15-أغسطس-2021

سياسيون يخافون الدخول لمجالس العزاء (فيسبوك)

مع ادعاءات المتحكمين في النظام السياسي العراقي بالقرب من الطقوس الحسينية والمجاهرة بممارستها، انتشرت في السنوات القليلة الماضية ظاهرة امتزاج الشعائر الحسينية بالخطاب الاحتجاجي خلال موسم العزاء السنوي في شهر محرم، لا سيما بعد موجتي احتجاج البصرة في أيلول/سبتمبر 2018 وتشرين الأول/أكتوبر 2019، حيث يستذكر الناس ما عرف تاريخيًا بـ"واقعة الطف" بإسقاطها على اللحظة الراهنة، ليعيدون بذلك تقسيم الواقع إلى معسكرين: "حق محتج"، وآخر "سلطوي جائر". 

"الشعائر ليست للدعاية الانتخابية"

ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقرر المزمع إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وتزامنها مع موسم العزاء الحسيني لهذا العام، عمدت كثير من المواكب الحسينية إلى رفع لافتات تحمل عبارات تمنع المسؤولين من دخول مجالس العزاء، فيما حذّر بعض أصحاب مواكب مرشحي الانتخابات الجدد من دخول مجالسهم أيضًا، تعبيرًا عن رفضهم لـ"توظيف مواكب العزاء في الدعاية الانتخابية". 

مع تصاعد موجات الاحتجاج بدأت ظاهرة رعاية السلطة للشعائر الحسينية بالانحسار تدريجيًا

حسن مجيد، وهو صاحب "موكب حسيني" في بغداد، ذكر لـ"ألترا عراق"، أن "الطقس الحسيني يجب أن يبقى خالصًا لتقديم العزاء واستذكار مبادئ الثورة الحسينية واستلهام قيمها" مضيفًا "لن نسمح للفاسدين استغلال القضية الحسينية في تلميع صورهم أمام الناس"، رافضًا في الوقت ذاته "تواجد المرشحين الجدد"، معتبرًا أن "الحسين لا يمكن أن يكون دعاية انتخابية لأي أحد". 

استعادة "الحسين" من السلطة

تاريخيًا، كانت الشعائر الحسينية أحد أهم طقوس "الطائفة الشيعية" التي تعمل كأدوات دفاع عن الهوية بوصفها تمثل جماعة مضطهدة، أما بعد 2003 وسقوط نظام صدام حسين، ووصول "قوى شيعية" تقليدية إلى الحكم، وظفت هذه الطقوس في ذات السياق، ولكن هذه المرة للتكسب السياسي باستخدامها، على نطاق واسع وبدعم مؤسساتي وحزبي، لاستقطاب وضبط وتوجيه الجماهير نحو "أهداف ذات أبعاد سياسية غالبًا"، وفقًا لمراقبين. 

اقرأ/ي أيضًا: قوى السلطة تخسر آخر أدواتها.. الاحتجاجات تمتزج بطقوس عاشوراء

ومع تصاعد موجات الاحتجاج، بدأت ظاهرة رعاية السلطة للشعائر الحسينية بالانحسار تدريجيًا، بعد أن شهدت الاحتجاجات توظيف المحتجين للسردية الحسينية ورمزياتها بالضد من "قوى سياسية شيعية" فشلت في نظر جماهيرها في تقديم ما ينتشلها من واقعها. 

علي فائز، وهو كاتب وباحث، يرى أن "حركات الإسلام السياسي استغلت هذه الطقوس لصرف الناس عن المطالبة بحقوقهم المغتصبة بالشكل الذي جعل هذه الطقوس عبارة عن أفيون، مشيرًا إلى أن "للحراك الاحتجاجي مساهمة كبيرة في خلق  ثنائية حسين الشعب وحسين السلطة، حيث يمكن لمس هذه الثنائية على مختلف الأصعدة حتى في الأعمال الفنية كرسم الحسين على صهوة جواده في ساحة التحرير على سبيل المثال"، معتبرًا "تراكم هذا الوعي أفضى إلى تطور نوعي أعطى لأصحاب المواكب ما يشبه السلطة التي تمكنهم من منع السياسيين من استغلال هذا الموسم".

ويعتقد أحمد شبيب، وهو كاتب عراقي، أن "ممارسة الطقوس ودمجها بالاحتجاجات هي محاولة لاستعادة الحسين من السلطة التي طالما وظفته لغايات طائفية وانتخابية"، لافتًا إلى أن "الحسين كرمز ديني يستخدم في الطقوس الحالية وطنيًا ولاستعادة الحقوق، وهو التوظيف الصحيح بالنسبة للشباب الذي استلبت حقوقه". 

