10-أبريل-2019

لم يكن الغزاة يمتلكون خطة لإدارة البلاد بعد سقوط صدام (رويترز)

في بلاد لم تعد تحتمل لشدة ثلاثين عامًا من الإرهاق والأزمات، كان العراقيون عام 2003 يترقبون وصول جحافل وطائرات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى حدودهم، برًا وجوًا، تجتاح مثل أعمدة الأعصاير المدن تباعًا، فعصف بالأرض وعربدت في السماء.

قدم كتاب "الانهيار" تحليلًا فريدًا لمسار الحرب التي انتهت إلى نتائج كارثية وفشلًا ذريعًا للإدارة الأميركية

سقطت العاصمة بغداد دون أية مقاومة تذكر، لم يصمد الجيش العراقي، انفرط وتبعثر، ودخلت القوات الأمريكية إلى قلب العاصمة، وشاهد العالم كله جنديًا أميركيًا يضع علم بلاده على رأس تمثال صدام حسين، قبل إسقاط تمثاله البرونزي أرضًا.

الانهيار

رافق القوات الأميركية عدد غير قليل من المدنيين الأجانب، بصفة "متطوعين في إعادة بناء العراق"، من بينهم إيما سكاي، وهي زميل أقدم في معهد جاكسون للعلاقات الدولية - جامعة ييل، حيث عملت كمستشارة سياسية لقيادات الجيش الأميركي بين عامي (2003 ـ 2010)، والتي ألفت فيما بعد كتاب "الانهيار"، قدمت فيه تحليلًا فريدًا لمسار الحرب التي انتهت إلى نتائج كارثية وفشلًا ذريعًا للإدارة الأميركية.

 اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية، الكتاب، "أداة لا غنى عنها لفهم خلفية هذا الفشل"، وقالت عنه صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية: "استقصاء رصين وشامل، لكنه في النهاية يدمي القلب، حيث يتناول الأسباب التي حرمت العراق حتى الآن من الاستقرار والسعادة، وجعلت هذا البلد كارثة لا تنتهي في جبين السياسة الخارجية".

اقرأ/ي أيضًا: قتل.. تشريد ودمار: 50 صورة تروي 9 سنوات من الاحتلال الأمريكي

يتحدث الانهيار الذي ترجمه من الإنكليزية إلى العربية، الكاتب والإعلامي قيس قاسم العجرش، عن تداعيات بناء الأمة، وكيف أن إزاحة النظم الاستبدادية يمكن أن توقع الأمم في صراع واختلاف كبيرين، فضلًا عن أنها يمكن أن تؤدي إلى انهيار الدولة التي كانت، فإنها تذكرنا بمحدودية التدخل الخارجي في أراضي الغير، وبأولئك الذين ساعدونا على حيازة القوة لكنهم استخدموها من أجل تنفيذ مخططاتهم الخاصة.

بريمر سرح الجميع.. ظن الأمريكيون أنهم محررون

في 11 أيار/مايو 2003، تم تعيين بول بريمر ليكون الرئيس الجديد لسلطة الائتلاف المؤقتة، ولم يكن بريمر يرى أن هناك من العراقيين من يمكن الوثوق بقدرتهم على إدارة البلاد، لهذا قرر أن تخوض الولايات المتحدة تجرية الإدارة المباشرة للعراق إلى أجل غير مسمى.

ومن أجل تقويض الأسس التي كانت الدولة تداروفقها في عهد صدام حسين، وجه بريمر سلطة الائتلاف بإصدار مرسوم يقضي بحل حزب البعث، وآخر يقضي بتسريح القوات الأمنية العراقية، لكنه بهذا كان يزيل عصب الدولة التي أبقت العراق متماسكًا وموحدًا، لهذا فقد كان هناك فراغ في السلطة وتسريح جماعي للجميع.

أزال بريمر عصب الدولة التي أبقت العراق متماسكًا وموحدًا حين أصدر مرسومًا يقضي بحل حزب البعث، وآخر بتسريح القوات الأمنية العراقية

كان العسكر والجنود الأميركان ينظرون إلى أنفسهم على أنهم محررون، وكانوا غاضبين مما اعتبروه نكرانًا للجميل من جانب العراقيين غير المرحبين. قالت إيماي سكاي للعسكر: إن من يغزو بلدًا ويقتل أشخاصًا ماكانوا يشكلون له تهديدًا، في النتيجة لا يمكن أن يكون محبوبًا. كانت مهووسة بعدد القتلى الذي يسقطون من بين العراقيين، وقد رأت الجنود الأميركيين وهم مغطون بالدماء، وكانت تتساءل عن أي حياة شاركوا في تدميرها، وعن أي نتيجة يمكن أن نخرج من هذه المواجهة؟.

