27-نوفمبر-2022
الحنطة في العراق

غموض يلف مصير أكثر من 2.5 مليون طن حنطة سنويًا (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

طوال العامين الماضيين وفي مناسبات مختلفة شكّلت تصريحات وبيانات وزارة التجارة تصورًا كاملًا عن كميات الحنطة التي يحتاجها العراق وعدد الدوانم التي يجب زراعتها لإنتاج ما يكفي لاستهلاك العراقيين ضمن الحصة التموينية والبالغة 4.5 مليون طن سنويًا.

استهلاك الحنطة شهريًا في العراق أقل بكثير مما تتحدث عنه وزارة التجارة

وعلى ذلك الأساس، فإنّ انخفاض المساحات المزروعة إلى النصف خلال العام الماضي بفعل الجفاف، تسبب بانخفاض إنتاج العراق من الحنطة إلى 2 مليون طن فقط، وهو الرقم الذي أعلنته وزارة التجارة بعد أن تم تسويق الحنطة إلى مخازنها مع انتهاء موسم الحصاد في مطلع تموز/يوليو الماضي، ووفقًا لهذا الواقع، كان من المفترض أن يستورد العراق 2.5 مليون طن إضافي من الحنطة لسد النقص الحاصل في الإنتاج.

والـ4.5 مليون طن حنطة سنويًا ناجمة من استخدام 450 ألف طن شهريًا، حيث أن التجارة توزع 10 وجبات طحين سنويًا وليس 12 وجبة على مدار السنة، وبينما ينتج كل طن حنطة 800 كيلوغرام من الطحين، فهذا يعني أن الـ450 الف طن شهريًا من الحنطة، تنتج نحو 360 ألف طن من الطحين، أو 360 مليون كيلوغرام طحين.

وتبلغ حصة كل مواطن 9 كيلوغرام من الطحين في كل وجبة، بحسب ما تحدده وزارة التجارة عبر الوكلاء، وبذلك فإنّ الـ360 مليون كيلوغرام من الطحين، وبتقسيمها على 9 كيلوغرام، ستكفي هذه الكمية لاستهلاك 40 مليون مواطن بالضبط، وهو عدد نسمات العراقيين، من هنا يتضح أصل الـ4.5 مليون طن سنويًا من الحنطة التي تتحدث عنها وزارة التجارة لتكفي لاستهلاك العراقيين، وهي أرقام تبدو منطقية تمامًا.

إلا أنّ مؤشرات رقمية جديدة صادرة من وزارة التجارة تبعث الحيرة وتضرب حقيقة تلك الأرقام وتفتح أبوابًا لتساؤلات متعددة، أهمها أنّ وزارة التجارة لا تستهلك بالحقيقة هذا الرقم من الحنطة لأنها لا تعطي حصة الطحين لـ40 مليون مواطن بالحقيقة، بل لنحو 40% من العراقيين فقط، بحسب حسابات أجراها "ألترا عراق".

فعلى سبيل المثال، قال وزير التجارة أثير الغريري في بيان يوم أمس الخميس، إنّ الوزارة استوردت 300 ألف طن من الحنطة من مناشئ أسترالية وكندية.

وأكد الغريري أنّ "توجيهات دولة رئيس الوزراء محمد السوداني بتوفير مادة الحنطة والجهود التي بذلتها لجنة التعاقدات المركزية أثمرت عن شراء 650 ألف طن من الحنطة من مناشئ عالمية، لسد حاجة البطاقة التموينية للأشهر الأربعة الأولى من العام المقبل".

وفق ذلك، فإنّ الـ650 ألف طن وبتقسيمها على 4 أشهر، يتضح أنّ استهلاك الحنطة شهريًا أو لكل وجبة يبلغ 162 ألف طن فقط، وليس 450 ألف طن كما كانت تشير بيانات وزارة التجارة في الأشهر والأعوام الماضية.

وفي مؤشر آخر يسند هذا التصوّر ويعد دليلًا قاطعًا على أن استهلاك الحنطة شهريًا أقل بكثير مما تتحدث عنه وزارة التجارة، ففي تصريح صحفي لمدير عام الشركة العامة لتصنيع الحبوب أثير داوود سلمان حول توزيع الوجبة الخامسة من الطحين في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، واطلع عليه "ألترا عراق"، قال إنّ "وزارة التجارة جهزت الوكلاء بكمية تزيد عن (3) ملايين كيس من مادة الطحين ضمن مفردات البطاقة التموينية".

والـ3 ملايين كيس من الطحين يعني 150 مليون كيلوغرام من الطحين (الكيس الواحد 50 كيلو غرام)، وبتقسيم الـ150 مليون كيلوغرام على 9 كيلوغرام (حصة الفرد الواحد) يتضح أنّ أقل من 17 مليون مواطن عراقي فقط يتسلم حصة طحين، وهي نسبة تعادل 40% فقط من العراقيين.

والـ150 مليون كيلوغرام تعني 150 ألف طن طحين، أو 180 ألف طن حنطة، وهو ما يمثل الاستهلاك الشهر أو للوجبة الواحدة، وهو رقم مقارب لما كشفت عنه وزارة التجارة يوم أمس الخميس عندما قالت إنها استوردت 650 ألف طن لاستهلاك 4 أشهر.

وتعادل الـ180 ألف طن أقل بـ60% من الكمية التي تتحدث عنها وزارة التجارة طوال الاعوام الماضية البالغة 450 الف طن شهريًا، وبذلك فإنّ الاستهلاك السنوي للحنطة للعراقيين يجب أن يكون 1.8 مليون طن، وفي أحسن الأحوال، لا يتجاوز الـ2 مليون طن، وليس 4.5 مليون طن، وهي الكمية التي تم إنتاجها بالفعل خلال موسم الحصاد الحالي.

تعطي وزارة التجارة حصة الطحين لـ40 مليون مواطن بل لنحو 40% من العراقيين فقط

ومن غير المعلوم ما إذا كان هذا الرقم هو الاستهلاك الفعلي طوال الأعوام الماضية، أم أنّ الوزارة عمدت لتقليل حصة التوزيع لـ40% من العراقيين فقط، لأمور تنظيمية ومنع غير المستحقين أو ممن لا يتسلمون حصصهم والمسافرين، تماشيًا مع انخفاض إنتاج العراق من الحنطة وارتفاع أسعارها عالميًا.

 أما أنّ معظم الحنطة المنتجة في العراق لا تذهب بالكامل لإنتاج الطحين الذي ستوزعه وزارة التجارة لاحقًا على المواطنين، بل يذهب لقنوات أخرى قد تكون للسوق السوداء أو للتهريب إلى الخارج أو يتحول كعلف للحيوانات.