13-نوفمبر-2021

القوى السياسية تجد أن لا مناص من التوافق السياسي (فيسبوك)

إذا كان التنوّع الثقافي والإثني عامل قوة للمجتمعات والدول، فهذا يعود إلى تقدّم آليات إدارته وترسيخ قيم التعايش والمواطنة، إلا أن هذه التنوّع يمكن أن ينقلب إلى عكسه، فيصبح عامل تشتيت ونزاع ينتهي إلى عنف بفعل السياسات وسوء الإدارة، وهذا ما حصل في العراق ما بعد 2003، فقد تمظهر سوء إدارة التنوّع على شكل صراع سياسي طائفي تمخّض عنه حرب طائفية، فوجدت القوى السياسية أن لا مناص من التوافق السياسي. 

أغلبية الصدر لا ترتقي لوصفها أغلبية وطنية بل يمكن وصفها بكونها أغلبية توافقية

 هذا التوافق الذي لم يكن قائمًا على داعي المصلحة العليا، بل كان مبنيًّا على أساس مصالح فئوية تأخذ شكلاً طائفيًا تارةً وشكلاً حزبيًّا مرةً أخرى، ليتحوّل إلى محاصصة وتوزيع مناصب وتقاسم "الكعكة"، وهو الذي بات مهيمنًا على المجال السياسي، حتى وصل الأمر إلى أن كل حزبٍ يغترف من المناصب التنفيذية بما يتسع له عدد المقاعد البرلمانية التي تحصّل عليها، وبات التستّر على الفساد وسوء الإدارة هو موضوع التوافق السياسي، فانبرى رئيس مجلس الوزراء حينذاك نوري المالكي الخارج من التحالف الوطني مشكّلًا ائتلاف دولة القانون الذي كان اهتمامه الأساس ينصب على تشكيل حكومة أغلبية سياسية، لكنه بقي وحيدًا ولم يجد من يدعمه في تطبيق أغلبيته هذه؛ لأن المالكي معروف أساسًا بكونه رجل طائفي وليس له مقبولية لدى المكونات من غير مكونه والأغلبية التي ينادي بها، بالتالي تُفهم على أنها أغلبية طائفية إذا ما عرفنا أن المقاعد البرلمانية هي ذات أغلبية من مكون المالكي نفسه؛ لأسباب ليس هذا مقامها، مما أثار مخاوف لدى الكثيرين من قيام ديكتاتورية جديدة بقيادة المالكي ذات شكل طائفي وحزبي هذه المرّة، ففشلت هذه المحاولة.

اقرأ/ي أيضًا: نظرة على المتغيّرات الانتخابية.. وماذا بعد؟

ومن محاولات تشكيل الأغلبية، كانت في انتخابات 2018 لتحالف البناء بقيادة الفتح من جهة وتحالف الإصلاح بقيادة سائرون من جهة أخرى، إلا أنها انتهت أيضًا بعد شدٍّ وجذب سياسي وقانوني إلى الركون إلى توافق سياسي ومحاصصة بشعة امتدت حتى لمدير مكتب رئيس مجلس الوزراء، فأنتجت حكومة هشّة برئاسة رئيس مجلس الوزراء السابق عادل عبد المهدي التي أسقطتها احتجاجات تشرين الأول 2019 بعد سنة من تشكيلها، والتي تبعتها تشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي وبآلية توافقية محاصصاتية أيضًا أجرت انتخابات "مبكّرة" ففرضت نتائجها سياقًا سياسيًا مختلفًا عن سابقاته لكونها أفصحت عن فوز التيار الصدري المشارك في الانتخابات تحت مسمى "الكتلة الصدرية" بالعدد الأكبر من المقاعد وبفارق الضعف عن أقرب منافسيه، والذي أتاح لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إحياء فكرة الأغلبية مجددًا، ورغم أن المشهد السياسي لم يفضِ إلى تحققها بعد، إلا أن فكرة الأغلبية، حالها كحال أي مفهوم يدخل المجال السياسي فيتكيّف مع المناخ السائد فيها، فالأغلبية عند مقتدى الصدر لا تواجه مشكلة أغلبية نوري المالكي، فالصدر لديه مقبولية من مكوّنات أخرى على عكس المالكي، ولا يوصف بكونه طائفيًّا، فهو بحسب تعبيره "شيعي في العلا.. سني الصدى" كما أغلبيته المزعومة لا تواجه مشكلة تقارب أعداد الكتل الفائزة كما حصل في انتخابات 2018.

إلا أن المشكلة أعمق هذه المرّة، فهي تصيب مفهوم الأغلبية ذاته بالصميم، فأغلبية الصدر لم ترتقِ لوصفها أغلبية وطنية بل يمكن وصفها بكونها أغلبية توافقية، أي أنها ليست أغلبية متماهية القوى ومتجانسة وموحدة الرؤى والمواقف والمصالح، بل أنها أغلبية تبنى على أساس توافق عدد من القوى وتحاصصها وإهمال وتجاهل أخرى، أي أنها محاصصة مقنّعة بقناع الأغلبية، ومهما بلغ التقارب بين هذه القوى، فهو تقارب توافقي مؤقت ومهدّد بالزوال عند أي عاصفة سياسية، بينما الأغلبية الوطنية المنشودة تستند على أسس أمتن تمكّن التنوّع في إطار الوحدة وتحفظ الوحدة من خلال التنوّع، ولها رؤى ومواقف مشتركة إزاء القضايا الكبرى وليست مجرد التئام من أجل التهام قطعة من "الكعكة"، فهل بلغ المجال السياسي عندنا ما يؤهله لإنتاج هكذا أغلبية وطنيّة؟

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحديات نواب الاحتجاج: النموذج الأول والمهام الجسام

المقاطعون ومشاركة "تشرين" بالانتخابات