لطالما سألت (سكاي) الجنود عن سبب التحاقهم بالجيش، كانت تسمع عن الوضوع المعاشي وعن الفرص التي توفرها الخدمة في الجيش للملتحقين، كما استمعت إلى قصص تتحدث عن نيل مكانة أفضل بعين المجتمع الأميركي، لكن أحدهم لخص لها أسباب التحاقه بالقول: "وأي عمل آخر سيسمح لك بأن تطرق الأبواب ثم تنتظر قليلًا ثم ترمي قنبلة وتفجر المكان؟".

المحاصصة الأولى

كانت المشكلة المبدئية التي تواجه الأمريكيين هي عملية إيجاد أشخاص شرعيين لتولي مسؤولية النواحي العامة، وخلال عقود وجيلًا بعد آخر، خسر العراق الطبقة الوسطى في مجتمعه عبر الحروب المتتالية والتوترات والعقوبات التي استمرت طويلًا.

الكثيرون منهم قتلوا من قبل النظام السابق، بينما فضل الآخرون اللجوء إلى المنافي على البقاء مطاردين داخل بلادهم. لقد عمل صدام حسين على عدم بروز قادة محليين يمكنهم تهديد سلطته، كما ساهمت عملية اجتثاث البعث بإبعاد أولئك القادرين على إدارة المصالح العامة، أما القادة من الأحزاب السياسية المعارضة فمشكلتهم أنهم بلا خبرة، وكانوا مجهولين من قبل الشعب ولا يعرفهم  أحد تقريبًا. لقد اختارت سلطة الائتلاف أن تحكم العراق بطريقة مباشرة وعبر تعيين إداريين يباشرون القضايا بأنفسهم.

بطلب من ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، سيرجون دي ميلو، جرى تعيين مجلس يضم 25 عضوًا عراقيًا يجري استشارتهم في شؤون الحكم، و"من أجل أن يكون  المجلس  أكثر تمثيلًا  لقطاعات المجتمع العراقي"، جرى مراعاة النواحي الإثنية والطائفية في تشكيل المجلس لأول مرة في تاريخ العراق، ولهذا كان 13 عضوًا من أعضاء المجلس من العرب الشيعة، و5 أعضاء من الأكراد، و5 من العرب السنة، وواحد تركماني وآخر مسيحي آشوري.

اختار الأمريكيون مجلس الحكم على أساس طائفي وإثني ولم يكن أحد يدرك مدى الكارثة التي يمكن أن تجلبها هذه القضية على مستقبل العراق

لكن التأكيد على الهويات الفرعية جاء على حساب بناء هوية عراقية شاملة يشترك فيها الجميع، ولم يكن أحد يدرك مدى الكارثة التي يمكن أن تجلبها هذه القضية على مستقبل العراق.

السيستاني

في بداية أيلول 2003عرض السفير بول بريمر الخطوات السبع المطلوب إنجازها لإتمام بناء العراق الجديد، ثلاث من أصل هذه الخطوات السبع قد جرى تنفيذها بالفعل، تعيين مجلس للحكم، وتعيين هيئة تحضرية تقرر شكل الهيئة التي ستكتب الدستور، وتعيين  وزراء للحكومة يديرون الأعمال اليومية للوزارات والدوائر الخدمية الرسمية.

وتتطلب الخطة أن يكتب الدستور وأن يجري الاستفتاء عليه، وأن تجري انتخابات عامة تؤدي إلى تشكيل حكومة، وهذا الترتيب  سيقارب السنتين لتنفيذه.

كان الجدول الزمني الذي عرضه بريمر لهذه الخطوات يبدو في نظر واشنطن بطيئًا، وكذلك  في نظر العراقيين، كان أعضاء مجلس الحكم قد شرعوا بالفعل في تعزيز قوتهم السياسية وعلى الأرض.

اقرأ/ي أيضًا:  غزو العراق.. تفجير العصبيات بلغم أمريكي!       

بعد ذلك تم استدعاء بريمر فجأة إلى واشنطن للاجتماع بالرئيس، وبلا مقدمات تم تحويل الخطوات السبع التي شرحها إلى اتفاق تنفيذي، وذلك في (15 تشرين الثاني/نوفمبر 2003).

الاتفاق سيسمح بتبني تسريع الخطوات كي تدفع إلى تبني دستور مؤقت، وجمع جمعية وطنية انتقالية يجري اختيارها عبر مؤتمرات في المحافظات بدلًا من القوائم الانتخابية، ثم إلى تشكيل حكومة يجري اختيارها داخل الجمعية الوطنية، على أن تستكمل كل هذه العملية بحلول منتصف عام 2004.

