تصديقها لصناعة الحدث. 

اقرأ/ي أيضًا: إخفاقاتنا بين التوضيح والتصحيح

الحديث عن الدولة وسياقها المتعارف عليه، لا يحتمل التأويل والاجتهاد، ولن يختلف اثنان على أن الدولة بمؤسساتها وقانونها هي من يضبط إيقاع الصراع السياسي، غير أن الذي يجري هو تطويع الدولة للسلطة وتحوليها إلى كيان مصغر خاضع لمتبنيات السلاح الأقوى والأكثر عددًا. وتتفق قوى السلاح على مصطلح هيبة الدولة، ولم يكن هناك ما هو أكثر ضمانًا لنفوذها غير هذا المصطلح للتلاعب به كعنوان براق لضرب المعارضين، والحقيقية هي أن إسقاط هيبة الدولة كان مقصودًا، والسلاح ليس منفلتًا، بل هو منظم ويستخدم بحرفية عالية لترهيب المعارضين. 

تقترن الهيبة بوجود الدولة فعليًا أو معنويًا، وإذا كانت ضعيفة وفيها جماعات أقوى منها تنتهك القانون وتسلب الثروات وتقتل المواطن دون خوف من عقوبة أو محاسبة على مخالفة، فلن تكون هناك هيبة، وإنما خيبة أمل كبيرة للحالمين بنظام وقانون ومؤسسات رصينة تمثل الدولة، لذا، سيبقى مصطلح مطّاطي يجري توظيفه بما ينسجم مع مزاج الرمز والقائد، ولا يحتاج لأكثر من منشور واحد على "فيسبوك" يعبر عن الامتعاض ليصنف بعد ذلك كل مختلف ومنتقد ومعارض كإرهابي أو بعثي وجوكري وغيرها. مجرد منشور على "فيسبوك" لشخصية تكتسب شعبيتها من قربها للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أسقط الدولة بالمعنى العام وأباح للسلاح التجول كبديل، بعدما أشارت إلى وجود معلومات أمنية تشكل خطرًا على ثلاث محافظات، لم تكن الحكومة تمتلك خيارًا سوى أن تذيل المنشور بتغريدة لرئيسها محاولًا تبرير الخطأ في مشهد المسرحية العراقية. 

بات الأمر سياقًا للتعبئة الجماهيرية الجاهزة للتفاعل نفسيًا مع التأجيج السياسي الطائفي دونما تفكير، جمهور متعطش لدور الطاعة بشكل أعمى ليرضي نزعة التسلط على الآخر المختلف، واستشعار لذة استضعافه كما هو الحال، وكمثال على ذلك (التيار  الصدري والمتظاهرين) يحدث ذلك لغياب الدولة ولا يجد الفرد غير الانتماء للأقوى للتماهي وتبديل الأدوار بين الضحية والجلاد، ليس للحزب والجماعة فقط، بل حتى بالنسبة للعشيرة انطلاقًا من دوافع نفسية بحثًا عن توفير الأمن في ظل غياب القانون، لذلك تسعى دائمًا جماعات السلاح على ضرورة الصدارة، وحماية نفوذها من خلال طرح هويتها كبديل عن الحكومة والدولة، واللافت في الأمر، أنهم يدينون الفساد ويتهمون الأحزاب بأنها هدمت الدولة ويستنكرون المحاصصة، ويدينون قتل المتظاهرين، ويؤكدون على حقهم في الاحتجاج لإعادة هيبة الدولة بسلاح يهين الدولة ويحط من رمزيتها المنتهكة. إنها مغالطات معقدة ومتشابكة يراد ترسيخها كسلوك طبيعي. 

ربما تكون هذه الظاهرة متلازمة للنظام السياسي الجديد، وهي المشكلة التي أسهمت إلى حد بعيد بولادة انتفاضة تشرين التي تطالب بالتغيير وحصر السلاح بهوية الدولة، وهو كشرط أساس للمشاركة بالانتخابات، لكن لا أعرف ماذا سيكون رأي من هو مقتنع بالتغيير، والمشاركة بعملية سياسية يسقطها منشور على "فيسبوك" ويقرّر مصيرها سلاح "الزعيم والحجي"، فيما تفضح الأفعال أحيانًا تناقض فاعلها ما بين ثنائية (الشعار والفعل) ولا عزاء لنا سوى الضحك لمواجهة الخراب ومحاولة تخفيف ثقله الجاثم على صدورنا، نحن الذين لا نملك سوى الكتابة أو الشخبطة - إن كان التعبير ملائمًا - لم يعد لدينا ما يعوّض الخسارات الكبرى في استحصال المواساة سوى الكلمة، وإن كانت مخنوقة بقفص الخطوط الحمراء، لكنها المنفذ الوحيد للتعويض عن المفقود في دواخلنا المنهارة. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قيادي صدري: نشر المسلحين لم يزعج الكاظمي.. و"قُحّ" سيحول العراق إلى سنغافورة

سرايا السلام بسلاحهم في ثلاث محافظات.. والكاظمي يتوعد المتجاوزين