ويضيف شبيب لـ"ألترا عراق"، أن "الملاحظ للطقوس الحسينية بعد انتفاضة تشرين يرى التراجع الواضح في إقامة العزاء من قبل سياسيين، مضيفًا "حالة الاحتجاج جعلتهم يخافون من الدخول لأي عزاء حسيني لأنهم يواجهون بالرفض القاطع من قبل الناس". 

الطقوس الحسينية.. أسلوب للمعارضة السياسية

ويحاجج الباحث عقيل عباس في ورقة بحثية منشورة بعنوان "الرموز الحسينية ووظائفها الوطنية في الاحتجاجات" لإثبات أن تضمين الثيمات الحسينية في الخطاب الاحتجاجي من قبل محتجين ينحدرون من مناطق وبيئات شيعية لا يعني إلا أن "العدو قد تغير في المخيال الجمعي لكثير من شرائح الجمهور الشيعي، ولا سيما الطبقات المحرومة منهم، فهو تاريخي عقائدي ثابت قبل بزوغ حركات الاحتجاج- بحسب الموروث الشيعي- إلا أنه اليوم متمثل بقوى حداثوية سلطوية تتمتع بامتيازات اقتصادية وسياسية وتصنف بحسب جمهورها كقوى مناهضة لروح التشيع". 

ويرى مراقبون أن السلوك الجماهيري الساعي إلى سحب الشعائر الحسينية من يد السلطة لم يكن لتجنيب هذه الشعائر الانعكاسات السلبية للممارسة السياسية للحفاظ على قدسيتها فحسب، بل أكثر من ذلك، حيث تم إعادة إنتاجها وتوجيهها بالضد من القوى الماسكة بالسلطة، وأن لهذه الحالة أبعادًا سياسية كبيرة وليست مقتصرةً على جوانبها الدينية الروحية. 

يرى عضو في المكتب السياسي لحزب البيت الوطني أن ظاهرة امتزاج الطقوس بالاحتجاجات تمثل رفضًا قاطعًا من  الجماهير لادعاءات السياسيين بأنهم حماةً للطوائف

وبحسب عضو المكتب السياسي للبيت الوطني، مهتدى أبو الجود، فإن هذه الظاهرة الحديثة نسبيًا "تعد دلالة واضحة على رفض التمثيل المكوناتي في داخل بنية السلطة السياسية"، ويضيف أبو الجود في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "هذه الظاهرة تمثل رفضًا قاطعًا وجازمًا من قبل الجماهير لادعاءات السياسيين بأنهم حماةً للطوائف، وأنها دلالة على وعي الجماهير بأن أرباب السلطة ليسوا سوى رعاةً لمصالحهم الحزبية ومصالح إقطاعياتهم السياسية" معتبرًا أن "هذه الظاهرة يمكن تصنيفها كتمثّل من تمثّلات المعارضة السياسية الشعبية". 

اقرأ/ي أيضًا: قائد في حشد السيستاني يهاجم "الولائيين" ويحذر من فتاوى اغتيالات جديدة

مؤخرًا، وخلال فعاليات مجلس عزاء حسيني في محافظة المثنى، هاجم حميد الياسري قائد لواء أنصار المرجعية التابع لحشد العتبات الذي يشرف عليه المرجع الأعلى علي السيستاني، الميليشيات المنفذة لعمليات الاغتيال في البلاد، وعدهم "خونة"، فيما أعرب الياسري، عن رفضه لـ "صوت التوجيه والإرشاد القادم من خلف الحدود".

وقال الياسري، "هذه ليست عقيدة الإمام الحسين. نحن نرفض هذه الانتماءات ونرفض هذه الولاءات ونعلن ذلك بأعلى أصواتنا، دون خوف وتردد"، مشددًا أنّ "من يوالي غير هذا الوطن فهو خائن ومحروم من حب هذا الوطن". 

وأضاف الياسري، "أعلم أنّ هذه الكلمات هي رصاصات في قلوب هؤلاء، وأنّها سوف تعود في يوم من الأيام وتضرب قلبي وقلبك، وأعلم أنّ هناك من يكتب ويسجل هذه الكلمات ويبعثها لأسياده، وأسياده يبعثونها إلى أسيادهم خارج الحدود، وسوف يفتي المفتي خارج الحدود بقتلي وقتلك بتهمة أننا نزعزع الولاء، ونهدد هذه الولاءات الورقية الزائفة الزائلة في يوم من الأيام". 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

من التنويم للتثوير: الطائفية تفقد عقاقير الشعائر

عاشوراء عراقي مختلف.. هل ترد الميليشيات بالقمع؟