اعترض المرجع الأعلى علي السيستاني على اختيار جمعية وطنية عبر مؤتمرات في المحافظات ووافق على حكومة مؤقتة تشارك الأمم المتحدة باختيارها

لكن سرعان ما أثار هذا الاتفاق رفضًا ومعارضة قوية من قبل المرجع الأعلى علي الحسيني السيستاني، حيث رفض بصورة قاطعة مسألة المؤتمرات الانتخابية في المحافظات، وجرى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي إلى العراق من أجل التوسط وحلحلة الموضوع، وتوصل بالفعل إلى حل وسيط يقضي بحذف مقترح المؤتمرات الانتخابية والجمعية الوطنية المؤقتة، وأن تحل محلها حكومة تشارك الأمم المتحدة باختيارها تأخذ دور سلطة الائتلاف بحلول حزيران/يونيو 2004.

الحلم الكردي في كركوك

وبما أن الموعد قد تقدم لإنهاء دور سلطة الائتلاف، فقد انعكس الأمر على شكل زيادة في الضغط والتوترات في كركوك، وبشكل خاص من  قبل الأكراد الذي يسعون لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب بينما  تتواجد قوات التحالف وسلطة الائتلاف. لقد كان التدافع والتناحر من أجل كركوك في أوجه.

القبض على صدام حسين

في 14 كانون الأول/ديسمبر 2003 وصلت أخبار إلقاء القبض على صدام حسين وجعلت الأجواء مشحونة بالتوتر، ادعت مصادر في الاتحاد الوطني الكردستاني القبض عليه في بلدة الحويجة، لكننا لم نعر لها أهمية، لكثر التقارير عن  مشاهدة صدام.

وسرعان ما  تصدرت أخبار القبض عليه النشرات الإخبارية، وظهر بريمر على شاشات التلفاز يقول: سيداتي سادتي.. لقد أمسكناه.

بالفعل القي القبض على صدام بعد تسعة شهور من البحث والتفتيش، عثرت عليه القوات الأميركية مختبئًا في حفرة ضمن نطاق  مزرعة في تكريت، وكانت على مرمى البصر من القصر الذي اتخذه الجنرال أوديرنو مقرًا له. لقد خرج من الحفرة وقال: "أنا رئيس جمهورية العراق وأريد التفاوض".

مسعود بارزاني يشعر بعراقيته.. والصدر يعترض

مع اقتراب شباط/فبراير 2004 من نهايته، ازداد الجدل بشأن الدستور المؤقت، والذي عرف بـ(قانون إدارة الدولة للمرحلة الأنتقالية) حيث فشل موعد أولي لتوقيع القانون، وتم تأجل مراسم التوقيع إلى شهر آذار/مارس.

أثار التوقيع على الدستور المؤقت موجة غضب وجدل كان أحد أطرافها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لكن مسعود بارزاني كان مسرورًا به: لأول مرة في حياتي أشعر بأنني عراقي

وفي 6 آذار/مارس اجتمعت وسائل الإعلام في قصر المؤتمرات، وجاء المحافظون والدبلماسيون والوزراء، لكن أعضاء مجلس الحكم لم يظهر أحد منهم. كان الأعضاء الشيعة غير راضين عن الفقرة (61/جـ) والتي تنص على أن الدستور لن يكون مجازًا أو مقرًا إن حدث وصوت بالضد منه ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات.

كانت تلك الفقرة مهمة للغاية للأكراد، الذين يريدون عبرها أن يثبتوا للناس في كردستان أن إرادة محافظاتهم ستمضي، وسيؤخذ بها من قبل الجميع.

ومع اقتراب النهار من الانتصاف خاطب بريمر أعضاء مجلس الحكم بالقول إن هذا القانون هو الوثيقة الأهم في تاريخ العراق الحديث، وإن فشل في توقيعها سيتسبب في إحداث ضرر بالغ بمستقبل العراق ومجلس الحكم نفسه.

وقعت الوثيقة يوم 8 آذار/مارس، ثم ألقيت الكلمات وغنى الأطفال في القاعة، ووقف مسعود بارزاني وقال: "لأول مرة في حياتي أشعر بأنني عراقي"، قالها بالكردية ثم العربية.

