21-ديسمبر-2021

في العراق يمكنك أن تكون عدوًا وصديقًا للديمقراطية في نفس الوقت (فيسبوك)

لم تسهم قوى "المعارضة" الخارجية والداخلية في العراق ولو بإسهام ضئيل في دعم عملية الانتقال الديمقراطي التي تلت سقوط البعث. كان الهم الأول والأخير هو إسقاط صدام حسين، وهو أمل معظم العراقيين بكل تأكيد، فالتنديد بالطاغية يستتبع منطقيًا الرغبة العميقة في الديمقراطية، أللهم إلّا إذا كان الأمر شخصيًا أو يرتبط بنزوع طائفية ولا دخل له بالطغيان على الإطلاق، كما ولا دخل له بالديمقراطية.

الصراع الذي نشهده الآن ليس صراعًا نابعًا من عملية الانتقال الديمقراطي بل هو صراع واضح ضد الديمقراطية

 لذلك، من الصعب الاستنتاج أن الدافع الجوهري الذي حرك القوى الإسلامية، على وجه الخصوص، هو الإيمان بأسس الديمقراطية. إنهم لم يساهموا بخطوة مقنعة في هذا الانتقال؛ فالمؤسسات الدستورية، والقانونية، والهيئات التنفيذية وغيرها، والانفتاح التجاري والاقتصادي، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والانتخابات الدورية، باختصار، الهيكلية الجديدة للدولة العراقية. كل هذه الجهود قامت به القوة المحتلة.

اقرأ/ي أيضًا: الصراع بين الديمقراطية والسلطوية.. مَن يَغلبُ مَن؟

 ولا ندري على وجه الدقّة إن كانت هذه التحولات تثير إعجاب التنظيمات الإسلامية. كما ولا نستطيع الجزم حول مآل العملية الديمقراطية في العراق بمعزل عن القوى العالمية المهيمنة، ولا نستطيع الاطمئنان حول المحصلة النهائية لعمل هذه المؤسسات الناشئة، وعن مصيرها في ظل قوى سياسية آخر ما تفكّر فيه هو العمل المؤسساتي.

والغريب أن هذه التنظيمات ترتكز دائمًا على هذا الادّعاء: إننا نتملك حاضنة شعبية واسعة. والحاضنة المعنية هنا ليست جمهورًا سياسيًا ينتخب على أساس البرامج، وإنما جمهور مذهبي محض. وعلى الرغم من ذلك كله فهي لا يرتاح لها بال طالما هنالك مؤسسات تعمل بمهنية؛ لا بدّ من إضفاء الجانب الشخصي فيها لضمان الهيمنة الشاملة وعبور حاجز الديمقراطية الثقيل.

إن الصراع الذي نشهده الآن ليس صراعًا نابعًا من عملية الانتقال الديمقراطي، بل هو صراع واضح ضد الديمقراطية. إنها لعبة "الأغلبية والأقلية" التي اختزلتها التنظيمات الإسلامية كنقطة جوهرية للصراع على النفوذ فحسب، وما عدا ذلك، فمن الصعب العثور على ممارسة ديمقراطية داخل هذه التنظيمات. إنه صراع من أجل ترسيخ الجانب الشخصي على الجانب المؤسساتي، وكلما تقدم هذا الأخير ضاقت دائرة نفوذهم، وحين تضيق دائرة النفوذ تضيق معها سبل الحياة، وتجري عمليات تصفية حساب في هذا البلد ربما لم تشهدها بقعة على وجه الأرض.

وكل أعمال الفساد التي نشهدها تؤكد على أن القوم لا يعنيهم أمر هذا البلد وتاريخه، فهم لعبوا دورًا محوريًا في إبعاد الناس من الدين وشيوع حالة اليأس والعدمية بين أوساط الشباب. لا خدمات تليق بالبشر، ولا حياة تليق بكائنات أدنى من البشر! ولا حياة سياسية ديمقراطية واضحة المعالم؛ أنهم ضد كل أشكال الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية باستثناء نفوذهم الشخصي الذي يبيح لهم التلاعب وهدر المال العام.

كل هذا يعطينا ترجيحًا مفاده: أن عمر هذه التنظيمات ليس طويلًا كما يبدو؛ فحزب الدعوة تقلّص حجم حواضنه الشعبية، والفصائل المسلحة ليست معنية على الإطلاق بمخرجات الديمقراطية سواء كانت تصب في صالحها أو العكس؛ إذ حتى لو جاءت النتائج لصالحها، فنظرتها للديمقراطية لن تتغير على الإطلاق، وستبقى هذه الأخيرة عبارة عن كرنفال انتخابي يُستثمر لصالح القوى الطائفية.

وفي النهاية؛ سيتحول هذا الكرنفال الانتخابي الى تهديدات مبطنة، خصوصًا أنهم على دراية كاملة بضعف تأثيرهم، فالحل الوحيد هو الهجوم الكاسح ضد الديمقراطية بأشكال تعبيرية مختلفة. لا يعني أنهم كانوا ديمقراطيين سابقًا، بل كل ما في الأمر أن مفهوم الأغلبية المذهبية لم يعد رائجًا في سوق المحاصصة؛ فربما نشهد تحالفات عابرة لأمنيات الطائفيين. والمصيبة الكبيرة، أن لهذه التنظيمات ذاكرة سياسية يستمدونها من أسلافهم فيما يخص نظرتهم حول الاحتلال الإنجليزي للعراق، والثمن الباهظ الذي دفعوه. وهم اليوم يجترون هذه الذاكرة من دون إجراء تعديلات عليها!

لكن التاريخ لا توجد له محطات انتظار أو مقاعد محجوزة للمغترّين بنفوذهم؛ إن قوانين التاريخ لا تحمي المغفلين، خصوصًا هؤلاء الذين أكرمهم التاريخ بقاعدة بيانات ضخمة بإمكانها أن تحيي حتى الموتى من سباتهم الطويل، إلّا القوم فهم مصرون بكفاح عجيب من استعادة الأرشيف وإحالة الحياة السياسية إلى جحيم لا يطاق.

هل من عبرة تلوح في الأفق تيقظ هؤلاء من سباتهم؟ على الإطلاق، فسيبقى الكفاح ضد الديمقراطية ساري المفعول، خصوصًا أنه لا يوجد عدو يستحق الكفاح ضده مثل الديمقراطية في نظر التنظيمات الدينية الفاسدة. إن الديمقراطية هي العدو الجديد بعد أن أفلست من أعدائها القدامى.

في العراق يمكنك أن تكون عدوًا وصديقًا للديمقراطية؛ عدوًا لها أن لم تحقق أحلامك الشخصية أو الطائفية وصديقًا حين تضمن لك الوقوف في سدة الحكم

 لكن المضحك في الأمر هو أنه يمكنك أن تكون عدوًا وصديقًا للديمقراطية في نفس الوقت؛ عدوًا لها أن لم تحقق أحلامك الشخصية أو الطائفية، وصديقًا حين تضمن لك الوقوف في سدة الحكم.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تضامنات سياسية مٌزَيّفَة

الأغلبية الوطنية والأغلبية التوافقية