امتلأ فريق بريمر بالسعادة والفرح نتيجة توقيع القانون أخيرًا، القانون الذي لم يجر إطلاع المواطنين العراقيين عليه، ولم يجر تواصلهم مع التفاصيل التي رافقت إعداده، وسرعان ماظهرت الاعتراضات عليه، فقد دعا مقتدى الصدر إلى الغاء هذا القانون، وإلى حل مجلس الحكم، كما شعر التركمان بالإهمال والتهميش، أما الإيزيديين فقد اشتكوا من أن قانون إدارة الدولة لم يتطرق لهم بتاتًا، حتى وصل الاعتراض على قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية إلى أعضاء مجلس الحكم أنفسهم.

مسلحون وقتلى.. ضحايا في أعراس الزفاف

أخذ الواقع العراقي يشهد رعبًا عميقًا، وكان هناك المئات من القتلى في مختلف البلاد، وبدأ العنف في العراق يزداد بثبات، وسط تكرر الاعتداءات على المنطقة الخضراء، ثم وصلت قوات التحالف مشورات من كل أنحاء العراق من مختلف المجاميع الجهادية تحذر العراقيين من التعاون مع القوات الأجنبية، وتتوعد أولئك الذين ينخرطون مع القوات الأمنية العراقية، وذكروا أن هجماتهم على ضد قوات التحالف وعلى الخضراء كانت ثأرًا للضحايا الذي سقطوا في النجف والفلوجة.

بدأت موجة العنف تتصاعد في البلاد مع مطلع عام 2004 وسط تحذيرات وانتقادات من الأسلوب الذي اتبعه الجيش الأمريكي لإدارة الملف الأمني باستخدام القوة المفرطة وقتل الأبرياء

أما المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، فقد استمر بإلقاء اللوم في تصاعد العنف على عناصر النظام السابق، والصداميين، وعندما قصفت قوات التحالف عن طريق الخطأ حفل زفاف، وكان هناك أكثر من أربعين ضحية، فإن المتحدث الرسمي قال ضمن تبريراته: "حتى الأشرار يمكن أن يقيموا حفلات زفاف".

كانت وسائل الإعلام تنقل باستمرار تحذيرات المصادر العسكرية والسياسية من مآل الأحداث في العراق، والطريقة التي يتعقد بها المشهد، لقد كان هناك كم كبير من الانتقادات والمخاوف والقلق من التكتيكات التي كان الجيش الأميركي يعتمدها في نهجة، وبصورة خاصة، الاستخدام المفرط للقوة، معاملة العراقيين على أنهم بشر من الدرجة الثانية، رغبة الأميركيين بعدم تكبد أي خسائر، إضافة إلى العلاقة الضعيفة مع المجتمع العراقي.

فضيحة بوش وبريمر

في 29 نيسان 2004 كتب خمسون سفيرًا بريطانيًا سابقًا رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء توني بلير، بينوا فيها أن سير أحداث الحرب يوضح بجلاء أنه لم يكن هناك بالأصل أي خطة لمرحلة مابعد صدام، ولفتوا الانتباه إلى أن كل خبراء الشرق الأوسط توقعوا أن يواجه احتلال العراق بمقاومة عنيفة لاحقًا، وكان لزومًا على السياسة أن تأخذ في حسبانها تاريخ العراق وطبيعته، ولهذا ليس هناك من فرصة في دعم السياسات التي بدأت تخبو وستنتهي بالفشل.

لقد فشل جورج بوش وتوني بلير في تحشيد الإجماع خلفهم في الحلبة الدولية للبدء بالحرب، والآن هما يتلقيان العواقب، وكل من شك في هذا العالم بجدوى الحرب نراه يستمتع برؤية الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق وهما يترنحان من فشل إلى آخر.

ومع ارتفاع منسوب التوتر والعنف في العراق، عول بريمر على استراتيجية جديدة للتواصل، وبدأ بدعوة ممثلي مختلف المجتمعات العراقية للقائها في المنطقة الخضراء. وحدث أن التقى بما يقارب الثلاثين من الضباط الكبار من الرتب العالية في الجيش العراقي السابق.

كشف سفراء بريطانيون سابقون عن عدم امتلاك واشنطن والمتحالفين معها أي خطة لإدارة العراق بعد سقوط صدام حسين، فيما حاول بريمير لملمة الأمور بلقاء ضباط في الجيش السابق لكنه تلقى توبيخًا عنيفًا

حدثهم بريمر في البداية عن رؤية الرئيس بوش لما يجب أن يحدث في العراق الذي بحاجة إلى نقلة نوعية تحمله من لديكتاتورية إلى الديمقراطية، وذلك بإجراء انتخابات حزيران عام 2005، ويجب أن يعود العراق تحت حكم القانون، وأن تعود الأمور تحت إشراف مختصين عراقيين، في وقت كانت الولايات المتحدة  تنفق الملايين على تدريب وتسليح القوات العراقية ومع ذلك بقي الوضع يتدهور بشدة.

بريمر يتعرض للتوبيخ

أثناء الاجتماع أقدم أحد الحاضرين، وكان ضابطًا سابقًا في الجيش العراقي على توبيخ بريمر على توضيحه لوجة نظر الرئيس بوش، وقال: "إن من الأولى  توضيح وجهات نظر العراقيين وتطلعاتهم في البداية، واقتبس من كلمات بريمر الذي قال إن "مهنية الجيش الذي يحمل السلاح هي مهنية مشرفة"، وعلق عليها بالقول: "كان الأولى بقوات التحالف أن تحترم الجيش المهزوم، بدلًا من إلغاءه"، مضيفًا أن "التحالف وعد بتغيير النظام، ولكنه بدلًا من ذلك أطاح بالدولة وهدم بنيانها".

أبو غريب.. وجه أمريكا الحقيقي

واصطدمت جهود بريمر للتواصل مع العراقيين والمجتمعات المختلفة في البلاد، بظهور الأخبار التي تحدثت عن وجود حالات من التعذيب للسجناء العراقيين في سجن (أبو غريب)، وتسببت صور السجناء وهم عراة، أو مربوطون بالسلاسل، وممددون فوق بعضهم البعض، بتشويه وتخريب كبير لصورة قوات التحالف، بعدما انتشرت في الصحافة العالمية والعربية، وأصبح سجن (أبو غريب) سيء السمعة في عهد صدام، رمزًا للتعذيب الذي تمارسه قوات التحالف، وأصبح مبعثًا جديدًا لتجيند المزيد من الشباب العراقي في صفوف القتال ضد القوات الأمريكية.

كانت زنازين الاستجواب تتبع 35 طريقة مذكورة في كتيب للدليل متوفر على الإنترنت، وشهد سجن (أبو غريب) أسواء النواحي الشخصية الإنسانية، لقد استعمل عدد من الحراس والجنود الأمريكيين سلطتهم لخلق عالم متوحش، وماشجعهم على المضي في ذلك هو ضعف الرقابة على أدائهم. كان أولئك الجنود يتسلون في أيامهم الضجرة بإظهار وحشية غريبة ويتمتعون بانتهاك خصوصية السجناء الذي بعهدتهم، لقد كان (أبو غريب) واحدًا من تلك الأماكن التي ينضج فيها الشر ويبرز وجهه بلا أقنعة.

لقد كان سجن أبو غريب واحدًا من تلك الأماكن التي ينضج فيها الشر ويبرز وجهه بلا أقنعة

الوثوق بالمالكي انتهى بقيام داعش!

كان هناك الكثير أمام قوات التحالف مما يمكن فعله من أجل الدفع باتجاه التسويات بين النخب والجماعات العرقية، ومن أجل ترسيخ الانتقال السلمي للسلطة عبر الانتخابات. وبدلًا من ذلك، فقد راهنت الولايات المتحدة على أن الطبقة السياسية التي تصدرت المشهد بعد عام 2003 وأبرزهم نوري المالكي، هم الذين سيتمكنون في النهاية من تحقيق أهداف العمل السياسي والعسكري الذي شرعت به في العراق، وتلك كانت سقطة خاطئة.

خطأ السياسية الأميركية في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، تبين جليًا عندما ظهر تنظيم داعش عام 2014، وسيطر على مساحات واسعة من الأرض، طارحًا نفسه مدافعًا عن العراقيين السنة، بوجة الحكومة العراقية الشيعية المدعومة من إيران.

توضحت لحظة اجتياح تنظيم "داعش" لمساحات شاسعة من البلاد النتائج البشعة لدخول وإدارة القوات الأمريكية للبلاد، حتى سارت التغييرت الجذرية باتجاه تعزيز موقف إيران في المنطقة

في تلك اللحظة من حزيران/يونيو عام 2014 توضحت أعماق الإهمال الأميركي في الإدارة واختيار الشخصيات لتولي زمام السلطة في البلاد، والنتائج الكارثية التي انتهت إلى إعلان داعش "دولة الخلافة" ممثلًا النتائج البشعة لدخول وإدارة القوات الأميركية للبلاد، حتى سارت التغييرت الجذرية باتجاه تعزيز موقف إيران في المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جردة حساب في مواجهة الاحتلال الأمريكي.. كيف انقسمت المقاومة العراقية طائفيًا؟